رندة تقي الدين

التقى أمس النائب الفرنسي اليميني تييري مارياني بشار الأسد في دمشق بعد أن زار حلب الشرقية. السيد مارياني الذي قام بهذه الزيارة بحجة انه نائب يبحث عن الحقيقة، هكذا برر إلى إذاعة RTL زيارته، لم يدخل سورية من دون تأشيرة وإذن من النظام السوري. فذهب باحثاً عن حقيقة مزورة من نظام قصف وقتل وهجر وأفرغ المدينة على يد حلفائه الروس والإيرانيين. وها هو النائب الفرنسي الطامح إلى منصب وزاري أو دور إذا فاز فرنسوا فيون في انتخابات الرئاسة يعود إلى مرشحه للرئاسة برواية النظام السوري.
لكن السؤال المطروح على مارياني وربما على فيون إذا كان مصراً على ما قال خلال حملته للانتخابات التمهيدية لحزب الجمهوريين: ألا يتذكّر حقيقة وعود الأسد للرئيس ساركوزي عندما دعاه مرتين إلى فرنسا في زيارة رسمية؟ آنذاك كانت فلسفة ساركوزي، وفيون كان رئيس حكومته، (وكان مرياني نائباً مقرباً من ساركوزي من دون الحصول منه على اي منصب) أن دعوة الأسد إلى باريس ستجعله يقتنع بأن من الأفضل أن يترك لبنان مستقلاً في أمن وسلامة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وكل شهداء لبنان الذين ساهموا في ثورة الأرز. فكانت نتيجة التقارب الفرنسية السورية، مثلما حدث مع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، أن الأسد عمل عبر «حزب الله» على قلب حكومة سعد الحريري في حينه ومنعه من عودته الى المنصب. حتى في آخر اتصال بين الأسد وساركوزي في عهد رئاسته، علّق الأخير قائلاً للأسد الذي أكد لساركوزي أن سعد الحريري لن يترأس حكومة لبنان مجدداً «اعتقدتُ بأن لبنان بلد مستقل». ثم انقطعت العلاقة بين فرنسا وسورية بعد شن الأسد حرباً على شعبه.
وينبغي تذكير مارياني وفيون اللذين قد يظنان أنهما أذكى من الرؤساء السابقين فرنسوا ميتران وجاك شيراك وساركوزي بأن الثلاثة حاولوا إقناع النظام السوري مع الأب والابن بتغيير نهجه وفشلوا. وعلى سبيل تذكير السيد مارياني أن في عهد ميتران والأسد الأب قام الرئيس الفرنسي الراحل بزيارة إلى حافظ الأسد ما أدى إلى استقالة وزير الخارجية الفرنسي آنذاك كلود شيسون الذي أقر بأن النظام السوري قتل السفير الفرنسي السابق في لبنان لوي دولامار. وزيارة ميتران إلى دمشق باءت بالفشل والذل للجانب الفرنسي.
وشيراك حاول الكثير مع الأسد الابن واستقبله بإيعاز من صديقه الشهيد رفيق الحريري معتقداً بأن ذلك قد ينفع لبنان. النتيجة كانت اغتيال الحريري ثم شهداء لبنان الذين ساهموا في ثورة الأزر قبل مرحلة انتقال الأسد إلى الحرب على شعبه التي دمّرت سورية وأدخلت القوات الروسية والإيرانية الباقية فوق سورية المدمرة.
ألم يعرف مارياني الباحث عن حقيقة الأسد ونظامه أن القيادات العربية كلها في بداية الحرب وأثناء تظاهرات درعا نصحت الأسد بالتجاوب مع متطلبات شعبه. وأمير قطر الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني زار بشار الأسد وأوصاه بالقيام بإصلاحات وتم الاتفاق عليها لتفادي تظاهرات شعبه. وغداة نصيحة الأمير ألقى الأسد خطاباً تقليدياً ليس فيه أي إشارة إلى إصلاحات أو تجاوب مع متطلبات شعبه للحرية. وفي السياق نفسه كان الملك عبد الله بن عبد العزيز أوصاه بالتجاوب المسالم مع متطلبات شعبه، فجاء الرد عبر مقتل الولد حمزة الخطيب (عمره ١٣ سنة) في أيار (مايو) ٢٠١١ على قوى النظام السوري لأن خطيئة الولد أنه كان بين المتظاهرين.
هذه الأحداث نوردها لتذكير النواب الفرنسيين ورئيس الحكومة السابق فرانسوا فيون أن حماية مسيحيي الشرق وأمنهم وسلامتهم لن تمر عبر بلد مدمّر ومنقسم ومهجّر في أنحاء العالم في سبيل بقاء الأسد على رأس بلده. إن التحاور والتفاوض معه عقيم لأنه في حال من النكران الدائم، فهو يعتقد بأنه انتصر، في حين أن بلده محتل من روسيا وإيران الدولتين اللتين لن تعيدا إعمار بلد خرّبتاه.