بيروت: بولا أسطيح
استنفر تنظيم داعش داخل مدينة الرقة، معقله الرئيسي بشمال وسط سوريا، تحضيرًا للمعركة المقبلة وأتم وفق التقارير استعداداته لـ«حرب شوارع» فيها. ومن جانب آخر، تحاول الميليشيات الكردية في شمال سوريا التعاطي بكثير من الواقعية مع السياسة الأميركية الجديدة في المنطقة، وبالتحديد، مع رغبة واشنطن بالتنسيق الوثيق مع أنقرة لطرد تنظيم داعش من المدن السورية الواقعة في منطقة الشمال عند الحدود مع تركيا. غير أن هذه الميليشيات في تصريحات لمصادر سياسية مقربة منها لـ«الشرق الأوسط» تستبعد في الوقت عينه التوصل إلى اتفاق على توجه تركيا إلى مدينة الرقة. وهي تربط ذلك بما تراه بـ«الصعوبات الكبيرة» التي تواجه قوات الجيش السوري الحر التي تدعمها أنقرة على جبهة في مدينة الباب، ويرجحون أن تنحصر أي مشاركة لهم بتحرير معقل «داعش» بعمليات القصف الجوي.
«داعش» استنفر قواته داخل الرقة تحضيرًا للمعركة المرتقبة، بعد إقدام التحالف الدولي بقصف جسور المدينة على نهر الفرات، وقطع صلة الوصل بين ضفتي النهر، وتقدم ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» ذات الغالبية الكردية مسافة من الجهة الشمالية الشرقية وزحفها لحصار المدينة من الجهة الشرقية، ومنع تواصل التنظيم مع بقية المناطق التي يسيطر عليها في شرق سوريا والعراق. وأشار ناشطون في حملة «الرقة تذبح بصمت» – ومعظمهم من أبناء المدينة – إلى أن التنظيم الإرهابي المتطرف عزّز الشوارع الرئيسية بأنابيب الصرف الصحي الإسمنتية، التي يراد منها التشويش على الطيران الحربي في حال باتت المعركة «حرب شوارع» داخل الرقة، بحيث يصار إلى ملئها بالنفط ثم حرقه، مما سيشكل سحابة دخانية تعيق الرؤية.
كذلك أجبر «داعش» أصحاب المحال التجارية والمنازل على إقامة سواتر ترابية أمام محالهم وبعض المنازل، بارتفاع أكثر من متر ونصف المتر. وفي السياق عينه، عمد التنظيم إلى جمع ما يتوافر من مادة القمح في الرقة وريفها القريب، وطمر الكميات تحت الأرض في مواقع معينة داخل المدينة، خوفًا من حصار قد يكون طويلاً.
في هذه الأثناء، رجحت المصادر الكردية أن يكون اتصال الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان في وقت سابق، وما نقلته الرئاسة في أنقرة عن اتفاق بينهما على التعاون على تحرير الرقة، واللقاء الذي جمع قبل يومين مايك بومبيو، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، بالرئيس التركي «مجرد جرعات أميركية مسكنة لأنقرة». واستبعدت هذه المصادر أن تنقلب الإدارة الأميركية الجديدة على سياسة الإدارة السابقة بالملف السوري.
وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال طلال سلو، الناطق باسم ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» إن الطرف الأميركي لم يضعهم بعد بفحوى الاتفاق مع أنقرة بخصوص تحرير الرقة، لافتًا إلى أن الوجود العسكري للتحالف كما لواشنطن في مناطق سيطرة الأكراد «مستمر وفاعل إن كان من حيث المشاركة بالمعارك وعمليات التدريب لقواتنا، أو من حيث استمرار عمليات مدنا بالسلاح والعتاد». وأشار سلو إلى أنّه بالنسبة إلى ما تم إعلانه عن اتفاق بين الرئيسين الأميركي الجديد والتركي بخصوص تحرير الرقة، «فنحن سنتخذ الموقف المناسب على ضوء الاتفاق الذي سيتم بين الإدارة الأميركية وقيادة قواتنا، على الرغم من كوننا كنا معارضين إشراك الطرف التركي بعملية تحرير الأراضي السورية، ولكن في حال كان هناك تفاهم أميركي – تركي بهذا الخصوص، فالأرجح سيكون هناك تشاور بهدف التوصل لصيغة مناسبة لتحرير الرقة».
ولم تؤثر المستجدات المتسارعة على صعيد الحركة الأميركية والمواقف الصادرة من أنقرة على الحملة التي تشنها ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» في منطقة ريف الرقة، بحيث واصلت يوم أمس تقدمها في الريف الشمالي.
وأعلنت نوروز كوباني، المسؤولة في المكتب الإعلامي لـ«وحدات حماية المرأة»، أنّه «تم تحرير قرية معيزلة التي تعد قرية استراتيجية وخط دفاع عن المدينة صباح يوم أمس بعد 3 أيام من محاصرتها»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّه «نتيجة عمليات التمشيط التي قامت بها القوات في القرية، تم الاستيلاء على سلاح مضاد للدبابات، كما تمكنا من القبض على 4 عناصر من إرهابيي (داعش) مع استمرار عمليات التمشيط في القرية». ومن جهته، تحدث سلو عن «تقدم كبير لقوات سوريا الديمقراطية في مناطق ريف الرقة منذ الإعلان عن انطلاق المرحلة الثالثة من عملية محاصرة المدينة التي تسير بالتوازي مع المرحلة الثانية»، ولفت إلى أن الميليشيا باتت على بُعد 10 كلم من الجهة الشمالية و20 كلم من الجهة الشرقية و24 كلم من الجهة الغربية»، مرجحًا إتمام حصار المدينة خلال شهر أو 2 كحد أقصى.
على صعيد ثانٍ، خلال مؤتمر صحافي، أعلن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ليل الخميس عن سيطرة ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» على مساحة 3 آلاف و410 كلم مربع في ريف الرقة منذ بدء حملة «غضب الفرات» ضد «داعش» في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي. وقال المتحدث باسم التحالف الدولي العقيد، جون دوريان، إن «هذه القوات واجهت في المرحلة الأخيرة من العملية مقاومة خفيفة إلى متوسطة كون منظومة القيادة والسيطرة لدى العدو تواجه مصاعب كبيرة في التعامل مع العمليات المتعددة التي تجري في آن واحد».