مع نهاية 2015 وبداية 2016، يمكن القول إيجازا إن وضع روسيا على الصعيد الاستراتيجي ليس جيداً بالقدر الذي يزعمه زعماؤها، ولكنه في الوقت نفسه ليس سيئاً بالقدر الذي يدّعيه خصومها. فمن خلال تدخلها في سوريا، أعادت روسيا نفسها إلى قلب اللعبة الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وأظهر الرئيس فلاديمير بوتين صورة إصرار وتصميم تتعارض مع المماطلة المفترضة للرئيس أوباما، إذ نجح في إظهار أنه لا يمكن القيام بأي شيء في هذه المنطقة من دون روسيا، ناهيك عن القيام بشيء ضدها، وأنها ينبغي أن تكون جزءاً من الحل، وإلا فإن المشكلة لن يكتب لها الحل. غير أن الروس، وخلافاً للإيرانيين، ليسوا مرتبطين بنيوياً بالرئيس السوري بشار الأسد، ذلك أنهم يرغبون فقط في أن تبقى مصالحهم مصانة، وتفادي تحول سوريا إلى عراق جديد أو ليبيا جديدة، ووضع حد لنظريات «تغيير النظام» التي يروج لها الغربيون.

وبالنسبة لروسيا، تُعتبر أوكرانيا أهم بكثير من سوريا. غير أنه إذا كان الروس قد كسبوا شبه جزيرة القرم، فإنهم خسروا أوكرانيا، التي أضحت البلد الأكثر عداء لروسيا لفترة جيل على الأقل حيث أصبحت السياسة الأوكرانية اليوم موجهة ضد روسيا. العزاء بالنسبة لموسكو هو رؤيتها هذا البلد ينهار، حيث تقلص ناتجه المحلي الخام بـ12 و8 في المئة خلال العامين الأخيرين. وعلاوة على ذلك، فإن الروس يحبون عقد مقارنة بين وطنية زعمائهم وحقيقة أن الطبقة السياسية الأوكرانية مؤلفة في المقام الأول من أوليغارشيين منشغلين بالاغتناء ومراكمة الثروات أكثر من انشغالهم بتنمية البلد وتطويره. ذلك أنه إذا كان الأوكرانيون يعانون من محاولات زعزعة الاستقرار الروسية، فإنهم يُعتبرون أولا وقبل كل شيء ضحايا لإهمال وتقصير زعمائهم.

 
 

سياسة التقارب مع الغربيين باءت بالفشل وانتهت بالنسبة لموسكو. وهذا يعود، حسبما يقولون، إلى عدم قبول الولايات المتحدة لروسيا كشريك وإلى النظر إليها دائما باعتبارها الطرف المنهزم في الحرب الباردة. فالنخبة الروسية قد تكون واعية بالخطاب حول حقوق الإنسان والديمقراطية، ولكنها لا يمكن أن تقبل زعامة أميركية. غير أن واشنطن تظل مع ذلك الانشغال الرئيسي بالنسبة لموسكو. كما أن العلاقات الروسية- الأميركية، على سلبيتها، ينظر إليها دائماً باعتبارها العلاقات الثنائية الأهم. وعلاوة على ذلك، فإن روسيا فشلت أيضاً في إعادة إنشاء فضاء جديد على أنقاض الفضاء السوفييتي. وبالتالي، فروسيا ليست في قلب تحالف جديد اليوم، بل يمكن القول إنها باتت معزولة نسبيا.

إن روسيا تريد اعترافاً بعالم متعدد المراكز تلعب فيها دوراً مهماً. صحيح أن الصين تُعتبر ملاذاً ممكنا على اعتبار أنه من الممكن القيام بالتجارة معها، وبالتالي الالتفاف على العقوبات، غير أن الروس يدركون أن الصينيين لا يتعاملون مع بلدهم بندية وعلى قدم المساواة.

وبالمقابل، لدى موسكو علاقات جيدة مع إسرائيل حيث تبدو معجبة بما تتمتع به هذه الأخيرة من هامش مناورة في المنطقة. ومن جانبها، لا تؤاخذ إسرائيل روسيا على علاقاتها مع إيران أو مع «حزب الله». أما أفريقيا وأميركا اللاتينية، فهما انشغالان بعيدان بالنسبة لموسكو، وذلك على اعتبار أن الروس ليست لديهم أشياء كثيرة ليقترحوها على بلدان هاتين القارتين، مثلما أنه ليست لديهم أشياء كثيرة ليطلبوها منها.

ومن جهة أخرى، يتأسف الروس بالخصوص على المسافة الطويلة التي باتت تفصل بلدهم عن أوروبا الغربية، ولاسيما اصطفاف الأوروبيين في صف الولايات المتحدة بخصوص العقوبات. ذلك أنه بالنسبة للروس، تبدو هذه الأخيرة إجراء من زمن آخر، وإن كانت معاناتهم منها أقل من معاناتهم من انخفاض أسعار النفط. وباختصار، يمكن القول إن سياسة بوتين الخارجية تساهم في زيادة شعبيته في روسيا بقدر ما تساهم في تدنيها في العالم الغربي. بيد أن الأولى، بطبيعة الحال، تُعتبر أهم بكثير من الثانية، في نظره.

باسكال بونيفاس

الاتحاد