يرى ديمستورا وبضغط دوليّ أن تشكيل “اللجنة الدستورية” التي أقرّها مؤتمر سوتشي سيحقّق اختراقاً في جمود جنيف، إذ يستجرّ النظام بدفع من الروس لاستئناف المفاوضات من السلة التي يشاء، ليحقّق النتيجة التي يشاء، ويظنّ أنه صيّاد يقدّم جزرة شهيّة لأرنب غبيّ، متناسياً أنه يضع العربة أمام الحصان؛ فيُفتَضَح همّه في خلق بروبوغندا تُوهم العالم بحركة قد توصل إلى آخر النفق.
ففي مؤتمر “أستانا”- المسار البديل- الذي اختطّه الروس للإفلات من مقرّرات جنيف1 والقرار 2254، بل عملوا من خلاله على إسقاط جنيف أو تركه يسقط، تمكّنوا من اقتناص سلّتين من سلال ديمستورا، آتت الأولى “مكافحة الإرهاب” أُكلها بابتداع مناطق “خفض التصعيد”، فجاءت على الأخضر واليابس في اثنتين ( الغوطة وريفي حمص وحماه)، والثالثة (الجنوب) والرابعة (إدلب) تنتظران فتح البازار، أمّا ثانية سِلال ديمستورا فهي ” الدستور “، فقد أُلحِقت بسابقتها بتوصية من مؤتمر “سوتشي” للحوار السوري-السوري، الذي هلّل له الروس ليخرج بتوصية تشكيل “لجنة دستورية”، والتي لم يعترف بها النظام قبل المعارضة، إذ قرأها بعين الريبة وتوقّع المكيدة، إلى أن أُرغم على إرسال لائحته، في الوقت الذي ستستسلم فيه هيئة التفاوض2 لرغبة أُولي الأمر وتشارك بلائحة أسماء تمثّلها.
لكن ما يحاول فعله “ضامنو أستانا” وفي مقدّمتهم روسيا، دونه “مجموعة الستّ” وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي أحبطت سوتشي وهزّلت مخرجاته، عندما جعلت مؤتمر جنيف غطاء دولياً، وأساساً للعملية التفاوضية، وأعادت التأكيد على مقررات جنيف1 والقرار2254.. من هنا فإن مهمّة ديمستورا تجسير الهوّة بين الكتلتين لاستحالة ردمها، والتقاط ما يمكن البناء عليه بينهما وصولاً، كما يدّعي، إلى “مسار سوريّ بقيادة سوريّة وتسهيل أمميّ”. فهو مكلّف اختيار أعضاء اللجنة الدستوريّة، التي يُتوقّع أن تُعدّ دستوراً لسورية، يمهّد الطريق لإجراء انتخابات جديدة في إطار عملية سياسية وإصلاح دستوري لما بعد انتهاء الحرب، وهي الرؤية الروسيّة الإيرانية، فهل سيقبل مَن يتمسّك بالانتقال السياسيّ الذي طرحته «اللاورقة» للدول الستّ؟
ثمّة أمور تتعلّق بتشكيل اللجنة الدستورية العتيدة، ما زالت ضبابية، إذ لا مهمّة واضحة لها” تعديل الموجود أم كتابة دستور جديد، أم التوافق على دستور ما”، ولا توصيف محدّد لتكوينها، ولا تحديد لمكوّناتها “مَن يُعدّ على المعارضة من المنصّات، وما عدد أعضائها، وما حصّة كلّ من النظام والمعارضة والمجتمع المدني”، وما آليّة عملها، والتصويت فيها؟
إن إرادة القوى المتصارعة الإقليمية والدولية اختزال القضية السورية بتسوية دستورية، سيؤدّي إلى اختصار الحلّ السياسي بإعلان دستور حسب الطلب، معدّل أو جديد، يرتضيه مريدو هذا الطرف أو ذاك، ويسكت عنه مدعومو هذه القوة أو تلك. مثل هذا الدستور لن يعيش؛ لأنه رهينة مَن فرضه، ويؤسّس ارتهاناً لعدم الاستقرار طويل الأجل. فمادام دور المجتمع السوري مستلباً للقوى المتصارعة المحلية والإقليمية والدولية، فلن يُنتَج إلا ما يراعي طموح تلك الأطراف، وما يتماشى ومصالحها.
فالالتفاف على الانتقال السياسي بالقفز على مقررات جنيف و2254 عبر صياغة دستور أو تعديل دستور أو اعتماد دستور يغيب عنه التمثيل الوطني السوري وفق أسس ومعايير تتعامل وتعمل بموجبها كل الدول، مصادرة لإرادة شعب قدّم مئات آلاف الضحايا، ودُمّر نصف وطنه، وشُرّد وهُجّر نصف أهله، وغُيّب قسراً عشرات الآلاف من شبابه، ولا هدف له غير تأهيل النظام وشرعنة وجوده واستمراره، فهو الذي سيوقّع عليه، وهو بالتالي ،دستورياً، مَن سينقل سورية إلى عهد جديد، وتلك مكافأة العالم المتحضّر له على جرائمه، ووأده لثورة السوريين وحلمهم بالعيش ككلّ الشعوب بحرية وكرامة ومساواة.