– الروس المزهوون بتحطيم المشروع الأمريكي في سورية يتساءلون: هل حلفاء روسيا هم قوات الحماية الكردية المدعومة أمريكياً

– الإعلام الروسي يستخدم مشاهد ألم السوريين من القصف الروسي لإظهار قوة وفعالية القصف الذي يصيب مكامن ومخابئ الإرهاب بدقة عالية.!

– تسويق مفضوح ومبتذل للحرب، و قمع و إسكات لأصوات المعارضين، لكن ماكينة الوعي بدأت تدور

السوري الجديد- خاص

إسماعيل العودة الله …

يبدو أن التدخل الروسي في سوريا قد حرك الكثير من المياه الراكدة في السياسة الروسية، وخصوصاً الخطاب السياسي الإمبراطوري المتشبع بالعداء للسياسة الأمريكية، واستعراض القوة العسكرية التي غابت منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، ومنذ أن تدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضد حلفاء روسيا في البلقان والعراق، ولم تحرك روسيا وقتها ساكناً لذلك كان لابد من تغطية إعلامية متميزة ومتصاعدة.

عناوين التدخل:

منذ اليوم الأول للقصف الروسي في سوريا، بدأ الحديث في كافة الوسائل الإعلامية الروسية عن تغيير في مجرى السياسة العالمية، وعودة روسيا الى الساحة الدولية من بوابة محاربة الإرهاب، وقد حاول الاعلام الروسي تبرير تدخل قوات بلاده وقصفها لكل من يعارض الأسد من داعش حتى الجيش الحر، بأنه لا يوجد أي فصيل معتدل بين كل الفصائل المتواجدة، سوى تلك التي تدور في فلك النظام.

وحسب الاعلام الروسي وتصريحات وزير الخارجية، فإن الجيش الحر غير موجود إلا على الورق وفي الانترنت، و أن الرئيس الأسد هو الرئيس الشرعي القانوني والمعترف به من قبل الأمم المتحدة، وقد التزم إعلام البروبغاندا  الروسية على هذه الركائز لإقناع الشعب الروسي، والتأثير على الرأي العام

السوريون المساكين:

وجه آخر لتناول ما يحدث في سورية عبر وسائل الإعلام الروسي، وهو تصنيف السوريين كمساكين تم التلاعب بهم من قبل أمريكيا وتركيا والسعودية وقطر، من خلال دعم هذه الدول لداعش للقضاء على الأسد، وبأنه لا يوجد في صفوف داعش أي سوري، فأغلبهم مرتزقة تدفع لهم أمريكا المال.

صناعة الرأي العام لصالح الكرملين

ربما طلاء الناشطين والاعتداء عليهم يبدو غير كاف للجمهور البوتيني، ولكي يكون المشهد متكاملاً فلا بد من قمصان وأغانٍ تمجّد الجيش الروسي في سورية ودعم الأسد، حيث طبعت إحدى شركات الألبسة الروسية قمصاناً تحمل صورة للضربات الجوية في سوريا مع عبارة (ادعم الأسد) مع تاريخ بدء الضربات الجوية، في تقليد فاضح للقمصان المطبوعة بصورة فلاديمير بوتين والتي ظهرت بكثرة منذ بداية النزاع مع أوكراينا.

كما ظهرت على وسائل الإعلام الروسية أغنية  حملت عنوان (أخوتي السوريون أختكم روسيا ستحميكم) والتي قدمتها المطربة الشابة كاتيا ماليفا في إحدى المهرجانات التي تقام للمناسبات السياسية، وتتمحور كلمات الأغنية حول روسيا (المخلّص) للسوريين وأوجاعهم، والأم التي تحنو عليهم وتساعدهم وتدافع عنهم في وجه الأعداء:

رابط الأغنية (اضغط هنا):

كذلك جاءت كلمات رئيس اتحاد مسارح روسيا الاتحادية، والممثل والمخرج المسرحي الشهير والحاصل على لقب فنان الشعب ألكساند كالياغن، والذي تغزل بخطاب بوتين على مسرح الجمعة العامة للأمم المتحدة، واصفاً إياه  ببطل ولاعب دولي جديد في مسرح السياسة العالمية بدون منازع حيث قال:

( على الرغم من مشاهدتي للكثير من الخطابات السياسية لزعماء العالم في حياتي، الا انني اليوم وكمواطن روسي يمكنني أن أقول بصراحة وبصوت عال: أننا أمام  زعيم يحترم شعبه و بلاده، ولا أعتقد أنني أعمى، وأنا لا أرى أية سلبية، وأعرف بشكل جيد المشاكل الروسية الداخلية والخارجية التي لم تحلّ بعد، ولكن مع ذلك من المهم جداً بالنسبة لي أن رئيس الدولة لدينا مثل هذا القائد القوي الذي يحترم العالم، وبالتالي يحترم بلدنا ويمنحني سبباً للاعتقاد بأن مستقبلنا قادم للأفضل في ظل سياسة بوتين!!!)

استخدام الألم في البروبوغندا

وقد برع الكثير من محرري البرامج التلفزيونية والنشرات و المواقع الإخبارية في استخدام مصطلحات مشوقة للتسويق للدعاية الإعلامية الروسية ولو بالتزوير، حيث بثت الكثير من القنوات الحكومية وخصوصاً القناة التابعة لوزارة الدفاع زفيزدا (تعني النجمة) الكثير من الفيديوهات التي بثها إعلاميو الثورة السورية، والتي تظهر الدمار او صراخ أفراد الجيش الحر بوجه الطيران الروسي، على انها فيديوهات تظهر قوة وفعالية القصف الروسي الذي يصيب مكامن ومخابئ الإرهاب بدقة عالية، مع ترجمة محرفة المشهد بدبلجة بعيد كل البعد عن المهنية الصحفية وحتى عن مصدر الفيديو، وطبعاً مع حذف مقصود لأي مشهد يظهر الأطفال والنساء كضحايا للغارات،.

آخر هذه السخافات الإعلامية تلك التي قامت قناة زفيزدا ووكالة سبوتنيك الروسيتين، حيث  بثتا مقطعاً مصوراً (هو في الحقيقة للجيش الحر) على أنه يظهر عناصر من تنظيم الدولة (داعش)  وهم يصنعون بالونات مفخخة لصد الطائرات الروسية في سوريا!!

حيث وصفوا ذلك المشهد بجملة (داعش يقصف طائراتنا بالواقي الذكري)، هذا ناهيك عن كمية كبيرة من الصور التي يدعي الاعلام الروسي بأنه حصل عليها من افراد الجيش السوري، حول لبس جنود الجيش الحر وداعش لألبسة نسائية وهروبهم من القصف الروسي الذي غير اتجاه الحرب حسب تعبيرهم.

الفيديو الذي تم نشره من قبل وسائل الاعلام الروسية بعنوان: “داعش يقصف الطائرة الروسية بالواقي الذكري على الرابط (اضغط هنا)

جبهة أخرى

لكن المعارضين الذين كانوا في صفوف المعارضة السورية وظهروا على الشاشات الروسية منذ بدء الثورة السورية في 2011 ولغاية اليوم كان لهم كلام أخر ، فالبرغم من الترهيب الذي مورس ضدهم منذ بداية الثورة الى اليوم، الا أنهم حاولوا اظهار الحقائق وتفنيد ادعاءات  الإعلام الروسي، وخصوصا فيما يتعلق بالجيش الحر والكتائب المعتدلة، وقد أحدث هؤلاء جدلاً واسعاً لدى شريحة كبيرة من المشاهدين، وخصوصاً في ظل التصريحات الروسية المتضاربة حول الجيش الحر ، و الفيديوهات والانباء التي بدأت تظهر على شبكات التواصل الاجتماعي حول عدم قدرة الجيش السوري على التقدم بأي محور رغم التغطية الكثيفة للطيران الروسي،  وبعض التصريحات الصادرة عن قيادة العمليات العسكرية في سوريا، حول ضعف الجيش السوري وتبرير عدم تقدمه بإنهاكه على مدى اربع سنوات، هذا بالإضافة الى التقارير الغربية والتي ركزت على أن القصف الروسي لا يتركز على داعش، بل على القوات المعارضة وخصوصاً المناطق التي تقع تحت سيطرة الجيش الحر.

وعليه بدأ الجمهور الروسي يتساءل عن وجهة نظر الطرف الآخر (المعارضين لبشار الأسد)، حيث كانت هذه النظرة غائبة في بداية التغطية، فقد خرج عدد من المحللين الروس على وسائل الاعلام الخاصة يبدون معارضتهم -ولو بخجل- للتدخل في سوريا، وذلك من باب خشيتهم أن تصبح سوريا أفغانستان ثانية، و خوفهم من وقوع روسيا في فخ المستنقع السوري.

وبدأ  عدد من المحللين السياسيين الروسينتقدون سياسة الكرملين تجاه التدخل في سوريا، وتركّز نقدهم على عدة نقاط كانت غائبة عن الجمهور الروسي، ومنها أن حلفاء روسيا في سوريا هم قوات الحماية الكردية المدعومة أمريكياً، والتي تقاتل جنباً الى جنب مع القوات الحكومية السورية، هذا ناهيك عن عدد كبير من المليشيات الشيعية الإيرانية و العراقية والافغانية والباكستانية بالإضافة الى حزب الله اللبناني الشيعي، والذي ينشط على كافة جبهات القتال التي تقدم لها الطائرات الروسية التغطية الجوية، مما يجعل روسيا في مواجهة غير محمودة مع الأغلبية السنية للمسلمين الروس، والذين اتخذ اغلبهم مواقف معارضة للتدخل الروسي في سوريا، هذا بالإضافة إلى أن الجيش الحر وبعض الكتائب الإسلامية التي تحارب داعش منذ ظهورها الى اليوم  تتلقى الضربات من قبل الطيران الروسي، وبأن الدعم الدولي (الامريكي-الخليجي)المقدم لهذه الكتائب ليس كما يصوره الاعلام الروسي، فهو دعم محدود لا يتضمن أي سلاح مضاد للطيران، ولو أن الغرب يسلح الجيش الحر بمضادات الطيران لما تمتع الطيران الروسي بهذه الراحة للعمل في الأجواء السورية كما تظهر الفيديوهات التي يظهرها الاعلام الروسي.

تشويش ومعارضة

البروباغاندا الإعلامية المرافقة للحملة الروسية على الصعيد الداخلي الروسي أصابها الكثير من التشويش، وخصوصاً من الوسط الثقافي الروسي والذي من المفترض أنه يعكس هموم الشعب وتطلعاته، فكان هو الآخر منقسماً بين مؤيد لسياسة الكرملين وبين صامت، وآخر بدأ صوته يخرج للعلن ضد هذا التدخل، فبعد المظاهرة المناهضة للحرب في سوريا والتي كانت محدودة بحجمها، إلا انها كانت ذات تأثير كبير بالإعلام،  وخصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وصفت بعض القنوات الروسية المظاهرة بالمؤيدة لداعش، مما أثار استهجان الكثير من الشباب والكثير من المثقفين الروس الذين أبدوا تعليقات ساخرة على هذا الوصف من قبل الاعلام الرسمي، في ظل الشروط المكبلة لأي تعبير حر في هذه المظاهرة، هذا بالإضافة الى الاعتداء على بعض المتظاهرين الذين قاموا بالاعتصامات السلمية بشوارع موسكو، ولكن ذلك لم ينمع الناشط الكهل فلادمير يونوفا الذي يبلغ من العمر حوالي 80 عاماً من حمل لا فتة كتب عليها ( بوتين موجود فلا داعي لاستخدام العقل) وهي عبارة مشتقة من مثل روسي للدلالة عن عدم الموافقة على سلوك شخص متهور، ويلجأ الى القوة لحل قضية محددة،  وقد ظهر مؤيدو الكرملين في صورة شبيهة لشبيحة نظام الأسد، وذلك  بعد اعتداهم عليه في الساحة الحمراء أما مبنى الكرملين، حيث تم رش الناشط بالطلاء والطحين وتهديده ونزع اللافتة التي كان يحملها بالقوة كما يظهر  في الفيديو: (اضغط هنا)

كما بدأت بعض القنوات باستضافة السوريين الذين يعيشون في روسيا (حاملي الجنسية الروسية) من المؤيدين والمعارضين، وذلك لإضفاء طابع الحيادية على التغطية الإعلامية، لكن يبقى صوت المؤيدين للأسد هو الأعلى حيث يتسابقون على تمثيله في الشاشات الروسية، ويركزون في كل مرة على أيراد عبارات النحر والذبح والإرهاب الإسلامي، وأن الأقليات ستهجر وتصلب وتعلق …الخ من العبارات الكلاسيكية، والتي لا زالوا يكرروها منذ بداية الثورة، و تصاحب هذه العبارات صور واصدارات داعش التي تم زرعها على مدار سنتين في عقل المشاهد الروسي.

قمع للمعارضين

أروقة المسرح والاعلام الروسي لم تصمد طويلاً، حيث اقام الفنان المسرحي الروسي ميخائيل يفيموف  مسرحية بعنوان (رن جرس الهاتف في الكرملين) سخر فيها من الدعاية الروسية للحرب في سوريا بكل تفاصيلها بطريقة كوميدية ظريفة ومحببة للجمهور، و كانت رسائلها قوية ومعبرة ومزعجة للسلطات، حيث لم يسمح بالاستمرار بعرضها، واوقفت بعد أول عرض للعمل.

ميخائيل يفيموف  معروف بمقالاته وموقفه وانتقاداته الساخرة لسياسة الكرملين، بالإضافة الى السخرية من استخدام صواريخ الكروز بعيدة المدى، والتي تم اطلاق من بحر قزوين باتجاه سورية والتي وردت أنباء عن وقوع بعضها في إيران.

رابط لمشهد من المسرحية مصور بواسطة جوال لأحد المشاهدين  (اضغط هنا)

التفاعلات والتداخلات التي سبق و أحدثها التدخل في الصراع الأوكراني جعل الكثير من الروس يعترفون بتعقيدات المشهد، ولكن التدخل في سوريا لغاية اليوم لم يجد مبرراته سوى بعبارات الحرب المقدسة و أسطوانة محاربة الإرهاب التي كانت ولا زالت على ما يبدو  لعبة بوتين من اجل رفع شعبيته على حساب الدم الروسي، كما حصل في حرب الشيشان و أزمة الرهائن في مسرح دوبروفكا وحادثة مدرسة بيسلان شمال اوسيتيا، والتي راح ضحيتها حينها عشرات المواطنين الروس الذين لم يقتلهم الارهابيون، بل قوات الأمن الروسية ، وربما سنشهد تخبطاً و توتراً ملحوظاً في الأيام القادمة، حيث بدأ الحديث عن ضرورة التدخل الروسي لبعض القوات البرية في أروقة السياسيين الروس، وذلك بعد فشل جيش الأسد بالتقدم ، والانباء الواردة من المحليين العسكريين الروس حول احتمالية تعطل بعض الطائرات الروسية المحدودة والموجودة في سورية في ظل استخدامها المكثف في أجواء غبارية ومطرية قادمة، أو البدأ  إسقاطها من قبل بعض القوات المدعومة من الغرب .

– See more at: http://newsyrian.net/ar/content/%D8%AC%D8%B1%D8%AF%D8%A9-%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A8%E2%80%A6%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%B4%D9%87%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D9%81-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7#sthash.KKjcehw8.Dt4zdMD6.dpuf