أولا: مقدمة: آستانا فرصة حل أم إدارة للأزمة:
عملية آستانا نشأت إثر تفاهم روسي تركي انضمت له إيران لاحقا، وبغض النظر عن أهداف هذه الدول الثلاث من وراء هذه العملية فإنه يمكن رصد تباينات جوهرية بينها في فهمها لهذه العملية وما يمكن ان تسفر عنه من نتائج ، هذا التباين يدل بشكل واضح على أن التفاهم الذي تمت صياغته في إعلان موسكو الثلاثي بتاريخ 20122016 لا يمكن اعتباره خارطة حل مقترحة ومتفق عليها بين الدول الثلاث، بل هو أقرب إلى تحييد الخلافات والتناقضات بين هذه الدول من دون الاتفاق على تصور مشترك للحل، وربما يظهر هذا التناقض في المواقف بشكل أكبر في موقف إيران من هذه العملية التي دخلت فيها مجبرة بسبب عامل التأثير الروسي عليها ،ولكن أيضا هناك تناقض جوهري وأساسي بين الموقفين الروسي والتركي، ويظهر هذا التناقض من خلال قراءة بسيطة لنص الرسالتين التركية والروسية الموجهتين لمجلس الأمن بتاريخ 29كانون أول عام 2016 والمحفوظتين تحت الرقم S20161133 في هاتين الرسالتين يتضح فهم كل من الدولتين لعملية آستانا والهدف منها.

في نص الرسالة الروسية نقرأ ما يلي: ” سعيا إلى تهيئة الظروف اللازمة لإقامة حوار سياسي مباشر بين جميع الأطراف المتنازعة في الجمهورية العربية السورية، والحد من العنف، ومنع سقوط ضحايا في صفوف المدنيين، وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، يقترح الاتحاد الروسي على ضوء أحكام قرار مجلس الأمن 2245لعام 2015 إرساء نظام لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء سورية باستثناء مناطق العمليات القتالية ضد الجماعتين الإرهابيتين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة”.

في هذا النص تحدد روسيا أن الهدف من وقف إطلاق النار هو تهيئة الظروف لإقامة حوار سياسي مباشر بين جميع الأطراف المتنازعة في سورية.

وهذا يعني أن روسيا تنظر إلى الحالة السورية من منظار النزاع الأهلي الذي يعني انخراط أطراف عدة في الصراع ولا تنظر إليه على أساس أنه أزمة سياسية بين نظام ومعارضة، ولذلك غاب عن الرسالة الروسية أي حديث عن المرجعيات القانونية الحاضنة للحالة السورية في الأمم المتحدة، والإشارة للقرار 2254 الواردة في نص الرسالة الروسية كانت بمعرض الحديث عن وقف إطلاق النار وليس عن أسس الحل السياسي.

فالهدف الروسي من العملية هو حوار سياسي مباشر بين أطراف النزاع للبحث عن المشتركات بينهما مما يسمح بتخفيض مستوى العنف ووضع خارطة طريق للحل فيما بعد استنادا للعمل المشترك الذي سيقوم به الأطراف المتنازعة، مع ملاحظة أن الرسالة الروسية لم تذكر مؤتمر آستانا بالاسم بل اكتفت بالحديث عن الحوار السياسي المباشر مما يفيد أن المقصود هو مؤتمر آستانا.

في نص الرسالة التركية نقرأ ما يلي: ” احترام وقف إطلاق النار من أجل تحقيق انتقال سياسي حقيقي على أساس بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015، هناك أمل في أن يجتمع النظام والمعارضة في وقت قريب في أستانا بحضور الضامنين لاتخاذ خطوات ملموسة نحو إحياء العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة … “.

في هذا النص تحدد تركيا أن الهدف من إرساء وقف إطلاق النار هو البدء بعملية سياسية لتحقيق انتقال سياسي حقيقي وفق ما نص عليه بيان جنيف والقرار 2254، والرسالة التركية تتحدث عن طرفين هما المعارضة والنظام وليس أطراف النزاع كما هي الرسالة الروسية.

ويمكن تلخيص نقاط الاختلاف بين الرسالتين بالنقاط التالية:

الرسالة الروسية تتحدث عن نزاع بين أطراف وليس أزمة سياسية بين نظام ومعارضة، الرسالة التركية تتحدث عن نزاع سياسي بين نظام ومعارضة.

الرسالة الروسية لا تتحدث عن عملية سياسية، بل عن حوار سياسي بين أطراف النزاع، الرسالة التركية تتحدث عن البدء بعملية سياسية تعتبرها استمرارا للمفاوضات التي تمت برعاية الأمم المتحدة.

الرسالة الروسية لا تضع إطارا إجرائيا ضابطا للحوار السياسي المقترح أي أن هذا الحوار سيكون مفتوحا ومن دون أي إطار مرجعي أو محددات قانونية، الرسالة التركية تضع إطارا إجرائيا هو تحقيق عملية الانتقال السياسي وتضع أيضا محددات قانونية له وهي بيان جنيف والقرار 2254.

الرسالة الروسية لم تذكر عملية آستانا بالتحديد وذلك حتى لا تضطر لذكر مرجعيات الحوار في أتانة، الرسالة التركية تحدثت عن أن الهدف من وقف إطلاق النار هو الوصول لعملية أتانة وحددت إطارها.

من خلال ما تقدم يجب على المعارضة أن تدرك أن هذه الفروق في المواقف بين الدولتين الضامنتين له معان كثيرة في السياسة وأهم هذه المعاني : أن عملية أستانا ليست عملية متفق عليها بشكل كامل بين الدولتين الضامنتين ، لا في إطارها المرجعي ولا في محدداتها القانونية ولا في أهدافها ، فإذا كان الضامنين لهذه العملية غير متفقين فهذا يعني حكما أن هذه العملية ستكون فاشلة وأن الهدف منها ليس التوصل إلى حل بل إدارة الأزمة وتخفيض مستوى العنف من قبل الدولتين الضامنتين ولأسباب تخص كل منهما ولا تخص مجمل الوضع في سورية.

ثانيا: ملاحظات أساسية على اتفاق تشكيل الوفود لمؤتمر آستانا:
إن الفصائل الأساسية التي وقعت هذا الاتفاق هي الفصائل التي هزمت في حلب، أي أن جوهر الاتفاق هو بين منتصر ومهزوم، وهذه الحقيقة يجب ألا تغيب في معرض تقييم الموقف من عملية آستانا.

إن الفصائل الأساسية التي وقعت الاتفاق هي من لون سياسي واحد وتم ضم بعض فصائل الجيش الحر لإعطاء الاتفاق بعدا أكثر شمولية.

إن الفصائل التي وقعت الاتفاق لا تسيطر على أكثر من 5% من الأراضي السورية وهي فصائل محصورة بمنطقة جغرافية معينة، حلب وإدلب بشكل أساسي.

هذه الملاحظات يجب أن تكون أمامنا في عملية تقييم ما سيسفر عنه هذا الاتفاق، فمن الناحية العملية نحن نعطي لمجموعة محددة من الفصائل ذات توجه عقائدي معين وعلى الأخص فيلق الشام بالتحديد حق تشكيل وفد سياسي ليقوم بعملية حوار سياسي مع النظام سيكون له تداعيات كبيرة على مجمل الوضع في سورية، وهذا سينتج عنه خلل كبير الآن وفي المستقبل.

ثالثا: مواقف الدول الإقليمية والقوى العالمية من الاتفاق ومن مؤتمر آستانا:
الولايات المتحدة الأمريكية : رحبت الولايات المتحدة بالجهود المبذولة لإرساء وقف إطلاق النار ، وهي لم تبد أي ممانعة أو معارضة لعقد مؤتمر آستانا ، لكن يجب البحث عن حقيقة الموقف الأمريكي من خلال مصالحها وليس من خلال تصريحات مسؤوليها الإعلاميين ، وفي هذا السياق فإن الولايات المتحدة الأمريكية لن تقوم بأي عمل من شأنه تعطيل مؤتمر آستانا ليس لأنها تؤيده بل لأنها تعرف مسبقا أن روسيا وتركيا لا يستطيعان إنجاز حل ، وأن إدارة الأزمة في سورية من خلال روسيا وتركيا ستخدم الاستراتيجية الأمريكية التي تنأى بنفسها عن التورط المباشر في المسألة السورية وتعطي مساحة أكبر للدول الإقليمية بالتدخل ، وبالتالي تدرك الولايات المتحدة أن مؤتمر آستانا لن يستطيع رسم حل ، لكنه سيغير من قواعد اللعبة وهي مرتاحة لهذا الأمر ، فأهم منجز للتفاهم الروسي التركي هو عملية الفصل بين المعارضة ” المعتدلة ” والمعارضة ” المتطرفة ” وهذا المطلب كان مطلبا أمريكيا ثابتا لكن عملية إنجازه كانت تحتاج لعمل عسكري كبير كالذي حدث في حلب ، فالروس وبتعاون مع الأتراك قاموا بما نسميه في السياسة ” بالعمل القذر ” من خلال تحطيم مدينة حلب وإسقاطها ، وهذا العمل ستستفيد منه الولايات المتحدة الأمريكية من دون أن تتحمل كلفته الأخلاقية والقانونية والسياسية ، ولذلك لا تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بأي عمل يساهم في تعطيل التفاهم الروسي التركي، ولكن هذا لا يعني قبولها أو رضاها بهذا التفاهم وما أسفر عنه ، بل هي مستفيدة من نتائجه فقط ، وهذا يحتاج منا لحساب دقيق للموقف الأمريكي من عملية آستانا ومدى تأثيره على مسارات الحل في سورية ومرجعتيه القانونية التي تتمثل في بيان جنيف والقرار 2254 ، فالولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترام تريد تجاوز هذه المرجعية للحل في سورية ، لكنها لا تريد القيام بهذا العمل بنفسها ، ولذلك تركت الروس والأتراك يقومون بتحطيم مرجعيات الحل المتمثلة في عملية الانتقال السياسي وفق بيان جنيف .

الاتحاد الأوروبي: لا يملك رؤية مستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الشأن، مع إدراكه بأن الحل في سورية لا يمكن أن يتم بمعزل عن أوربة، فكلفة الحل اقتصاديا لا تستطيع روسيا ولا تركيا دفعها وبالتالي إن أي حل في سورية يحتاج للمساهمة الأوروبية فيه حتى يتم ضمان تحقيق حد أدنى من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي يمكّن الحل من السير وفق آلية صحيحة.

المملكة العربية السعودية : رغم الغموض في موقف المملكة العربية السعودية من عملية آستانا فإنه يمكن تحديد بعض المؤشرات الدالة على الموقف الحقيقي للمملكة هذه المؤشرات تتعلق بمجمل مقاربة المملكة لقضايا المنطقة والملاحظة الأبرز في هذا الشأن أن اهتمام المملكة وانخراطها في الحالة السورية قد تراجع إلى حد كبير وهذا ما نشهده سواء من خلال حركة الديبلوماسية السعودية أو حتى غياب التصريحات الدالة على موقف المملكة ، لكن يمكن أن نقول أن المملكة تنطلق الآن من ثلاث عوامل تجعلها متريثة إلى حد كبير ولذلك عادت لاتباع النهج التقليدي للديبلوماسية السعودية والذي يمكن أن نسميه “بدبلوماسية الصمت ” وهو الأسلوب الذي كان سائدا في عهد المرحوم سعود الفيصل.

العوامل الثلاث المؤثرة على موقف المملكة هي:
رغبتها في بناء تفاهم مع تركيا تستطيع من خلاله تقوية موقفها اتجاه إيران، فضمن الصراع الثلاثي “العربي الفارسي التركي ” في المنطقة تفضل المملكة الاصطفاف مع تركيا في هذه اللحظة التاريخية الفاصلة، وربما كانت لزيارة ولي العهد السعودي لأنقرة دور كبير في مسايرة الرغبات والمتطلبات التركية في سورية.

العامل الثاني هو رؤية المملكة بأن السياسة الروسية في سورية لا بد أن تصطدم بالسياسة الإيرانية، وأن العامل الروسي في سورية هو عامل طارد بطبيعته للعامل الإيراني.

العامل الثالث هو التريث في انتظار موقف واضح لإدارة الرئيس ترام خاصة وأن جميع المؤشرات المستخلصة من تصريحات فريق الرئيس ترامب تدل على أن الإدارة الجديدة قد تعتمد على دول أخرى في المنطقة غير المملكة في تنفيذ سياساتها واستراتيجيتها وكل الدلائل تشير إلى مصر ولذلك لا تريد المملكة أن تخسر تركيا في المرحلة القادمة التي سيكون عنوانها تعزيز النفوذ المصري في ملفات الإقليم، وهذا الأمر التقطته الديبلوماسية الروسية التي دعت صراحة وفي أكثر من مناسبة إلى إعطاء مصر دور بارز في القضية السورية.

الأمم المتحدة: إعلان المبعوث الدولي الخاص إلى سورية السيد دي مستورا أنه لن يشارك في مؤتمر آستانا هو دلالة على رغبة الأمم المتحدة بعدم تشكيل غطاء لمؤتمر آستانا والحفاظ على المسار الرئيسي للعملية السياسية في سورية ضمن سياق الأمم المتحدة.

رابعا: تأثير عملية آستانا على المرجعيات القانونية للحل في سورية:
قد يظن البعض بأن علمية آستانا قد تشكل فرصة للحل، أو على أقل تقدير أن الذهاب لن يؤدي إلى خسائر كبيرة لكن الحقيقة هي أن الهدف من عملية آستانا ليس إيجاد حل وإنما ترتيب أسس حل جديد لا يقوم على المرجعيات القانونية السابقة ولا سيما بيان جنيف 1 والقرار 2254، ومن دون الخوض بتاريخ تبدل مرجعيات الحل في سورية فإنه يجب الإدراك أن عملية تبديل مرجعيات الحل تمر بمرحلتين: الأولى هو تبديل أطراف الحل والثانية خلق مرجعية جديدة بعد تأهيل الأطراف الجديدة.

فلا يمكن للأمم المتحدة أن تتجاوز مرجعيات الحل من دون إعادة تأهيل طرف جديد وهذا رأيناه جميعا في عملية التبديل التي حدثت من القرار 2118 ومرجعية جنيف إلى القرار رقم 2254 ،فالقرار 2118 نشأ في ظل وجود الائتلاف الوطني كطرف يمثل المعارضة في عملية الحل السياسي ، ولتجاوز القرار 2118 كان لابد من تأهيل طرف جديد هو الهيئة العليا للمفاوضات وهذا ما حصل في لقاء فيينا الذي كان مقدمة لإنشاء الهيئة العليا للمفاوضات ومن ثم لإصدار القرار 2254 الذي يعتبر المرجعية الجديدة للحل بدلا من القرار 2118،ورغم أن القانون الدولي لا يعترف بنسخ القرارات الدولية إلا أن المتفق عليه بين فقهاء القانون هو ما نسميه بالأثر التراكمي للقرار الدولي بحيث تتساند جملة القرارات فيما بينها ويتم تنفيذها وفقا لحصيلة الأثر التراكمي لمجموع القرارات الدولية الصادرة في حالة واحدة.

ما يعنينا في هذا الأمر أن الهدف الرئيسي لمؤتمر آستانا هو تأهيل طرف جديد في الحل تستطيع بعد وجوده المنظمة الدولية من تبديل المرجعية القانونية للحل، وعملية التأهيل هذه لا بد أن تبدأ من إقصاء الهيئة العليا للمفاوضات وتهميشها كمقدمة لخلق الطرف الجديد الذي تعمل موسكو وأنقرة على إنتاجه وهو ما سماه التفاهم الروسي التركي بالمعارضة ” فصائل المعارضة المسلحة”.

ومن هنا خطورة مؤتمر آستانا فهو عمليا سيعني نهاية الهيئة العليا للمفاوضات ، وتمسكنا بضرورة بقاء الهيئة العليا للمفاوضات لا ينبع من الحرص على الهيئة ككيان تمثيلي ، بل من الحرص على المرجعية القانونية الناظمة للحل في سورية ، فغياب الهيئة عن المشهد يعني أننا سنذهب لمرجعية أخرى غير القرار 2254 ، لأنه من الناحية العملية لا يمكن السير في تنفيذ القرار 2254 في النقاط المتعلقة بالحل السياسي من دون وجود الهيئة العليا للمفاوضات التي تشكل الطرف الثاني في الحل الذي وضعه هذا القرار ، ففقرات القرار 2254 منها ما هو التزامات عامة ستبقى ومنها ما هو يمثل شراكة خاصة بين المعارضة ممثلة بالهيئة العليا للمفاوضات وبين النظام ، وغياب الطرف الشريك يعني انتهاء هذه الفقرات من الناحية العملية.

هذه الحقيقة هي التي يجب أن تكون أمامنا بشكل رئيسي لأن مؤتمر آستانا في حال تم انعقاده سيفضي إلى مرجعية جديدة للحل وكل المؤشرات تشير إلى أن أساس هذه المرجعية سيكون إنشاء مجلس عسكري يحل القضايا العسكرية الأمنية في المرحلة الأولى ومن ثم يتم وضع خارطة طريق للحل السياسي وهذا يعني دخول الثورة السورية في منعطف جديد أساسه المشكلة الأمنية وليس الجذر السياسي للأزمة في سورية وللأسف خارطة الطريق هذه لن تخرج عن مبادرة النقاط الأربعة التي طرحتها إيران في آذار من عام 2014 وتم رفضها من المعارضة السورية ومن الدول الإقليمية، ويبدو أن إيران استطاعت إقناع روسيا بتبني هذه المبادرة القائمة على فكرة مجلس عسكري يقود الجيش ويشكل العلويون فيه أرجحية باتخاذ القرار وحكومة مشتركة يرأسها شخصية سنية معتدلة ومن ثم وضع دستور جديد للبلاد ينص صراحة على حماية حقوق الأقليات الدينية وبعد ذلك الذهاب لانتخابات تشريعية ورئاسية يحق لبشار الأسد المشاركة بها، وخطورة هذه المبادرة أنها تعني انتصارا كاملا للمشروع الإيراني في سورية والمنطقة ولا سيما أن تركية المشغولة بهمومها الأمنية باتت أقرب للطروحات الإيرانية.

خامسا: خيارات الهيئة العليا في مواجهة مؤتمر آستانا:
الخيار الأول والأفضل هو عدم انعقاد المؤتمر من أصله وهذا الخيار ربما كان متعذرا في ظل الاندفاعة التركية في عقد هذا المؤتمر، وأيضا بسبب الموقف العربي الرخو حول مؤتمر آستانا.

الخيار الثاني : هو ترك الفصائل التي وقعت على الاتفاق فقط تذهب منفردة، وربما يقول البعض بأن هذا خيار سيء وأن الروس سيستفردون بهذه الفصائل وهذا يعني إلغاءاً لدور الهيئة العليا للمفاوضات ، حقيقة هذا الكلام ليس صحيحا ، فالفصائل الموقعة على الاتفاق هي ليست كل الفصائل وأيضا هي لا تسيطر إلا على مساحة صغيرة من الأرض ، وهي ذات توجه فكري أحادي ، وبالتالي تركها تذهب وحيدة سيمنع الروس من خلق مسار سياسي جديد بديل عن مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة ، والهيئة العليا للمفاوضات في حال ذهابها مع هذه الفصائل فإنها تكون عمليا قد ألغت نفسها ، والسبب في ذلك أن وجود الهيئة العليا للمفاوضات مرتبط بمرجعية القرار 2254 وبالتالي تغيير مرجعية الحل يعني إلغاءاً للهيئة، وفي الرسالة الروسية لمجلس الأمن كلام واضح أن آستانا هو مجرد مؤتمر للحوار السياسي المباشر بين أطراف الأزمة ، إذن هو ليس مفاوضات ، وأيضا في بنود الاتفاق الموقع بين الفصائل والنظام الحديث عن عمل مشترك يتم استنادا لنتائجه وضع خارطة طريق للحل ، إذن الهدف من مؤتمر آستانا هو تغيير قواعد اللعبة وتغيير مرجعيات الحل وهذا يعني نهاية الهيئة العليا للمفاوضات في حال قررت الانخراط في مؤتمر آستانا ،ولذلك يجب على الهيئة في هذه الظروف أن تتمسك بمرجعية الحل الموجودة حاليا وهي القرار 2254 وهذا يعني أن تتمسك بمسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة والقول بأن تذهب إلى آستانا وتتمسك هناك بمرجعية جنيف هو قول غير صحيح وينطلق من تفكير رغبوي غير واقعي ، لأن مجرد ذهاب الهيئة يعني قبولها بأساس مؤتمر آستانا وهو الأساس الذي أعلنته روسيا في رسالتها لمجلس الأمن وتضمنه اتفاق الفصائل مع النظام.

الخيار الثالث : إذا كانت هناك ضغوط كبيرة على الهيئة ولا سيما من الأشقاء والأصدقاء فإن الخيار المتاح هو أن تتصلب الهيئة في مواقفها وأن تقوم بالإعلان أن اللجنة العسكرية لدى الهيئة هي من سيشكل الوفد الذاهب للآستانة ، وأن يتم بالاتفاق مع الفصائل الموقعة تشكيل وفد من ضباط منشقين حصرا ومن رتب متوسطة بحيث يكون أعلى رتبة هي رتبة مقدم ، وأن يذهب هذا الوفد بزيه العسكري النظامي وبالرتب العسكرية ، هذه الصورة مهمة جدا لأنها تعني أن الوفد الذاهب هو وفد عسكري نظامي يمثل شرعية بديلة عن شرعية جيش النظام ،وأيضا اقتصار الوفد على ضباط عسكريين نظاميين يعني تحديد مسبق أن الهدف من آستانا بحث قضايا عسكرية فنية فقط من دون الخوض بقضية حوار سياسي ،بحيث يكون التفويض الممنوح للوفد هو مناقشة الفقرات 12و13و14 المتعلقة بوقف إطلاق النار وفك الحصار عن المناطق المحاصرة وإدخال المساعدات والإفراج عن المعتقلين ،هذا الخيار يحتاج دعم من الأشقاء ولا سيما من المملكة العربية السعودية وهو خيار يحفظ مصالح الثورة ويعيد التوازن قليلا للحالة السورية كما أنه يحول الآستانا من مؤتمر لتصفية الثورة السورية إلى مجرد لقاء فني يهدف لبحث القضايا العسكرية الفنية بحيث يتم الحفاظ على مسار جنيف ومرجعيات الحل القانونية ولا سيما القرارين 2118 و2245.

من خلال استعراض الخيارات الثلاث السابقة يمكن ذكر الملاحظات التالية:

إن أسوأ خيار تقوم به الهيئة هو قبولها بأن تشارك في مؤتمر آستانا ضمن وفد مشترك مع الفصائل الموقعة على الاتفاق لأن هذا يعني نهاية دور الهيئة كشريك وطرف ثاني في عملية الانتقال السياسي من ناحية ولأن هذا سيؤدي لتغيير مرجعيات الحل من ناحية ثانية.

إن مجال المناورة ما زال مفتوحا أمام الهيئة ويتمثل هذا المجال بالتمسك بمسار جنيف وإعلان أنها ذاهبة في يوم 8 شباط إلى جنيف بناء على دعوة دي مستورا لمناقشة قضايا الانتقال السياسي وأن تترك الفصائل الموقعة تذهب منفردة إلى آستانا لمناقشة قضايا وقف إطلاق النار فقط وإجراءات بناء الثقة.
نقلا عن موقع زمان الوصل الذي اغفل اسم الكاتب