بدعوة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني عقد في برلين بتاريخ 06 كانون الأول 2017 في مبنى الحزب المعروف باسم فيللي براندت هاوس مؤتمر دولي تحت عنوان تجديد الحزب حضره ممثلي عدد كبير من الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية من أوربا وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنها حزب الشعب الديمقراطي السوري الذي مثله الرفيق جورج صبرة عضو الأمانة المركزية للحزب والرفيق محمد علي الترك عضو منظمة الحزب في ألمانيا.
كان في استقبالنا الرفيق كونستانتين فوينوف منسق التحالف التقدمي للأحزاب الاشتراكية وعضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني. ومن تقاليد مؤتمرات الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني أن يعقد مؤتمر دولي خاص بالضيوف قبل انعقاد مؤتمر الحزب في اليوم التالي، والذي يدرج في جدول أعماله مواضيع أكثرها خاص بالظروف الألمانية الراهنة.

حول ظروف انعقاد المؤتمر:

بعد خسارة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني في الانتخابات البرلمانية في سبتمبر 2017، حصل على نسبة 20,50 بالمئة وتراجع 5% عن انتخابات عام 2013، وبعد وفشل ثلاثة أحزاب ألمانية (الديمقراطي المسيحي والليبرالي وحزب الخضر) في تشكيل حكومة بعد مفاوضات طويلة نشأت أزمة سياسية حول من يشكل الحكومة القادمة؟ وهل سيطرح إعادة الانتخابات مرة أخرى؟ أم هناك إمكانية تشكيل حكومة أقلية (ليس لها تقاليد في ألمانيا وتعتبر حكومة غير مستقرة). كان على قيادة الحزب الاشتراكي اتخاذ قرارات تحدد خياراته السياسية ليطرحها على المؤتمر للحصول على توكيل بالمفاوضات مع الحزب المسيحي.
قبل المؤتمر ظهر الحزب الاشتراكي وكأنه منقسم بشأن المشاركة في حكومة ألمانية ائتلافية محتملة.  بذل رئيس الحزب جهودا كبيرة من أجل إيجاد إشارات على توحيد الخطا قبل عقد المؤتمر العام للحزب. وقال شولتس لمجلة “شبيجل” بشأن النزاع الداخلي حول قيادة الحزب: “يمكنكم الاطمئنان إلى أننا الآن اجتزنا جميع العقبات وأن الحزب صار موحدا ”
المسألة الثانية في الإطار الأوربي نشاهد وجود أزمة الاشتراكيين الديمقراطيين في اوربا حيث أن الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية خسرت الانتخابات في العديد من الدول الأوربية في الفترة الماضية وتراجع وزنها بشكل ملحوظ مثل فرنسا، النمسا، اليونان، ألمانيا، التشيك وغيرها ونشاهد في الوقت نفسه صعود قوي لأحزاب شعبوية يمينيه وعنصرية.

كلمة رئيس الحزب الافتتاحية مارتين شولتس

قال مارتين شولتس أن حزبه مني بهزيمة مرة في الانتخابات البرلمانية رغم الأداء الممتاز للوزراء الاشتراكيين في عمل الحكومة وأشار إلى هزائم الاشتراكية الديمقراطية في فرنسا والنمسا والتشيك متسائلا عن الأسباب المشتركة في هذه الهزائم. أكد أن حزبه سيظل يدافع عن الأفراد ضد أي تمييز وسيحافظ على مبدأ التضامن في كل الأوقات. وقال علينا أن نجعل حياة الناس أفضل يوماً بعد يوم وعلينا حماية أسس الحياة للناس من عمل ورعاية صحية واستقرار اقتصادي.

وحول الاتحاد الأوربي الذي يعاني من أنانية بعض الدول الأعضاء وضعف التضامن قال إن كل دولة قومية لوحدها لن تستطيع حل معضلات عالمية مثل تهرب الرأسمال العالمي من دفع الضرائب ومواجهة هجرة عالمية وغيرها. وقال نحن بحاجة إلى أوربا قوية موحدة لوضع قواعد لعب جديدة للعولمة على النطاق الدولي. وانتقد رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني مارتن شولتس، عزم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية لها، محذرا من أن قرار ترامب سيقوض الاستقرار العالمي.

ونقلت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية عن شولتس قوله “أجدد دعمي لحل الدولتين للجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، في الوقت الذي يتخذ فيه ترامب قرار الاعتراف بالقدس على الرغم من التحذيرات الواسعة من حلفاء واشنطن؛ مما يهدد عملية السلام برمتها في الشرق الأوسط.

تحدث أيضاُ عما سماه الزمن الصعب، ازدياد الأنظمة الاستبدادية قوة، والتعددية القطبية في أزمة وهناك هجرة عالمية وضعف التضامن في أوربا وهناك ترامب الذي يشكك بأسس الحرية. وانتقد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي وطالبها بإعادة التفكير في قرارها.

تلا كلمة رئيس الحزب حوار دائري حول موضوع تجديد الاشتراكية الديمقراطية الاوربية شارك فيه مندوبون من النرويج وبلغاريا والبرتغال وألمانيا وصحفي من النمسا.

أنقل بعض الأفكار التي ذكرت في النقاش: لماذا نجدد فقط الحزب الاشتراكي الألماني؟ أوربا كلها بحاجة إلى تجديد. التجديد يجب أن ينصب حول أن المواطن يشك بان مستقبله آمن وأن وضعه سيتحسن يوما بعد يوم. يجب معالجة مسألة الشك في الرخاء الاقتصادي يوجد فوارق اجتماعية واقتصادية بين المناطق. الاشتراكية الديمقراطية ترتكز اجتماعيا على الطبقة الوسطى والطبقة العاملة الأقل من الوسطى. الاشتراكيون مهمتهم الربط بين الطبقات الاجتماعية العاملة والوسطى والاشتراكيون فشلوا بذلك.

لماذا لم يكسب الاشتراكيون الديمقراطيون ثقة الناخب؟ لأن الناخب يراهم ملتصقين بكرسي الحكم يراهم متعلقين جداُ بالسلطة.

وهناك سبب آخر هو أن روح الموظف الحزبي (البيروقراطي) هي المسيطرة على الحزب. المساومة وقت الازمات أمر صعب. مسألة التغيير تحتاج إلى أمل، بدونه لا نتقدم.

كلمة وزير الخارجية غونتر غابريل:

تعرض غابريل إلى موضوع الشعبوية وقال أن الصداقة والتضامن هي خصائص الاشتراكية الدولية واعتذر من الضيوف الأجانب أن مواضيع المؤتمر ألمانية وأوربية فقط. قال أننا نعيش نهوض حركات شعبوية استبدادية ليس فقط من اليمين وذكر بعض أسباب هذا الصعود مثل شعور الخوف من فقدان الدولة السيطرة وحلول الفوضى بدل النظام كما في حالة دخول مئات الألاف من اللاجئين السوريين عام 2015 دون جوازات سفر ودون معرفة هوياتهم. وهناك مخاوف من ظاهرة التيارات المالية العالمية العابرة للدول القومية. كل هذا أدى إلى وجود من يصدق التوضيحات المبسطة (عالم بدون مهاجرين ودون سيطرة رأس المال) . وبروز توجه ضد الحداثة. وقال أن ألمانيا ذات اقتصاد السوق الاجتماعي تصطدم بالليبرالية الجديدة. بدل التضامن حلت الفردية والشخصية محلها وهناك محاربة المصالح المشتركة العامة وتراجع وزن النقابات. الرأسمالية الحديثة تبتز الدول القومية عن طريق اللجوء إلى جزر تعفيها من الضرائب. انحلال روابط العائلة والحدود الأوربية المفتوحة كما في عام 2015 أحد أسباب الشعور بالفوضى وفقدان النظام. الشعبوية كشكل للجدل هي خطاب جارح يرفض التهذيب وهي تطرح مواضيع مثل الانتماء، الهوية أو من نحن، ثقافياُ وموضوع الأمن.أزمتنا ليست بسبب تحالفنا مع الحزب الديمقراطي المسيحي وإنما بسبب عدم إعطاء أجوبة كافية على التغيرات الاجتماعية وعلى موضوع الحداثة.

مؤتمر الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا

حضر المؤتمر 600 مندوب منتخب عن عموم منظمات الحزب، عدد أعضاء الحزب نصف مليون، إلى جانب كامل القيادة ومنهم وزراء في حكومة الائتلاف التي مازالت تدير الحكومة حتى تشكيل حكومة جديدة ومنهم مسؤولون في مختلف مقاطعات ألمانيا الفيدرالية. وحضر ضيوف كثيرون ألمان وأجانب إلى جانب حضور قوي لوسائل الإعلام الألمانية والعالمية.

ارتقب الرأي العام ووسائل الاعلام كلمة رئيس الحزب مارتين شولتس لما فيها من إشارات وتوجهات تتعلق بقرار الحزب المشاركة أو رفض المشاركة في حكومة تحالف مع الحزب الديمقراطي المسيحي إلى جانب التوجهات السياسية للحزب في المرحلة القادمة. وفيما يلي مقتطفات من كلمته:

ليس من السهل ما جرى العام الماضي، خسرنا ثلاثة انتخابات محلية إلى جانب الانتخابات المركزية، حصلنا فقط على 20،50% وهي أقل نسبة في تاريخ الحزب. نشعر بالمرارة وخيبة الأمل. إنني أتحمل المسؤولية عن الهزيمة وأقدم اعتذاري لكم. منذ عام 1998 خسرنا عشرة ملايين ناخب. ذكّر مارتين شولتس بأهمية الحزب. الدولة الاجتماعية هي نتاج الاشتراكية الديمقراطية، روح وقلب حركتنا هي الديمقراطية، التضامن، التسامح، احترام الآخر قيم مازالت راهنة. نحن حركة محلية وقومية وعالمية بنفس الوقت. علينا أن نظهر شخصيتنا بشكل أكثر وضوح. القواعد هي قلب الحزب ويجب مشاركتهم في وضع السياسة أكثر. السياسة ليست للتسلية وليست مؤامرة، علينا تنظيم المجتمع والرخاء هي مهمتنا. كل فكرة لها حق في الوجود والاحترام، فلنعد إلى تقاليدنا. نحن مسؤولون عن وضع حزبنا وليس الاعلام ولا الحلفاء.

أوروبيا، طالب شولتس بضرورة تحويل كيان الاتحاد الأوروبي إلى ما أسماه الولايات الأوروبية المتحدة بحلول 2025. في هذا السياق ردت المستشارة ميركل على الفور معلنة تحفظها إزاء ذلك. وقالت ميركل، إن ما يهمها في أمر الاتحاد الأوروبي حتى 2025 هو زيادة القدرة على التفاوض وعلى الحركة داخل الاتحاد، مشيرة إلى أنه على دول الاتحاد الأوروبي تعميق التعاون في العديد من المجالات.

انتقد في كلمته بولونبا وهنغاريا وبعض دول الاتحاد الأوربي لرفضهم التضامن في موضوع اللجوء وقال أنهم ليس لهم أفق انساني.

وقال شولتس: ليس لدينا اضطرار للحكم بأي ثمن، ولكن ليس علينا أيضا رفض المشاركة في الحكم بأي ثمن. وقال شولتس “ليس هناك آلية محددة لأي شيء”، وربما يكون أعضاء الحزب من الشباب أكثر ميلا إلى استبعاد فكرة إعادة تشكيل ائتلاف حكومي مع حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي بقيادة ميركل

انتخاب مارتين شولتس رئيساً للحزب.

انتخب المندوبون رئيس الحزب بالاقتراع المباشر قبل انتخاب الهيئة القيادية للحزب، إلا أن شولتس لم يحرز، خلال المؤتمر العام للحزب -وقبل إجراء مباحثات مع حزب ميركل بشأن تشكيل حكومة للبلاد -إلا نسبة 9ر81 % من أصوات الحزب.

بعض الاقوال من مناقشات المندوبين:

هناك أزمة في الدول الصناعية رغم توفر العمل في ألمانيا، هناك قلق من المواطن على مستقبله بسبب التحولات التكنولوجية والثورة الرقمية، خوف من فقدان الوظيفة. هناك طلب كبير على أصحاب الخبرة ومع ذلك الداخل يراوح في مكانه. كيف يمكن لإنسان في الخمسين إذا فقد عمله أن يجد عملاً جديداً، هناك حاجة لتأهيله من جديد. علينا تأمين أماكن العمل في المستقبل من خلال التركيز على التعليم المهني والأكاديمي للشباب والكبار على السواء. هناك تزايد أعداد الشغيلة ذوي الدخل المحدود. يجب ان يرفع الحد الأدنى للأجور. في مجال الهجرة لا يوجد إجابة واضحة على التحدي الكبير.

عبر الكثير من الشابات والشباب عن رفضهم التحالف مع الحزب الديمقراطي المسيحي وحذروا قيادة الحزب من محاذيرها.

بعدها جرى انتخاب أعضاء القيادة في الحزب وانتخاب الأمين العام للحزب وهو متحدث باسم الحزب يقترحه الرئيس وليس له صلاحيات كبيرة.

كان المؤتمر تلبية لحاجات داخلية وأوربية، وقد فوض قيادة الحزب البدء بمباحثات مع الحزب الديمقراطي المسيحي بشرط أن يعود القرار في النهاية إلى المؤتمر. وافق الحزب الاشتراكي الديمقراطي اليوم على خوض مباحثات مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل لتشكيل حكومة ائتلافية لإخراج البلاد من مأزق سياسي. فقد صوّت ستمئة مندوب للحزب في مؤتمر برلين لصالح مذكرة تقترح إجراء مشاورات استطلاعية. وضع الحزب الاشتراكي شروطًا قاسية للمحادثات، وخاصة بشأن أوروبا، ومن المقرر أن يلتقي رئيسه مارتن شولتس الأسبوع المقبل مع ميركل، رئيسة الاتحاد المسيحي الديمقراطي.

منتصف كانون الأول 2017

الرفيق جورج صبرة

الرفيق محمد علي الترك