ثورة الكرامة لا ينصرها إلا المؤمنون

إن للمشهد السوري سمة خليقة بالاهتمام؛ لأنها يمكن أن تساهم -إلى حد ما- في تفسير كسر العظم الحاصل، وما ينتج عنه من عنف فاق التصورات.

السلفية الجهادية التي سرقت الضوء والمشهد؛ لأسباب عديدة، منها ضعف التيار الديمقراطي العلماني، وعجزه عن حجز حيز له في المشهد، ومنها أجندات داعمين يجدون في الإسلام السياسي ذراعًا للنفوذ لا أكثر، والميليشيات الطائفية التي استجلبها النظام، وسيده الإيراني التي تسرف في الجريمة من دون رادع من القوى الكبرى.

هذان الطرفان يجمع بينهما قاسم مشترك على الرغم من خلافهما العميق، وهو قاسم مشترك يحيل المعركة إلى عنف عصيّ على الفهم، ما لم يسلط الضوء عليه لإبرازه.

فالطرفان ينتميان إلى الإسلام -من حيث المبدأ- وهما يخوضان حربًا مقدسة سعيًا للجنة التي تجري من تحتها الأنهار.

ولكنهما إذا أمعنّا النظر منحرفان عن الإسلام، ليس بسبب ما يُركّز عليه عادة من فرط قسوة كل منهما، واسترخاصهما دماء الأبرياء، وإنما لسبب آخر.

فالإسلام بنصّ كتابه المقدس قد ختم الوحي، وجعل من معادلة العلم المطلق والمعلوم النسبي مقتصرة على طرف واحد هو المعلوم؛ لأن العلم المطلق قد انقطع بانقطاع الوحي، وتوقف الصلة المباشرة مع السماء.

ولكن السلفية الجهادية تريد أن تطلق النسبي، وهو إطلاق للنسبي يتم عبر تحويل الفهم الحرفي للنص إلى فهم مطلق، برفضهم تأويله، وإغلاق الباب أمام فتحه على فضاءات فهم مختلفة، وهو تشويه لروح الإسلام الذي لم يبق في الساحة إلا النسبيّ بعد إقراره بتوقف التواصل مع المطلق.

والميليشيات الشيعية المؤتمرة بأمر إيران، تنحرف عن الإسلام؛ لأنها تخوض حربًا تأخذ شرعيتها المزعومة من وحي بديل عن الوحي الذي انقطع يتلقاه الإمام المعصوم.

استعادة الوحي انحراف عن الإسلام؛ لأنه يخالف ثابتًا من ثوابت الأخير الذي ختم الوحي، وتحويل الفهم البشري النسبيّ إلى مطلق انحراف عنه؛ لأنه يجعل من صاحبه الذي يفترض أنه خليفة لله في الأرض ندًا لمستخلفه الذي أمره بإعمار الأرض عبر علم وعمل نسبيين لا يمكن أن يصلا إلى المطلق، على الرغم من أنهما يسعيان إلى الوصول إليه.  وهذان الانحرافان هما القاسم المشترك الذي يساهم في تشويه صورة الإسلام من جهة، ويساهم في صد العالم وجهه عن المأساة؛ بسبب تصدر هذين المنحرفين المشهد.

للثورة في سورية منفذ وحيد لكي تؤتي أكلها، وهو يتمثل في نفي المطلقين اللذين يحمّلان الواقع النسبيّ بطبيعته ما لا يطيقه، وهو منفذ وحيد؛ لأنه يعيد الأمور إلى طبيعتها، ويتعامل مع الواقع الذي هو توقيع ممكنات على حساب ممكنات بحسب ما تقتضيه ماهيته، وهو ما لا يمكن حصوله بمزاحمة المستحيلين اللذين يريدان أن يلغياه لصالح استبداد يمثله مطلق الوحي المستعاد، ومطلق الفهم الحرفيّ للنصّ.

إننا إذا ما استعدنا زمام المبادرة من هذين المستبدين فسوف نكون -كعلمانيين وديمقراطيين مدركين ضرورة التعاطي مع النسبيّ بما هو نسبيّ- الأجدر بإعمار ما تهدّم، والأجدر بإعادة الرسالة المحمدية إلى شكلها الناصع الذي شوّهه الانحراف السلفيّ المتطرف، والانحراف الشيعي المتطرف.

نحن حملة الرسالة الحقيقيون؛ لأننا نحن الذين نصرّ على إدخال الإنسان في التاريخ، وهو جوهر هذه الرسالة، ونحن المؤمنون الحقيقيون، لأننا لا نزعم مساواة المطلق، ولا نسعى للندية معه.

إعمار الأرض الذي كلّف به الخليفة للأرض لا يمكن أن يكون على يد من انحرفوا عن رسالة المستخلف، وإنما على يد من يدركون نسبيتهم بالإضافة إلى مطلقه الذي لا مطلق غيره.

رئيس التحرير