عام 1999 وبمناسبة احتفال بعيد الجيش السوري وجه العماد أول مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري السابق في بعلبك في لينان شتائم لاذعة للراحل ياسر عرفات لأنه لم يطالب بالقدس عاصمة موحدة للدولة الفلسطينية في البيت الأبيض، وشبّهه بالراقصة “ستريب تيز” التي تخلع ثيابها، ولكنّ الفرق بين عرفات وبين الراقصة –حسب طلاس-هو أن الراقصة تخلع ثيابها ليبدو جمالها، بينما يزداد عرفات قبحاً كلما خلع قطعة من ثيابه، ولم يكتف بذلك بل طالت شتائمه والدة عرفات بألفاظ نابية.

لم يكن الأمر مستغرباً من قبل كل من يملك معرفة ولو بسيطة بطلاس وزير الدفاع السوري الشغوف بالنساء وباللغة السوقية المبتذلة، ولكنه كان تصرفاً غريباً لعدم تقديره لما يشكّله هذا السبّ من إساءة إلى رمز النضال الفلسطيني ياسر عرفات.

كان ذلك إبان هيمنة مزايدة النظام السوري ” المقاوم” على عرفات واتهامه بالتفريط بقضية الشعب الفلسطيني.

ارتفع سقف خطاب المسؤولين السوريين في سنوات الثورة التي كشفت القناع عن خطاب الممانعة التنكري، وبعد أن صار ت الساحة السورية أكثر انكشافاً أمام العالم ولكنه سقف واطئ لا يستطيع النظام ببنيته أن يتجاوزه. ويجسد هذا التطور في الخطاب العقيد سهيل الحسن الملقب بـ “النمر” والذي خرج على العالم منذ فترة قصيرة بنظرية جديدة تدعى نظرية العالم، والتي تقوم على أن العالم يجب أن يعرف أعداء العالم، والتي تحمل إشكالية فحواها: هل أعداؤنا هم أعداء العالم؟

بعيداً عن هذا الخلط المضحك في خطاب النمر، ولكنه إذا ما قورن بكلام طلاس فإنه يمثل تطوراً في لغة مسؤولي النظام تحت سقف لا قبل لهم بسبب ضحالتهم وجهلهم بتجاوزه.

يبدو النمر صادقاً مع ذاته وهو يتحدث. ويؤكد هذا ما يوصف به من شجاعة في تقدم صفوف المقاتلين، وإن كانت محاولته المضحكة لتقليد لغة المثقفين تبعث على السخرية، فإنها أفضل من ألفاظ طلاس، وأكثر تطوراً وتهذيباً.

بالمقابل يصر خطاب المعارضة على الانفصال عن الواقع، وعلى التراجع عن مستواه إبان سنوات النضال قبل الثورة فهو خطاب مليء بمصطلحات لم يكن عموم السوريين يعرفون معناها العلمي الدقيق، ولم تبذل المعارضة جهداً مثمراً لخلق حقل تداولي مشترك يبسّطها ويجعلها جزءاً عضوياً من ثقافة السوريين العامة. وعندما قامت الثورة وبعد انقضاء خمس سنوات من عمرها ظلّ الخطاب الذي يسوّقه المعارضون عاجزاً عن التحول إلى مرحلة المطابقة لمقتضى الحال وهي المطابقة التي يجب أن تسم الخطاب لكي تضفي عليه صفة الخطاب البليغ.

الديمقراطية وفصل الدين عن الدولة والدولة المدنية التعددية التي كان يمكن لها أن تلمس حاجات كامنة لدى المخاطب قبل الثورة أصبحت فضول كلام بعد أنهار الدماء والمآسي التي يعيشها السوريون كلّ يوم. هذا فضلاً عن عدم القدرة على تبيئتها أصلاً في البيئة الاجتماعية والثقافية والنفسية السورية.

لا يضير حاضنة النظام ذلك التهافت في كلام النمر ما دام صادراً عن رجل يتمثله ويزري بالمعارضة خطابها الذي يمثّل جموده تراجعاً وعجزاً عن مواكبة الأحداث من أجل فهمها، وتقديم خطاب أكثر مطابقة وأكثر تطوراً.

لا تزال المعارضة تفتقر إلى آليات تهبط بالشعارات الأساسية من عالم المثل إلى أرض الواقع حتى صار ترديدها لهذه الشعارات نكوصاً في الخطاب، بينما تفوّق النمر على طلاس، وتفوق على نفسه، ومثّل خطابه تقدماً ضمن إطار الابتذال والجهل.