رسالة سياسية!

 

أولاً-الوضع السوري:

 بعد أحداث حلب المروعة، أصبحت سوريا على المكشوف بلداً يحتله الروس والإيرانيون، وساحة للصراع الإقليمي والدولي على حساب دم الشعب السوري ومستقبله. وأصبح هؤلاء يتصرفون بصورة فظة بمصير البلاد، بما يخدم اجنداتهم الخاصة. ويمارسون مع النظام بحق الشعب أبشع الجرائم وحشية لم يشهد التاريخ المعاصر مثيلاً لها. مستخدمين كافة صنوف الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً في قتل البشر واقتلاع السكان من بيوتهم وتدمير المدن والبلدات الخارجة عليهم.
1-هولوكوست حلب:

  على مدى أشهر تعرضت حلب وخاصة أحياؤها الشرقية لحملة إبادة جماعية غير مسبوقة، نفذتها غارات العدوان الروسي والأسدي. وتواصلت عمليات القتل والتدمير والقصف بالكيماوي والفوسفوري والعنقودي والارتجاجي، وتوالى سقوط الشهداء والجرحى من المدنيين تحت أنقاض البيوت المدمرة بمعدل مئة شهيد يومياً، حيث كانت جثث الأطفال والنساء متروكة في الشوارع. وتولّت قطعان النظام والميليشيات الطائفية ارتكاب المجازر وعمليات التنكيل والتهجير بحق المدنيين العزل.
جاءت هذه التطورات بعد مواجهات ومعارك ضارية شهدتها
أغلب الأحياء، مما سمح للغزاة باحتلال عدد كبير منها، بعدما أوسعها الطيران الروسي سحقاً وتدميراً ليمهد الطريق لقواته الخاصة وميليشيات إيران الطائفية السيطرة عليها.
وسط هذا الجحيم تتواصل معاناة المدنيين ويصبح المشهد الإنساني أشدّ كارثية بعد أن انهارت كل مقومات الحياة، ولم تنجُ المشافي والمدارس والأسواق الشعبية ودور العبادة من هذا المصير. وهناك اعتراف أممي بوجود عمليات خطف واعتقال للمدنيين الفارين من جحيم الموت، وإقامة معسكرات اعتقال لهم، وتنفيذ إعدامات ميدانية بحق الشباب منهم وحرق للأطفال والنساء وهم أحياء. أما الروس فقد تماهوا مع النظام بكل ممارساته الوحشية، بل كانوا أكثر وحشية منه، حيث لم يتركوا واحدة من 25 جريمة حرب موصوفة إلا وارتكبوها. وأصبحت حلب مرادفاً للجحيم كما وصفها السيد بان كيمون.
تجري حملة بوتين على حلب تحت نظر وسمع العالم، غير مبالٍ بأي رد فعل على جرائمه المرتكبة، وفي ظل صمت المجتمع الدولي والتواطؤ الأميركي المكشوف لإفراغ المدينة من المدنيين والمقاتلين معاً، وعجز العالمين العربي والإسلامي رسمياً وشعبياً.  وضجيج إعلامي من أوربا ومؤسسات الأمم المتحدة المندّدة بالجرائم المرتكبة. من الناحية العملية بقي ضجيجاً في الهواء، ودون أية فاعلية لوقف المذبحة المفتوحة.
أمام هذا الواقع، أصبحت خيارات الثوار وحاضنتهم محدودة وليس أمامهم سوى القبول بالاتفاق الروسي التركي الذي يقضي بإفراغ أحياء حلب الشرقية من سكانها وتهجيرهم وخروج الثوار مع سلاحهم الفردي منها لعدم تمكنهم من الوقوف امام القوة النارية التي تحرق البشر والحجر.
2-المعارضة السياسية والمسلحة:
ما يجري في حلب ليس نهاية الصراع، وهي لا تختصر الثورة ولم يكن في بدايتها ولن يكون نهايتها، لكنها تعتبر مركز ثقل هام في قاطرتها. فخسارتها تشكل ضربة موجعة لمسيرتها. إن ما تتعرض له الثورة اليوم في حلب، وفي حملات التهجير والتغيير الديمغرافي لمدن وبلدات ريف دمشق وقبلها حمص باتت تشكل مخاطر جدّية عليها.
  لا يمكن النظر إلى الإخفاق الأخير في حلب، وإلى حالات الاقتتال والصراع الداخلي بين الفصائل المسلحة على أنه نقطة جانبية وعابرة في سياق الثورة يمكن تجاوزها إلا إذا جرى الاعتراف بأسبابه الذاتية ومعالجتها بجرأة ووضوح بدل التذرع والتبرير. كما لا يمكن تعويض رجحان كفة النظام والاحتلالين الروسي والإيراني إلا بالشروع الجاد للتخلص من كل العوامل والأسباب التي تضعف الثورة من داخلها قبل أن نكيل الاتهامات للآخرين.
لا بدّ من الاعتراف بأن الثورة السورية تواجه ظروفاً صعبة، وعلينا الاقرار بمخاطرها والبحث عن سبل لوقف هذا التراجع. فانطلاقاً من إحساسنا بالمسؤولية الوطنية ينبغي التنبه لجملة الأخطاء المرتكبة وتلافيها منعاً لاستغلالها، والشروع بمراجعة نقدية تطال كل جوانب العملية الثورية بهدف الإبقاء على زخمها وجوهرها، خوفاً عليها أن تضيع في زحام العجز والاحباط والتواطؤ الدولي، وإنقاذاً لها من براثن صراع المصالح والأجندات والمعارك الايديولوجية العقيمة. ينبغي وضع الثورة أولاً وقبل كل شيء في سياقها الأصيل، من حيث جوهرها وأهدافها وشعاراتها، والاعتماد على القدرات الذاتية وسحبها من سوق التدخلات الخارجية، وإعادة بناء كل فعالياتها المدنية والثورية والسياسية والعسكرية في إطار وحدة متكاملة.  توحّد مجمل نشاطاتها وخطابها الوطني والثوري، وإعادة بناء القضية الوطنية السورية بوضوح يوازي حق السوريين في الحرية والكرامة بصفة ثابته، والعمل سريعاً لاسترداد تمثيل الثورة من أيدي العابثين بها داخلياً واقليمياً ودولياً وتكريسها كنواة صلبة في صلب القضية الوطنية. وتنحية الشعارات الخاصة لصالح خطاب سياسي وطني أكثر عمقاً ووضوحاً واحساساً بالمسؤولية الوطنية والتاريخية، والشروع بمأسسة عمل الهيئات الممثلة لها، وسد المنافذ أمام المنصات والتكايا التي تغذي الفتنة والانقسام وتضعف مناعة الثوار وثقة الناس بهم.
مهما قيل من نقد وتجريح بحق المعارضة والفصائل المقاتلة، إلا أننا لا نستطيع أن ننكر أنها قاتلت بشجاعة نادرة على الرغم من المآخذ والثغرات الكثيرة في أدائها، ولا يحق لنا أو لغيرنا أن نعطيها دروساً في المقاومة والصمود، فهؤلاء المقاتلون لم ينسحبوا في مواجهة النظام، بل واجهوا ببطولة همجية الروس وبربرية الميليشيات الطائفية والمتعددة الجنسيات. ولا يجوز المزاودة على من ضحوا بكل غال ونفيس في مواجهة المحتلين والنظام.
لا يمكن أن تختصر ثورة الشعب السوري بأحد أذرعها وهي المعارضة المسلحة، فهي نتيجة لها وليس العكس. فانطلاقتها لم تكن مرهونة بها، لكن عنف النظام وحلفائه والإجرام الذي مارسوه أجبروها على التحول إلى العمل المسلح، وهو يريد اليوم أن يقول للعالم أن بسط سيطرته على حلب يعني نهاية الثورة بالنظر إلى ما تعنيه حلب من ثقل في معادلتها. لكن السوريين الذين ثاروا قبل ست سنوات على نظام مستبد وفاسد، واثقون من أن النظام انتهى. فمهما امتلك أعداؤه من أسباب القوة، فلن يستطيعوا إعادة تأهيله ومنع قطاعات واسعة من الشعب السوري من البقاء أوفياء على عهد الثورة ومقاتلون من أجل الحرية وتحرير بلدهم.
  ثانياً: الأوضاع الدولية والإقليمية:

 1-منذ انطلاق الثورة السورية، وقفت روسيا إلى جانب النظام، وأخذت تمدّه بكل أشكال الدعم اللوجستي والعسكري والاستخباري، وحمايته دولياً عبر الفيتو المتكرر في مجلس الأمن. إلا أن هذا الدعم انتقل بعد 30/9/2015، إلى غزو واحتلال عسكري مباشر، بعد أن تبين لروسيا والعالم قرب انهيار النظام، وفشل ملالي طهران وميليشياتها وحزب الله في حمايته وتثبيته.
كان واضحاً أن هذا الغزو والاحتلال قد رُسمت أبعاده دولياً بين الروس وإدارة أوباما. هدفه اجهاض الثورة، ومنع انهيار النظام، ممتطياً ذريعة محاربة الإرهاب.
لقد ساهم هذا الغزو والاحتلال الذي لم يواجه صداً من أي اتجاه، مساهمة واسعة مع الاحتلال الإيراني في تحويل سورية إلى ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية والدولية، مما يفتح الباب لحروب لا تنتهي على حساب دماء شعبنا وعلى حاضره ومستقبله.
مثلما تطور الدور الروسي وصولاً إلى محاولة إبادة حلب وتدمير كل مقومات الحياة فيها وقتل أهلها وتهجيرهم. تطورت حزمة المصالح والأهداف التي تتخفى حوله. ويمكننا القول إن الهدف الاستراتيجي الأول للغزو والاحتلال الروسي لسوريا، ومحاولة سحق حلب بهذا الشكل والحجم من البربرية والتوحش، هو التمسك بآخر موقع نفوذ لها في شرق المتوسط، وهو هدف تستميت إدارة بوتين من أجله. فهذا لا يتيسر لها إلا بإنقاذ النظام وإعادة تأهيله، وتوجيه ضربه ساحقة للثورة بحجة محاربة الإرهاب، وفرض استسلامها لمشروعها للحل السياسي. هذا سيفتح الباب أمامها لجعل سورية عتلة للسيطرة على البوابة الشرقية للمتوسط، مما يضعها أمام أمكانية عودتها بقوة إلى الساحة الدولية، واستعادة مكانتها المفقودة، واحياء دورها الدولي زمن العهد السوفياتي كإحدى القوتين الأعظم في العالم. والأدل على هذا التوجه طلب روسيا من مصر السماح لها بإقامة قواعد عسكرية لها فيها.
أما الهدف المباشر الاستراتيجي الثاني لها: هو السعي لحيازة الفضاء السوري (ميدانياً وسياسياً) واستخدامه كمنصة لابتزاز الغرب في قضايا عديدة في العالم، وخاصة في أوربا، سواء ما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية الأميركية والأوربية، أو ما يتصل بأوكرانيا وجورجيا والقرم ودول البلطيق، وكذلك بتمدد الأطلسي عسكرياً نحو حدودها، مروراً بتحديات الدرع الصاروخي، وانهيار أسعار النفط. كل هذه المشاكل والتحديات، وكذلك كل الطموحات والتطلعات (استعادة نفوذها القديم في أوربا الشرقية)، وجدت مفتاح تحققها السحري الأمثل في غزوها واحتلالها لسوريا كورقة رابحة في مواجهة الغرب.

  يضاف إلى ذلك هماً يؤرق استقرار سلطة بوتين يتمثل شقه الأول: بضرورة ابعاد خطر الإسلاميين عنه وتسهيل خروجهم إلى جبهات القتال للتخلص منهم. لأن بقاءهم في ظل مناخ مستعر بالصراعات، ربما يشكل قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجهه. والشق الثاني: ضرورة إطلاق زخم جديد في الحياة الداخلية لروسيا وتحقيق بعض المكاسب السياسية بما يعزز سلطته، ويبعد الأضواء عن أزمتها السياسية المكتومة.
نلاحظ أن الاستراتيجية الروسية تتطور على وقع التطورات السياسية والميدانية، حيث عززت وجودها العسكري ببناء المزيد من القواعد البحرية والمطارات العسكرية، لدعم النظام وتغيير موازين القوى لفرض رؤيتها للحل، وهذا ما ظهر في اللقاء الثلاثي في موسكو في 20/12/2016، بين روسيا وإيران وتركيا وصدر عنه “إعلان موسكو” الذي نعى جنيف1 وكل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن. داعياً إلى حل سياسي عبر الحوار بين السلطة والمعارضة دون البحث في مستقبل النظام ورئيسه.
كما تعزز وجودها في مفاصل صنع القرار السوري، ويدخل في هذا الإطار تشكيل الفيلق الخامس بتسليح وتمويل روسي، والتدخل في مناصب النظام الأمنية والعسكرية، وتفعيل دورها في اجراء “المصالحات” والإشراف على عمليات التهجير القسري. فأصبحت تمسك بالحيز العسكري والسياسي والدبلوماسي وباشرت بالإمساك بالحيز الاقتصادي وهذا ما كشفت عنه زيارة نائب رئيس وزراءها إلى دمشق مؤخراً وإبرام اتفاقات مع النظام تعطيها أفضلية في التبادل التجاري وتأهيل البنية التحتية لقطاعات النفط والغاز والكهرباء والطرق وغيرها.
2- لم يكن للمشروع الدموي الروسي في سورية، والهادف في حقيقته إلى تصفية الثورة وإعادة تأهيل النظام، أن يتبلور وتتكامل أبعاده كما نراها اليوم، إلا بالتوازي مع مناخات دولية وإقليمية مواتيه لتطوره، وهي من أسهمت بدورها في صناعة جملة من التطورات الميدانية والسياسية لتعكس في المآل الأخير حقائق الوضع الدولي بكل بشاعته واستعصاءاته، بل وعجزه المزمن عن وضع حد للعبة المصالح والأجندات الخفية القاتلة على حساب الشعوب الطامحة لحريتها وكرامتها، مثلما تكشف بعمق تهافته السياسي والأخلاقي، بل تواطئه خدمة لهذه اللعبة الجهنمية التي أعادت البشرية إلى عصور خلت ظنت أنها قد أفلت بغير رجعة.
إن المسؤولية الدولية، عن هذه الهمجية والتوحش، تتحملها في المقام الأول المنظومة الدولية، وما يتفرع عنها من هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والعديد من المؤسسات والهيئات التي تعمل تحت جناحها.
لم تعد مهمة المؤسسات الدولية كما خطط لها تطبيق القانون الدولي وحفظ الأمن والسلم الدوليين، ووضع حد للحروب والنزاعات المسلحة، وتطبيق المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان. كما لم تعد وسيلة لنصرة الشعوب المضطهدة والعمل لتحقيق تطلعاتها بالخلاص من قهر المستبد وظلم المحتل، وتمكينها من نيل حريتها وكرامتها، بل أصبحت شبكة معقدة للحفاظ على مصالح الكبار وتقاسم النفوذ والموارد فيما بينهم وأصبح مجلس الأمن منصة لصراع القوى الدولية وتسوياتهم وصفقاتهم على حساب المستضعفين.
3-تتحمل الولايات المتحدة الأميركية المسؤولية الأولى عن هذا الواقع المأساوي. فقد طغت مصالحها المباشرة على أي دور إيجابي يمكن أن تلعبه في هذا الإطار. إن مخاطر سياسات ومواقف إدارة أوباما تتجاوز المحنة السورية لتعم المنطقة عموماً ولاسيما في المناطق الثائرة، وذلك انطلاقاً من مصلحتها في اجهاض ثورات الربيع العربي وتحويلها إلى أزمات مفتوحة يسهل استثمار مخرجاتها لصالحها. كما يدخل في هذا السياق وبشكل مباشر توقيعها الاتفاق النووي مع إيران والسكوت أو التواطؤ معها على تدخلها العسكري والميليشياوي في العديد من دول المنطقة، ونشر النزعات المذهبية والطائفية بين أبناء البلد الواحد، وتعريض أمن واستقرار دول المنطقة للصراعات والحروب المفتوحة خاصة بعدما ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في ظهور داعش. وهي من استدرج الدور الروسي وإدارته بما يخدم مصالحها عبر اغراق خصومها وحلفائها في بحر من الاستنزاف العسكري والسياسي والمالي، وتحجيم الدور الأوربي والحد من نفوذه وابقاءه تحت السيطرة. فهذه السياسيات التي انتجتها الإدارة الأميركية تقف على رأس القائمة في تحمل المسؤولية الدولية عن كل هذا الدمار والخراب وهذه الدماء من دون أن تتحمل وزر أي خسارة بشرية أو مالية أو سياسية. فسوء السمعة يلاحق روسيا وإيران وسيدفعان الثمن عاجلاً أم آجلاً، أما الإدارة الراحلة فقد اكتفت بالإمساك بخيوط اللعبة وإدارة الأزمات عن بعد، وزج الأخرين في صراعات تنهك الجميع لتبقى هي وإسرائيل الرابح الأكبر.
إن الموقف الأميركي في حقيقته، كان ولايزال ابقاء الأزمة السورية مفتوحة وإدارتها من الخلف ضمن سياستها الانسحابية من الشرق الأوسط، وهذا ما تدلل عليه العديد من الوقائع في سلوكها، منها امتناعها عن معاقبة النظام على استخدامه السلاح الكيماوي أو بتعمد غضّ النظر عن الغزو والاحتلال الروسي والإيراني وميليشياتها الطائفية، كذلك منع دعم الجيش السوري الحر أو بتسفيه الثورة السورية من قبل أوباما، والسكوت عن اجرام النظام والروس ومجازرهم المتواصلة على المدنيين السوريين وخاصة في حلب.
إن إدارة أوباما التي شجعت الروس على التدخل العسكري في سوريا مع الإمساك بخيوط اللعبة وبنتائجها، شكّلت فرصة لزيادة توريطها أكثر في أوحال المنطقة وأزماتها، وتركهم يدفعون أكلاف هذه الحرب من رصيدهم السياسي والعسكري والاقتصادي إلى جانب إيران وميليشياتها في مواجهة اللاعبين الأخرين. مما يضع الجميع أمام دوامة استنزاف لا تنتهي، وإبقاء هذا الصراع مفتوحاً ومنع أي طرف من تحقيق الانتصار. ربما هدفت من وراء هذه السياسة بالنسبة لروسيا كشف نطاق قوتها وتعريض آلتها العسكرية لمزيد من التهتك، بالتوازي مع زيادة تآكل رصيدها السياسي وتشويه سمعتها الدولية بعد سلسلة ارتكاباتها في الشيشان وجورجيا وأوكرانيا والبلقان. وهذا مدلول قطع الاتفاق الثنائي المشترك الأميركي-الروسي في الشأن السوري، وتلهف الروس لاستعادة هذا التعاون الثنائي من أجل تأمين غطاء دولي ومشاركة بالمسؤولية عما يفعلونه في سوريا.
لا نعتقد أن انسحابية إدارة أوباما سببها الضعف أمام الروسي، كما أنها لا تعبر عن حماقة أو مجرد أخطاء، بل هي سياسة هادفة وتوجه مدروس بكل معنى الكلمة، على الأقل من زاوية اضعاف خصومها وتحقيق المصالح الأميركية دون دفع الأثمان. ويتطلع الجميع في سوريا والمنطقة والعالم وأوربا أيضاً لمجيئ الإدارة الأميركية الجديدة لمعرفة رؤيتها للشرق الأوسط، واستعادة دورها، لأن حضورها حاجة استراتيجية، ولا يمكن الاستغناء عن الغطاء الأميركي. وهذا ما يقلق الروس والإيرانيين معاً. ونحن نعتقد أن رؤية الإدارة القادمة للمنطقة ستختلف عن الإدارة السابقة، ولن تكون أسوأ منها.
4-لقد استغلت روسيا سياسة أوباما الانسحابية لتحقيق هدفها في سوريا، وأقامت جسور اتصال وثيقة مع إسرائيل لطمأنتها على أمن حدودها، فقد عولت الأخيرة كثيراً على هذا الغزو بالحفاظ على نظام الأسد الضامن لسلامة حدودها الشمالية، كذلك للحد من النفوذ الإيراني فيها.
كما استغلت أيضاً الخلافات الأميركية التركية ولا سيما في الملف السوري، ومحاولة الانقلاب العسكري الذي يبدو أن للأمريكان دوراً فيه. فسعت لاحتواء أزمتها مع تركيا على خلفية اسقاط قواتها للطائرة الروسية. فنجحت في التوصل إلى اتفاق معها لتحييد نسبي لدورها في الصراع السوري، هذا ما ظهر بموقفها الصامت مما يجري في حلب، مقابل تخلي الروس عن دعمهم للانفصاليين الأكراد في الشمال السوري، وإطلاق يدها في غرب الفرات.
كذلك لم يفُت الروس فرصة برود العلاقات بين الإدارة الأميركية ودول الخليج بما فيها السعودية فقد وطدت علاقاتها الاقتصادية والنفطية معهم، وهناك مشروع لدخولها إلى منظمة الأوبك. كما أنها لم تتدخل في الحرب اليمنية، حتى بعد أن أظهر الأمريكان انحيازهم للانقلابين، وعقد اتفاق منفرد معهم من خلف ظهر الحكومة الشرعية. وهذا الموقف الروسي دفعت ثمنه دول الخليج في الموقف الضعيف والخجول من التدخل الروسي في سوريا ومن جرائمها في حلب.
إذا كان المشروع الروسي في سوريا يهدف لتثبيت النظام وإعادة انتاجه وتأهيله مع الحفاظ على هيكلية السلطة لضمان مصالحها فيها وفي الشرق الأوسط بما يجعل منها قوة دولية مؤثرة. في المقابل تنصب الأجندة الإيرانية على تشييع البيئة الجغرافية والسكانية لدمشق ومحيطها للإمساك بالعاصمة. كما تسعى وما تزال للسيطرة الكاملة على القرار السياسي والهيمنة على السلطة التي ساعدتها على البقاء في الحكم، وعبر تدمير كل آليات الدفاع لديها واستبدالها بالميليشيات الموالية والمرتبطة بها عضوياً. هذا الوضع هو الذي يسمح لها باستكمال مشروعها والتمدد في أكثر من اتجاه، وتتحول إلى قوة إقليمية مؤثرة في المنطقة.
إن الموقف الإسرائيلي المتناقض مع المشروع الإيراني والمتلاقي مع المشروع الروسي، وهذا التلاقي هو في صلب الاتفاق والتنسيق السياسي والعسكري والأمني بين الطرفين. فلن تقبل إسرائيل بنجاح المشروع الإيراني حتى لو اضطرت للتدخل العسكري المباشر في سوريا. من هنا يمكننا فهم التردد في أكثر من محطة في الموقف الروسي. ففي ضوء ضعف قوة النظام العسكرية والنقص الكبير في الموارد البشرية لديه، وقرار الروس بعدم التدخل على الأرض في حرب برية، يجعل إيران وميليشياتها هي المستفيد الأساسي من عملياتها العسكرية الجوية، وهو في النتيجة لا يدفع الأمور لصالح مشروعها. من هنا بحثها الملح عمن يلتقي مع مشروعها من المعارضة السورية بعد أن تفرض حسماً عسكرياً تشكل حلب النقطة الأبرز فيه. من هنا علينا أن نفهم نية ” هيئة التنسيق” عقد مؤتمر لأطراف من المعارضة في دمشق.
قد يكون الموقف الأوربي هو الأكثر وضوحاً. فأوربا تجد نفسها معنية بشكل مباشر بأحداث المنطقة، ليس بسبب قربها فحسب، بل مما أصابها من نتائج هذا الصراع (الإرهاب، والهجرة، الكلفة المادية، الإغاثة..) لذا ترى مصلحتها في إيقاف هذا الصراع ولملمة نتائجه. إلا أنها لا تملك القوة القادرة على ذلك، وترى نفسها محكومة بالقرار الأميركي، رغم كل ما طرحته من مبادرات لم يكن لها صدى لدى الروس والأمريكان. فالسياسة الأميركية تركت أوربا في موضع حرج، فلا هي تستطيع الاهمال والانتظار، وليس بوسعها أن تفعل الكثير بغياب أميركا وانسحابيتها، وهو ما ترك تأثيراته السلبية على علاقة أوربا بحليفها الأطلسي تركيا. فقد بدأوا بمواجهة الغطرسة الروسية بلغة جديدة وإجراءات غير مسبوقة. كما فعل هولاند بتعطيل زيارة بوتين لباريس، كذلك دعوة وزير الخارجية البريطاني للتظاهر أمام السفارة الروسية، ناهيك عن العديد من التصريحات السلبية بحق روسيا والنظام. وتسعى مفوضة السياسة الخارجية موغيريني لبناء تحركات مع المعارضة كما حصل في اجتماع بروكسل وتقديم مبادرة سياسية للحل في سورية. كذلك تصريح رئيسة وزراء بريطانيا في قمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة بأن أمن بريطانيا من أمن الخليج.
يأتي هذا التحرك الأوربي في سياق ملء الفراغ الناشئ عن غياب الدور الأميركي بسبب الانتخابات. غير أن ذروته تمثل في التحرك الفرنسي لإحياء مجموعة “أصدقاء الشعب السوري” وتفعيل دورها المعطل منذ عامين. عقد الاجتماع في باريس لكنه لم يخرج عن سقف التوقعات المنخفض. إذ انتهى دون التوصل إلى أية قرارات حازمة. وأخيراً نجحت بإصدار قرار من مجلس الأمن بنشر مراقبين دوليين في حلب.
ويمكن اعتبار التصعيد السياسي والدبلوماسي والقانوني الذي باشرته كل من بريطانيا وفرنسا ضد النظام وروسيا إلى تحقيق بعض النتائج الإيجابية في العزلة الدولية المتدرجة على روسيا.
فتم إسقاط عضويتها من مجلس حقوق الإنسان، واضطرت للانسحاب من اتفاقية روما المؤسسة لمحكمة الجنايات الدولية، لأنها بدأت تحس بتراكم محتويات ملفها الجنائي الكبير وجدية التعامل الدولي معه عبر المحاكم الدولية، إن لم يكن اليوم ففي المستقبل. كما أصدرت 230 منظمة غير حكومية نداءاً وجهته لقادة دول العالم وإلى الأمم المتحدة، تدعو الجميع لممارسة أقصى الضغوط لتحويل الملف السوري إلى محكمة الجنائية الدولية، بعد عجز مجلس الأمن على مدى ست سنوات من اتخاذ موقف جدي لوقف جرائم الحرب المرتكبة في سوريا.
5-أ- لعلّ ما يشعرنا بالكثير من المرارة، انخراط المقاتلين في صراعات مسلحة داخلية وفي أحلك أيام الشدّة، جرى ذلك في الغوطة، بل وداخل أحياء حلب المحاصرة. يحدث ذلك بين الفصائل التي تحوّل عدد من قادتها إلى أمراء حرب، بينما مواقف أهل حلب من مدنيين ومقاتلين أعظم من بطولة. تبقى قضية “قيادة الثورة” الموحّدة سياسياً وعسكرياً أهمّ النقائص وأخطرها على الوضع الحالي. حيث تزداد الحاجة إليها كلّ يوم. ومن الضروري بمكان أن تقدم على هذه الخطوة الدول الإقليمية الداعمة للثورة، لتجميع زعماء الفصائل العديدة الكبيرة وتضعهم أمام هذا الخيار المتوجّب لتشكيل جبهة واحدة ببرنامج واحد موحد وتقاتل تحت علم الثورة وفي إطار أجندتها الوطنية السورية من أجل تحقيق أهدافها في إسقاط الاستبداد وتحقيق الحرية والكرامة للشعب، واحترام إرادة السوريين في بناء دولتهم المنشودة. وتضم إلى جانبهم وبخيارهم نخبة من السياسيين المشهود لهم بالموثوقية وصدق المواقف الداعمة للثورة ليكونوا جزءاً من هذه القيادة إلى جانب بعض الضباط المنشقين. هذه الخطوة بمقدورها استيعاب الفصائل الصغيرة وعزل المنظمات المتطرفة ذات الأجندات الخاصة المنافية للمشروع الوطني والتكوينات السياسية المناوئة وتطويق أدوارها السلبية. وبذلك يعود القرار ممسوكاً بيد واحدة سياسية وعسكرية تنال ثقة الشعب وتحوز على الدعم الإقليمي والاعتراف الدولي. كما نرى في هذه الظروف الصعبة الآن أن من المنطقي اتاحة دور أوسع للسياسيين وبعض الرموز الوطنية المؤثرة لتمكينهم من حل بعض المعضلات الشائكة والتي لا تجد حلاً لها سوى بالطرق السياسية، والتي تساعد على رأب الصدع وإعادة تمتين اللحمة الوطنية في صفوف الثورة والثوار كافة.
ب-لم يحدثنا التاريخ عن ثورة برؤوس متعددة قد انتصرت، فكيف الحال إذا كانت متنافرة ومتناحرة بل ومتصارعة؟! وهذا ما ينطبق على الفضائين السياسي والعسكري معاً. ونحن لم نقترب بعد من المعركة الفاصلة. لأن وهم الحل العسكري الذي أشعله الاحتلال الروسي برأس النظام والإيرانيين لم ينطفئ بعد، ويحتاج إلى صدمة عسكرية وهذا لن يتم إلا بعودة الأمريكان إلى المنطقة، ورفع الفيتو الذي يقيّد عسكرياً حركة الدول الداعمة، وإطلاق الجبهة الجنوبية من أسرها، جنباً إلى جنب مع إطلاق الجسم السياسي والعسكري الموحد، الذي يطمئن الجميع بكونه بديلاً موثوقاً وآمناً، وقادراً على الإحاطة بجوانب الصراع بكل وجوهها واستيعاب المساعدة والدعم المطلوب، على أن يحمل برنامجاً واضحاً لمستقبل البلد يحظى بالموافقة والدعم. فالهيئة العليا للمفاوضات لا تعدو أن تكون خطوة مرحلية وحسب على درب الطريق الطويل.
ج-تمثل حلب ساحة بالغة الأهمية من ساحات الصراع. وهي موضع اهتمام أوربي تاريخي كبير وملحوظ. ومن المرجح أن لا تترك الإدارة الأميركية الجديدة إيران تسرح وتمرح في المنطقة، وكلنا يعرف أن عقدة النفوذ الإيراني في المنطقة وعتلة اندفاعته الرئيسية في دمشق. وكذلك فإن إنهاك القوى المتصارعة ميدانياً وفق ما هو مخطط له، سيدفع جذوة المنطقة العربية إلى التعاون الإيجابي مع الغرب والأمريكان على وجه الخصوص. وهذا يعني أن علينا الاستفادة مما سوف يجري ومن نتائجه في إحكام القبضة الأميركية على المنطقة وعلى الحلفاء خصوصاً.
د-لعل أكثر الملفات خطورة في سياق ما يجري، هو مشروع “المصالحات” الذي يشرف عليه الروس في العديد من المناطق بريف دمشق وغيرها، لأنه يقضم مواقع الثورة قطعة إثر قطعة، ربما أراد الروس منه ترسيخ نفوذهم على الأرض مقابل النفوذ الإيراني المتعاظم بشكله الطائفي والمذهبي المفضوح والمكروه. على أمل أن يجد الروس بين صفوف العرب السنّة (وهم الضحايا من سكان هذه المناطق)، يداً متعاونة يحتاجها الروس مستقبلاً. فهم يحاولون الظهور بمظهر المنقذ من الجوع والموت دون أن يكون لهم مآرب دينية أو مذهبية أو أية مشاريع للتغيير الديمغرافي والاجتماعي. ولا سيما أن هذه المناطق لم تشهد التدمير الروسي مثل حلب وادلب. وإذا نجح الروس بذلك يمكنهم إضافة هذا الرصيد إلى ترحيب بعض الأقليات بهم وعدم الخوف منهم. فيكونوا الأكثر فعالية وحضورا في بناء سوريا الجديدة. وربما أرادوا أيضاً التغطية والتمويه على وحشية جرائمهم والدماء المعلّقة في اعناقهم مما ارتكبوه في حلب.
إن ما يجري في ريف دمشق ومنطقة الغاب وريفي حمص وحماه الشمالي والغربي يصنّع دعائم قوية لمشروع التقسيم والكانتونات، ليصبح جاهزاً عندما يصير خياراً لازماً.

***               ***              ***

أصبحت سوريا الأن بلداً محتلاً كما أشرنا في البداية، ومن واجب كل القوى الوطنية والثورية أن تنطلق من هذا الواقع في معالجة الشأن السوري. كما أصبح النظام كما نعتقد ألعوبة بين أيدي القوى الطامحة لبسط نفوذها على سوريا. لذلك فإن أي حديث عن تفاوض معه سيكون من دون طائل. لقد أحبط كل مشاريع وقف إطلاق النار والحل السياسي بما فيها تلك التي وقّع عليها الروس، كي لا يضطر إلى التفاوض بشكل جدّي على انتقال سياسي، بل أنه منذ بداية الأزمة رفع شعاره “الأسد أو نحرق البلد”. إن طبيعته لا تقبل الأخر أصلاً منذ قيامه، إلا إذا كان تابعاً له كما كان الحال مع “الجبهة الوطنية التقدمية”. انطلاقاً من ذلك، فإن أساليب النضال من أجل حرية سورية ينبغي أن تأخذ اشكالاً متنوعة مستفيدين من التناقضات بين روسيا وإيران من جهة والغرب من جهة أخرى، والنفخ في روح الصمود والمقاومة بمواجهة الاحتلال الروسي والإيراني وميليشياته وكل من يمس وحدة سوريا أرضاً وشعباً. أما معركة شعبنا ضد الاستبداد فسيبقى الصراع من أجلها مستمراً. إنه نضال ثابت من أجل الحرية والديمقراطية والكرامة. قد تختلف أساليبه وتتغير، لكن معاركه ستتواصل حتى تحقيق أهدافها.
6 – في ضوء ما تقدم لا بدّ لنا من التركيز على أبرز الدروس والاستنتاجات المستخلصة من العرض السابق، والتي نوجزها فيما يلي:
أ- لا تزال طاقة الثورة كبيرة، وما يزال عزم السوريين وتصميمهم أكيداً ولا تراجع عنه. فالثورة باقية ما بقي النظام، والبلاد محتلة وتدار من موسكو وطهران ولكن ليس بأجندة واحدة. أما النظام فلم يعد شيئاً يذكر، إنه واجهة للاحتلال وحسب.
ب- بعد تحول الأزمة السورية إلى صراع دولي تقوده شبكة المصالح المعقدة. فأصبح مصير سوريا كبلد موحدٍ أرضاً وشعباً في الميزان، وجميع القوى الإقليمية، عدا إسرائيل، تنفخ على أصابعها، بعد أن طالت ذيول الانفجار الجميع، وأصبح حل القضية مرتبطاً بالقضايا الأخرى في المنطقة، وهذا يدفع نحو تسويتها في إطار حل إقليمي شامل لقضايا المنطقة. لكن مؤشرات هذا الحل لن تبرز قبل عودة السياسة الأميركية إلى مسرح الشرق الأوسط بفعالية.
ج-هناك بوادر عودة بارزة للوطنية السورية، بعد انكشاف الإسلاموية والتطرف من جهة، والتدخلات الخارجية من جهة أخرى، من المأمول دعم هذا التوجه والتعويل عليه لتشكيل حائط صد بوجه مخاطر الحلول التقسيمية القائمة.
على خلفية هذه الاستنتاجات تنهض جملة من المهام أبرزها:

  1″-بذل أقصى الجهود لبناء قيادة للثورة السورية عسكرية وسياسية وثورية ومدنية في جسم واحد.
2″-الحفاظ على القرار الوطني المستقل للثورة أمام ازدحام المصالح، مصالح الأصدقاء ومصالح الأعداء، والاستمرار بالعمل من أجل حل سياسي على أساس بيان جنيف1 لعام 2012، مع الاستمرار بدعم بندقية الثورة التي تؤسس لذلك.
3″-بذل كافة الجهود لتخفيف حدة التوتر الاجتماعي بين مكونات الشعب السوري باتجاه تزايد الحقد على العلويين وكره الأقليات والكرد.
4″-الإبقاء على وحدة المعارضة وفعالية مؤسساتها مهمة دائمة لمناصري الثورة.
5″-مقاومة أفكار اليأس والإحباط ومناخات الهزيمة والندم وسموم هذه الأجواء التي يتم نشرها.
6″-شرح طبيعة الثورات الكبرى في التاريخ ومنها الثورة السورية، بتعقّد أوضاعها وصعوبة الانتصارات السريعة فيها، وبحتمية الانتصار لأهدافها وتطلعاتها. وقد أنجزت الثورة في هذا المجال أشياء ملحوظة قبل أن تحقق سلطتها السياسية.
دمشق 25/ 12/ 2016

اللجنة المركزية
لحزب الشعب الديمقراطي السوري

[gview file=”http://www.syria-sdpp.org/wp-content/uploads/2016/12/رسالة-سياسية.docx”]