طارق الحميد

طوال الشهر الماضي والأخبار تتحدث عن اتفاق روسي – تركي حيال سوريا، مع توافق وتباين إيراني، ونشوة لم يستطع بشار الأسد إخفاءها، وبلغت ذروة تلك «الأفراح الوهمية» بمؤتمر آستانة، حيث عقد دون حضور الأميركيين، أو السعودية.
اليوم وصل ترمب لسدة الرئاسة، واتخذ خطوات مثيرة للجدل كلها تقول إننا أمام رجل مختلف عن سلفه أوباما، فبينما كان الأخير مترددًا، ضعيفًا، فنحن اليوم أمام رئيس كله طاقة لفتح جميع الجبهات، وفي نفس التوقيت! ورغم كل الحديث عن ماهية طبيعة العلاقة التي ستكون بين ترمب وبوتين، فإن ترامب أقدم على خطوة من شأنها خلط الأوراق، وتحديدًا في سوريا. فقبل يومين كان هناك اتصال هاتفي مهم بين العاهل السعودي، والرئيس الأميركي، الذي بادر بالاتصال، واتفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في تلك المكالمة مع الرئيس ترمب على عدة نقاط مهمة، ولافتة، ومنها التصدي للأنشطة الإيرانية المزعزعة لاستقرار المنطقة، وكذلك تأييدهما لإقامة «مناطق آمنة» في سوريا، واليمن.
والحديث عن اليمن هنا مفهوم، حيث يعني تنسيقًا أميركيًا سعوديًا، وفق السياق الجغرافي، والسياسي، بينما يعني الحديث عن مناطق آمنة في سوريا أن الرئيس ترمب يرى في السعودية شريكًا مهمًا لحل الأزمة، وأن حل الأزمة السورية ليس حصرًا بيد روسيا، وتركيا، ولا إيران بالطبع، وهذا يدل على عودة الأمور بالمنطقة إلى طبيعتها السياسية، ووفق المنطق الجغرافي، ومنطق ترسيخ الاستقرار، وليس وفق المنطق الأوبامي، الذي لم يرَ ضيرًا في أن تستولي إيران، وبتفاخر، على أربع عواصم عربية: صنعاء، ودمشق، وبغداد، وبيروت.
وعليه فإن باب الأسئلة مفتوح الآن على مصراعيه، فيما يتعلق بالأتراك، والروس، والإيرانيين، وإن كان في منطقتنا كثر لا يرون ضيرًا بالدور التركي – الروسي، شريطة إبعاد إيران، إلا أن الإدارة الأميركية الحالية بدأت الآن بإرسال مدرعات لقوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالف فصائل عربية وكردية، للمرة الأولى. وبالنسبة للروس فإن فرض المناطق الآمنة يعارض تصريحاتهم السابقة عن خطورة تلك الخطوة، ومن الواضح أن الروس فوجئوا الآن، ويحاولون إظهار انضباط في ردود الفعل، وإيجاد مخارج، فبينما اشترط نظام الأسد التنسيق معه حول المناطق الآمنة، فإن روسيا، وعلى لسان وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، اشترطت موافقة نظام الأسد، والاتفاق مع دمشق أو مع الروس لإطلاق أي تعاون روسي – أميركي ضد الإرهاب، وهذا يظهر أن الروس لا يريدون التصعيد مع ترمب، ولا قفل الأبواب، وإنما شراء الوقت لمعرفة ماهية خطة ترمب الحقيقية، وما يؤكد ذلك هو ما قاله لافروف مجددًا أمس في أبوظبي بأن الرئيس ترمب يجب أن يكون أكثر تحديدًا بشأن اقتراحه بإقامة مناطق آمنة بسوريا، ومضيفًا أنه يأمل أن تبحث روسيا القضية مع الخارجية الأميركية بمجرد أن تنتهي من وضع خطط أكثر تفصيلا عن المناطق الآمنة. وكل ذلك يعني ببساطة أن شهر «الأفراح الوهمية» بسوريا انتهى، وبدأت مرحلة جديدة.

“aawsat.com”