حسين شبكشي

لم يعد أحد يعرف عدد الاجتماعات التي انعقدت لحل موضوع الأزمة السورية، ولكن هناك اتجاهًا واضحًا بين السطور من الممكن قراءته، وهو يتعلق بالكلمة التي لا أحد يريد أن يصرح بها علانية وهي «التقسيم». فالتلميح مستمر من قبل النظام والإعلام المحسوب عليه بأنه مهتم فقط بسوريا المفيدة، وهي المنطقة التي تشمل المدن الأساسية في سوريا. وفي المقابل هناك الحديث عن مناطق آمنة تقع «خارج» سلطة نظام الأسد تسمح بعودة اللاجئين المقيمين في المخيمات على دول الحدود في تركيا والأردن ولبنان تحديدًا، والكل يحكم على سوريا اليوم من واقع همجي متوحش؛ نظام إرهابي مثل نظام بشار الأسد تسانده فصائل إرهابية تكفيرية أتت من كل صوب وعلى رأسها تنظيم حزب الله والمرتزقة المقاتلة معه الآتية من أصقاع الأرض، وهناك من يدعي القتال ضد الأسد من تنظيم داعش وجبهة النصرة وفصائل أخرى.
لا يذكر أحد في سوريا اليوم إلا نظامًا رئاسيًا طائفيًا وراثيًا إجراميًا، متناسين أنه في سوريا كانت الديمقراطية بألف خير، وهي التي كانت بشخصيات من قامة هاشم الأتاسي وشكري القوتلي وناظم القدسي ورشدي كيخيا وأديب الشيشكلي وغيرهم.. كانت هناك حياة برلمانية حقيقية وأحزاب حقيقية وليست دمى متحركة. كانت هناك صحافة زاهية ومؤثرة وحرة وتعليم متطور ومفيد وقضاء عادل ونزيه… كل ذلك في جو مدني خال من الطائفية والرئاسة التابعة للعائلة الضيقة التابعة للطائفة الضيقة التي لا ترعى إلا المصالح الضيقة، أي سوريا الأسد. سوريا التي «صدرت» للعالم العربي أهم عقولها في قطاعات الطب والهندسة والتعليم والتجارة وتبوأ أبناؤها أهم المراكز في معظم القطاعات، وأطلقوا الكثير من المبادرات والإنجازات الصناعية الكبرى التي لا تزال موجودة حتى اليوم موظفة لمئات الناس، وكل ذلك كان يتم بأقل قدر من الضجيج وأكبر قدر من الإنجازات والعطاء والناتج الإيجابي.
إذا كان إعلام النظام الأسدي وأبواق أنصاره يحاولون تكريس أنه وحده يمثل سوريا ولا بديل غيره، فإن التاريخ المعاصر لا يزال بخير لكي تفتح أوراقه ويتم استرجاع الحقبة تلو الأخرى من السلسلة المجيدة في تاريخ سوريا والتي غطت عليها أربعة عقود من الذل والدماء والظلم والطغيان المعروفة بعهد الأسد الأب والابن. سوريا المفيدة حقًا هي حينما يتم الخلاص من النظام الأسوأ الذي عرفته البشرية؛ نظام جلب طوائف الشر من كل صوب ما بين مؤيدين له ومقاتلين ضده.. نظام هجر شعبه وسجنه، نظام باع أرضه لغيره وتعاقد مع الشياطين للدفاع عن نظام لأجل السلطة، دمر كل شيء ليستأثر بكل شيء.
سوريا المفيدة هي العودة لتاريخها المجيد والخلاص من حاضرها المعيب المخجل. لعل كل القائمين على فكرة إيجاد الحل للأزمة السورية ما عليهم سوى التأمل الحقيقي في التاريخ القريب لسوريا، ففيه مفاتيح الحل، وكل ما عليهم عمله هو تحقيق ما كان والخلاص مما هو موجود اليوم.
سوريا المفيدة والمجيدة كانت موجودة فدمرها النظام الحالي. هذه هي الحقيقة. نقطة على السطر.

“الشرق الاوسط”