منهل باريش: اطلعت أنقرة فصائل المعارضة السورية في اجتماع موسع دعي إليه كل قادة فصائل «الجبهة الوطنية للتحرير» و»جيش العزة» على حدود المنطقة منزوعة السلاح الثقيل، على البنود التي جرى الاتفاق عليها بعد المشاورات مع الجانب الروسي والتي أعقبت توقيع «اتفاق سوتشي» بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان في 17 أيلول (سبتمبر) الماضي.
وحدد مسؤولو الملف السوري لدى أنقرة المنطقة منزوعة السلاح الثقيل داخل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، وهو ما يعتبر حسما لتفسير الاتفاق على الطريقة الروسية وليس التركية، كما توقع الكثير من السياسيين والعسكريين المعارضين المقربين من أنقرة.
ويعتبر تسيير دوريات روسية – تركية في المنطقة المحددة، تمتلك حق تفتيش ما تراه مناسبا من نقاط ومقار ومستودعات هو أخطر تفسيرات بنود الاتفاق، كونه يعني تكريس النفوذ الروسي العسكري المباشر.
وتضم المنطقة «منزوعة السلاح الثقيل» كامل ريف اللاذقية ومدينة جسر الشغور وسهل الغاب وجبل شحشبو وأجزاء كبيرة من جبل الزاوية ومدن وبلدات مورك وكفزيتا واللطامنة وخان شيخون ومعرة النعمان وسراقب وكامل ريف حلب الغربي ودارة عزة.
ورغم عدم مناقشة البند المتعلق بالطرق الدولية، وإعادة فتحها في الاجتماع الذي حصل بين الجانب التركي وقادة الفصائل في مدينة ريحانلي على الحدود التركية السورية يوم الخميس 29 أيلول (سبتمبر) إلا أن من المتوقع أن تكون الطرق الدولية تحت رعاية روسية – تركية مشتركة وتأمينها بعمق يصل إلى 7كم على جانبي طريق إم 5 (طريق حلب – دمشق) وطريق إم 4 (طريق حلب – اللاذقية).
وبعد الإخطار التركي للفصائل والبناء على التفسير الروسي لقضية الطرق الدولية، يمكن القول ان المعارضة السورية خسرت السيطرة المباشرة على ثلثي مساحة إدلب وعلى أكبر مدنها وحواضرها، فمع الإطمئنان إلى وجود القوات التركية تبقى المسألة المعقدة هي الوجود العسكري الروسي المباشر وحرية حركته وبقاء يده اليد الطولى والضاربة بما يخص تفتيش المقرات العسكرية للفصائل. فهذا سيفتح باب المحاسبة ويطور آليات عقابية بحق الكثير من الفصائل وستتطور المسألة إلى مصادرة السلاح والاعتقال لمقاتلي المعارضة.
فصائل الجيش الحر توافق

واعترض «جيش العزة» على أن تكون المنطقة منزوعة السلاح من جانب المعارضة، وطالب أن تكون مناصفة بين الفصائل والنظام، ورفض تسيير دوريات روسية على كامل أراضي المعارضة، واشترط فتح الطرق الدولية بـ» إطلاق سراح المعتقلين من مسالخ موت النظام» حسب نص البيان الذي نشره الجيش على حسابه الرسمي في وسائط التواصل الاجتماعي. فيما رحبت «الجبهة الوطنية للتحرير» باتفاق سوتشي بحذر، وثمنت «الجهد الكبير والانتصار الواضح للدبلوماسية التركية التي دافعت عن قضيتنا واعتبرتها جزءا من أمنها القومي» مؤكدة في بيان رسمي على التعاون التام مع «الحليف التركي في إنجاح مسعاهم لتجنيب المدنيين ويلات الحرب».

«تحرير الشام» توافق بصمت

وحصلت «القدس العربي» على تسريب صوتي للداعية الجهادي المقرب من هيئة «تحرير الشام» أبو محمود الفلسطيني، يوضح خفايا موقف الهيئة غير المعلن والنقاشات الجارية حول الاتفاق. ووجه الفلسطيني انتقادات لاذعة إلى قادة في فصيل «حراس الدين» المبايع لتنظيم «قاعدة الجهاد» العالمي الذي يقوده أيمن الظواهري.
ونفى الفلسطيني في كلامه إلى قادة في «حراس الدين» أن تكون «الهيئة» سلمت سلاحها أو انسحبت من إدلب، وناشدهم أن يتركوا الأمر لأهله ويدعوا قيادة الهيئة تعمل. وأضاف «أنتم بين نارين ولابد من السياسة والموازنات، اتركوا فقه المقارنة الذي أهلككم وأهلك ساحة الجهاد كلها. وخذوا بفقه الموازنات».
واستنكر اتهام «حراس الدين» الهيئة بمنعهم من قتال النظام «من منعكم من قتال النظام؟ أم ان قتال النظام لا يحلوا لكم إلا من محور الهيئة؟».
وأوضح أنه في معركة شرق السكة (سكة قطار الحجاز) بقيت الهيئة تقاتل مدة ستة أشهر وحدها ورفضت الاتفاق ولم تقبل به إلا بعد أن سقط مطار أبو الظهور العسكري. وأشار إلى أن «الأتراك طلبوا من الهيئة إعطائهم نقطة عند مطار أبو الظهور كي لا يسقط، لكنهم رفضوا ذلك وهم يستطيعون القتال، ولم توافق الهيئة إلا بعد سقوط المطار» وأردف «لم يكن أحد يستطيع وقف النظام والإيرانيين، ولو أرادوا كانوا كسروا الحصار عن الفوعة وكفريا ووصلوا إلى دوار الساعة في إدلب (مركز المدينة)».
واتهم «حراس الدين» أنهم لا يستطيعون سد نقطة رباط واحدة، وعلل الموافقة على نشر نقاط المراقبة التركية «لولا نقاط المراقبة لكان الروس والنظام استعادوا كامل محافظة إدلب».
وحذر من أي حماقة ضد القوات التركية، ودعا إلى تخيل الغضب التركي وما سيبنى عليه من غضب شعبي كبير سيجعل الناس تنتفض «بوجه الهيئة وتضربها بالأحذية».
وختم الداعية الجهادي المحسوب على «تحرير الشام» (النصرة) «المواجهة مَهلكة والاستسلام مَهلك، وعلينا الموازنة بين الجانبين، وعلينا ان لا نعطي الأسباب للروس ليكرروا سيناريو مسح الموصل والرقة، فالمشكلة ليست في رفض الاتفاق وإنما في كيفية إفشال الاتفاق، والحل ليس في مواجهة تركية وإنما بمنع استعدائها والمناورة معها وعدم اعطاء حجة للروس بالهجوم على إدلب».
وتبقى أيام قليلة لاختبار طريقة تنفيذ البند المتعلق بسحب السلاح الثقيل لفصائل الجيش الحر واخراجه من المنطقة منزوعة السلاح والتي تشمل الدبابات وراجمات الصواريخ والمدفعية ومدافع الهاون، والذي حدد في 10 تشرين الأول (أكتوبر). والبند الأكثر صعوبة الخاص بإبعاد الجماعات الإرهابية الراديكالية عن المنطقة منزوعة السلاح في15 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري.