زمان الوصل – علي عيد
 
نعم يتقدم النظام في الشيخ مسكين، قلب حوران، وعقدتها الاستراتيجية، وكل ما يتداوله ناشطون وتأخذه عنهم مواقع التواصل الاجتماعي هي مجرد أحاديث مضلّلة لا تمت للواقع بصلة، إذ إن الجولة التي يخوضها النظام مدعوما بميليشيا خارجية وطيران روسي تقترب من السيطرة على اللواء 82 بعد أن تمكنت من التمركز في شماله وفي الأبنية المحيطة كما هو حال مؤخرة اللواء وسرية النيران.
 
ليس واضحاً ما إذا كان مقاتلو الجيش الحر قادرين على صدّ هذه الحملة ضمن ظروفهم الحالية، وليس الأمر من قلة عدد أو سلاح وإنما يعود لأسباب ملخصها:
 
ـ حالة الخمول بعد فترة طويلة من الانكفاء السلبي بعد توقف معركة تحرير درعا “عاصفة الجنوب” التي كلفت مئات الضحايا دون أن تحقق أهدافها، وتشتت كتائب وألوية الجيش الحر رغم كل عمليات الدمج والتوحيد.
 
ـ تصفية عدد كبير من القيادات العسكرية والمدنية وحالة الفزع التي سيطرت على الحياة العامة نتيجة الاغتيالات التي تقف خلفها جهات مجهولة.
 
ـ سيطرة العامل الخارجي وتحكمه بكبرى الفصائل المسلحة، الأمر الذي حول هذه الفصائل ضحية لخلافات الدول الداعمة في كثير من الأحيان إذا علمنا أن غرفة أن “موك” ـ (Military Operation Center) تضم مستشارين وضباط استخبارات لعدة دول منها الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية والإمارات والأردن، وبطبيعة الحال فإن خلفية تشكيل هذه الغرفة لمجموعة دول تسمي نفسها “مجموعة أصدقاء سوريا” لم تعد تمتلك ذات الأجندة والدليل ما يتم الكشف عنه من تناقض، ومثال ذلك ما نشره الصحفي الأميركي سيمور هيرش مؤخراً كاشفاً عن أن الاستخبارات الأميركية قدمت معلومات عن المعارضة السورية لنظام الأسد عبر وسطاء.
 
ما يجري على الجبهة الجنوبية لا يمكن فهمه كمقايضة سياسية أو عملية تأمين لمواقع استراتيجية من خطر سيطرة جماعات إسلامية متطرفة مثلاً، فالحال في درعا معروف، حيث يشكل الجيش الحر أو ما يسمى “فصائل الجبهة الجنوبية” والتي تضم نحو 50 تشكيلاً القوة الضاربة لأي عملية عسكرية، حيث يصل تعداد عناصره إلى 30 ألف مقاتل، فيما لا يتجاوز عدد عناصر الفصائل الإسلامية 3 آلاف عنصر وهي ليست تشيكلات متجانسة وبعضها يوصف بالمعتدل وإن كان بينها “جبهة النصرة” التي لا تتدخل في الحياة العامة بعديد عناصر يصل إلى 1500 مقاتل، وكذلك لواء شهداء اليرموك المتهم بالبيعة لتنظيم “داعش” وهو تشكيل غير وازن ولم يخض معركة ضد النظام ولا يتجاوز عدد عناصره المئات.
 
منطقياً لم يتوصل داعمو المقاتلين جنوباً إلى توافق مع خصومهم الإقليميين حتى نفهم عملية تمدد النظام على أرض تسيطر عليها فصائل للجيش الحر المعتدل ومكونة من عناصر محلية، وإن حصل هذا فإن الداعم على أقل تقدير سيكون حريصاً على عدم إضعاف موقفه التفاوضي، وهذا يقود بالمحصلة إلى اعتبار العملية العسكرية للنظام وداعميه في منطقة الشيخ مسكين عملية استراتيجية هدفها إستعادة تأسيس قاعدة تمركز وإمداد في المرحلة الأولى، ثم التمدد خاصة وأنه يملك جزراً في مدينة درعا وخربة غزالة.
 
في جميع الأحوال ليس معلوماً ما ستفضي إليه الحملة الجديدة، فالجيش الحر قادر على المبادرة، وإن لم يحصل فإن المجموعات المحلية أيضاً تستطيع خوض معارك كر وفرّ طويلة الأجل، وقد تستنزف القوة البرية التي يحشدها النظام، لكن الخطر الأكبر هو أن تكون هناك عملية منسقة وباتفاق قوى دولية وإقليمية، إذ تم العمل خلال الفترة الماضية على تخميد الجبهات وفرض مصالحات وهِدَن في بعض المدن دون أن تتضح أهداف هذا التوجه واسترتيجياته، وهو دليل على حالة تشتت وتباين لدى القوة الداعمة انعكست سلباً على صورة وتماسك فصائل الجيش الحر.
 
السؤال الكبير هو هل يستطيع ثوار حوران استعادة المبادرة بدون التنسيق مع الداعم الخارجي، وإلى أي مدى يمكنهم مقارعة قوة نارية منبعها مصانع السلاح في روسيا، الإجابة مقلقة ومريحة في آن معاً، فطبيعة المقاتلين وانتماؤهم للبيئة المحلية يصّعب مهمة الخصم، وحتى الدّاعمين على فرض معادلة لا يراها هؤلاء المقاتلون تعبر عن مصالح مجتمعهم، وقد تتمكن القوى الدولية من فرض معادلة جديدة وإعادة جيش النظام إلى مواقع خسرها في حوران، إلا أن مثل هذه المعادلة ستكلفه الكثير وسيكون بإمكان مجموعات صغيرة أن تشن هجمات موجعة كل يوم وأن تحقق مكاسب على حساب قوات النظام المتعبة والمليشيات الغريبة، أضف إلى أن أي شعور بالحيف والغبن لدى مقاتلي الجيش الحر دون الوصول إلى تسوية أو اتفاق مقنع ينهي الصراع سيؤدي إلى تحول عدد كبير من المقاتلين إلى نهج متشدد ما يقوي من شوكة الفصائل الإسلامية، وغير بعيد احتمال “تصنيع” تشكيلات توالي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” واستغلال ظروف الإحباط، وليس من مصلحة الجوار وخاصة الأردن وجود مثل هذه المظاهر على حدودها مع سوريا.
 
قبل العملية الأخيرة للنظام يمكن تسجيل عدة ملاحظات على الأرض منها:
 
ـ حركة اغتيالات وتصفية طالت العشرات من قياديي الفصائل المقاتلة والمؤسسات المجتمعية والمدنية.
ـ انسحاب العشرات من عناصر وعوائل جبهة النصرة باتفاق مع النظام، وتصفية واختفاء بعض قادة هذا التشكيل منهم “أبو جليبيب” واغتيال قائد لواء شهداء اليرموك أبو علي البريدي “الخال”.
ـ التشجيع على عقد اتفاقات مصالحة مع النظام ضمن بعض المدن وبصورة منفصلة ضمن بيئات محلية.
 
من خلال ما سبق يمكن فهم التصعيد العسكري على أنه خطوة تم تبييتها مسبقاً وهي لن تكون الأخيرة، وأن التخطيط لمستقبل الصراع لا يخضع لأي اعتبارات طارئة أو اتفاق متوقع كما هو الحال بالنسبة لاجتماع جنيف 3 المزمع عقده خلال أسابيع، وفي جميع الأحول فإن النظام وروسيا وإيران يفضلون الحديث عن العملية السياسية تحت النار بدون تصريحات، فيما يتحدث “أصدقاء” الثورة عن رحيل الأسد بحل سياسي أو عسكري لكنهم يعطلون ماكينة الجيش الحر ويمنعونه من القتال، وبالمجمل، حتى ولو سيطر النظام على الشيخ مسكين، لن تكون هناك مكاسب على جميع الجبهات للجهتين (النظام والمعارضة) لأن سلاح الطيران لا يحسم الأرض لمصلحة النظام، كما أن القوة البرية لا يمكنها الاحتفاظ بمكاسب للمعارضة تحت قصف الطيران.
 
نعم تغيرت المعادلة منذ دخول الروس، لكنها ليست الهزيمة، وما يجري في درعا يشكل حافزاً لاستعادة المبادرة رغم ما يحمله من دلالات وتأثيرات نفسية سلبية، قد يكون الحلفاء مضطرين لإعادة قراءة تحالفاتهم من جديد وهنا لبّ الموضوع، لا يبدو أن هناك تقاطعاً حقيقياً بين السعوديين والأميركيين ومعهم إسرائيل في المسألة السورية، إنه وهم سيكلف مزيداً الدم والوقت والجهد وأيضاً المال، لا بد من إعادة النظر في تشكلية ومهمة ودور “الموك”، يمكن للجيش الحر أن يعمل بدون وصاية ومع من تتقاطع مصالحه مع مصالح السوريين وثورتهم وحربهم ضد المحتلّ الروسي ـ الإيراني.