ملخص تنفيذي

لا يعد الشرق الأوسط مداناً بسبب دائرة الصراع المنهكة، ولا يوجد شيء محتوم أو لا يمكن حله حول ما تعانيه دول المنطقة اليوم.

ومع ذلك، فإن الواقع الحالي واضح بشكل مقلق ويتمثل في أزمة عالمية تنطلق من الشرق الأوسط، تهز معظم أنحاء المنطقة بسبب العنف وعدم الاستقرار، في حين يظهر هذا التهديد وواقع الإرهاب والاضطراب فيما هو أبعد من ذلك؛ وبينما يعد ذاك التهديد وذاك الواقع واضحين، إلا أن هذا التقرير بمثابة أمل في مستقبل أفضل، ولا يزال هناك فرصٌ في الشرق الأوسط، وليس تحديات فقط.

ولتكون قادراً على تسخير هذه الفرص، فمن الضروري تغيير المسار السياسي للمنطقة من فشل الدولة والحرب الأهلية، نحو نظام مستقر وسلمي لدول ذات سيادة؛ وغنى عن القول أن دول وشعوب منطقة الشرق الأوسط لديها المصلحة الأكبر فيما يحدث هناك، إلا أن الولايات المتحدة أيضاً لديها مصالح حيوية تؤثر على كل من حياة ومعيشة الأمريكيين وأسرهم، مثل حماية المواطنين من الإرهاب وحماية الاقتصاد الأمريكي وتمكين الأصدقاء والحلفاء، وتمكين العمليات العسكرية الأمريكية العالمية، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وتجنب الكوارث الإنسانية المزعزعة للاستقرار.

ويتطلب تقدم المصالح الأمريكية أكثر بكثير من مجرد استراتيجية أميركية أحادية الجانب، ولا يمكن للأطراف الخارجية إصلاح ما تعانيه منطقة الشرق الأوسط، ولا يمكنهم أيضاً تجنب عواقبه العالمية عبر مزيج من الدفاع وفك الارتباط والاحتواء؛ فالأزمة الحالية في الشرق الأوسط لا يمكن احتواؤها، بينما تعتبر الانعزالية وهماً خطيراً.

نهج استراتيجي جديد بقيادة المنطقة

ما نقترحه هنا هو نهج استراتيجي جديد يؤكد على الشراكة، وبموجب هذا النهج الجديد، يجب على قادة وشعوب المنطقة أن يتحملوا المسؤولية الكاملة عن رسم رؤية إيجابية جديدة لمجتمعاتهم، وفي الوقت نفسه، تعمل الأطراف الخارجية، مثل الولايات المتحدة، على المساعدة في حل الصراعات العنيفة، التي تقف حالياً في طريق تحقيق أي رؤية للمنطقة.

ويعد هذا النهج الجديد بمثابة رهان على شعوب المنطقة، فالشراكة التي نتصورها تمد يدها إلى مجموعة كاملة من الجهات الإقليمية الفاعلة، وليس إلى الحكومات فقط، فالشباب والنساء والقطاع الخاص والجماعات المدنية المحلية ورجال الأعمال وفاعلي الخير والمربين والمواطنين جميعهم لديهم دوراً ليؤدوه، والمطلوب هو نهج جامع للمنطقة.

وينص النهج الاستراتيجي الجديد على أجندة عمل من شقين، ينفذا معاً؛ وستأخذ القوى الخارجية زمام المبادرة جنباً إلى جنب مع الجهات الفاعلة الإقليمية في الحد من الحروب الأهلية والتخفيف من المعاناة الإنسانية، وكذلك التخلص من وجود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في الأراضي التي استولى عليها. وفي الوقت نفسه، ستعمل الجهات الإقليمية الفاعلة، بدعم من قوى خارجية على استغلال الثروة البشرية غير المستغلة إلى حد كبير، وبالأخص المواهب البشرية غير المستغلة من الشباب والنساء.

ويمثل هذا التقسيم المكمل للجهود بين الجهات الفاعلة الخارجية والداخلية ميثاقاً لمنطقة الشرق الأوسط، وهو يلغي الافتراضات القديمة بأن البلدان والشعوب يجب أن يختاروا ما بين الأمن ومجتمعات أكثر انفتاحاً. وتتخذ البلدان في المنطقة مزيداً من الخطوات لتحسين حكمها وحياة شعوبها، حيث كلما زادت شرعيتها، كلما توقعت مزيداً من الدعم من الولايات المتحدة الأمريكية ومن شركائها عبر الأطلنطي.

تنفيذ الشق الأول : تحقيق الأمن والسلام

يتطلب الشق الأول، مع تركيزه على القضايا الأمنية من أعلى إلى أسفل، جهداً كبيراً من قبل القوى الخارجية في التعاون الكامل مع تلك الجهات الإقليمية الفاعلة، الراغبة في المشاركة في هذا الميثاق؛ وبالرغم من كون المهام المطلوبة شاقة، إلا أنها قابلة للتنفيذ، وهي تبدأ بدول المنطقة الأربعة الغارقة في الصراع الأهلي.

في سوريا، توفر الانتهاكات الإنسانية لنظام الأسد بيئة مناسبة للتجنيد في داعش؛ ويجب الحد من هذه الانتهاكات –عسكرياً إذا لزم الأمر- ومن المحتمل أن يثبت العمل العسكري ضروريته، ويجب تعزيز قوى المعارضة لحماية المدنيين من نظام قاتل وقتال تنظيم داعش والقاعدة، وذلك بدعم خارجي متنامي؛ ويجب الإسراع في هزيمة تنظيم داعش في سوريا، والبدء في عملية المصالحة وإعادة إعمار البلد المدمر؛ وكذلك يجب استخدام الجهد العسكري الداعم كوسيلة ضغط لدفع النظام وداعميه الخارجيين باتجاه الحل السياسي. وسيدعم عنصر حيوي لهذا الحل الجهود المبذولة من الأقل على الأعلى، حيث سيتم إشراك المجموعات المدنية المحلية والسوريين، الذين اضطروا ليحكموا أنفسهم على المستويات المحلية بسبب انهيار الدولة. وإذا كان على البلد البقاء ككيان واحد، فإنه يتوجب على الحكومة السورية المعاد تشكيلها توفير المزيد من الحكم الذاتي والموارد، التي تمكن المحافظات والحكومات المحلية من تحمل مسئولية أكبر تجاه مواطنيها، وإعطائهم حرية أعظم لتقرير مستقبل بلادهم. وهذا هو نموذج جديد للحكم الوطني، والذي يعد ذو أهمية، ليس فقط للدول الخارجة من حرب أهلية، ولكن أيضاً لدول المنطقة التي تسعى لتعزيز شرعيتها، ولمزيد من الدعم لشعوبها.

في العراق، يجب على الجيش الوطني – مع الدعم الكامل من الفاعلين الخارجيين- أن يتولى زمام المبادرة في هزيمة تنظيم داعش، حيث ربما يؤدي ترك هذه المهمة للميليشيات الشيعية إلى تسريع دوامة السقوط في العراق، فيجب أن تركز الحكومة العراقية مرة أخرى، مع الدعم الخارجي القوي والتشجيع، على المصالحة وتحقيق الاستقرار. وسيستلزم هذا الأمر تلبية الاحتياجات الإنسانية، والتغلب على التوترات الطائفية، واستعادة الحكم المدني الفعال، وتحفيز الانتعاش الاقتصادي في المناطق المحررة. ويعتمد بقاء العراق كدولة واحدة إلى حد كبير على النظر للحكومة باعتبارها ضامناً أكثر مصداقية للمصالح العربية السنية من تنظيم داعش. وسوف يتطلب أيضاً، كما في حالة سوريا، نموذجاً جديداً للحكم، يوفر استقلالاً متزايداً وموارداً للمحافظات والحكومات المحلية؛ ويتوجب على الجهات الفاعلة الخارجية الضغط على الحكومة في بغداد وحكومة إقليم كردستان لحل الخلافات بينهما؛ كما يجب أيضا التصدي للفساد المستشري، ويمكن لسلطة الحكم المحلي أن تقدم مرة أخرى جزءاً رئيسياً من الحل، جنباً إلى جنب مع الدعم القوي للقادة الذين وضعوا أنفسهم في خطر شخصي، من أجل مواجهة الفساد والمصالح الخاصة.
في ليبيا، يفرض التاريخ دوراً قيادياً على شركائنا الأوروبيين؛ ومع ذلك، سوف يُتطلب من القيادة الأمريكية دفع أوروبا المنقسمة حالياً وحشد الفاعلين الخارجيين- بما فيهم العديدين من الشرق الأوسط– لتوفير دعماً موحداً لحكومة الوفاق الوطني، بدلاً من توفيره للفصائل الإقليمية.

في اليمن، يجب على الأطراف الخارجية الفاعلة إقناع المملكة العربية السعودية بإعطاء الأولوية لحل سياسي للصراع. وفي الوقت نفسه، يجب أن تتوقف العمليات العسكرية الحوثية قرب وعبر الحدود السعودية. فمثل سوريا، أصبح اليمن كارثة إنسانية، تتطلب جهود التخفيف من الخارج ومن الفاعلين الإقليميين على حد سواء، ويجب كذلك أن تستمر هناك جهود مكافحة الإرهاب ضد فرع تنظيم القاعدة.
وسوف يتطلب العمل على الحد من الحروب الأهلية عزيمة قوية، ولكن يجب أيضا أن يتعامل الشق الأول من هذه الاستراتيجية مع عدد من المهام الأخرى

– في انتظار تطبيق حل دولتين مستقر ومستدام للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث يجب أن تستمر مهمة بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقبلية، بل ويتم تسريعها، إلى جانب تشجيع إسرائيل على تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني مع السلطة الفلسطينية.

– تتطلب التغييرات السياسية في تركيا بالتوازي مع المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة حواراً استراتيجياً أكثر قوة بين أنقرة وواشنطن؛ ويعتبر هذا الأمر بالغ الأهمية، ليس فقط لمعالجة المسائل ذات الاهتمام المشترك، مثل تدفقات اللاجئين وتنظيم داعش ونظام الأسد، ولكن أيضاً لحل القضايا الراهنة في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا، بما في ذلك العلاقات مع الأكراد السوريين.

– يجب ردع التدخل الإيراني في العالم العربي، حتى في الوقت الذي يتم فيه إشراك طهران بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك (مثل الإتفاق النووي عام 2015). ويجب أن يطمئن أصدقاء الولايات المتحدة وشركاؤها إلى أن الولايات المتحدة تعارض الهيمنة الإيرانية، وأنها ستعمل معهم لمنع ذلك.

– يجب أن يتحرك الدعم للاجئين من توفير الاحتياجات الأساسية نحو دعم دمجهم الاقتصادي في البلدان المضيفة، وتمكين قدرتهم على العودة إلى ديارهم؛ وتحتاج المنطقة إلى نهج مختلف تجاه مساعدة ودعم اللاجئين والنازحين داخلياً، حيث يعتبر البالغون غير القادرين على تجميع المدخرات، والأطفال غير المنتسبين في التعليم هم الأقل احتمالاً للعودة إلى أوطانهم وإعادة بنائها. وتعتبر تلك الدول التي تحمل العبء الأكبر من نزوح اللاجئين مثل الأردن ولبنان وتركيا جديرة بالمساعدة القوية والمستدامة؛ فتعاطفهم ودعمهم للاجئين السوريين هو في الصالح العام العالمي. ومع ذلك، فإن الأعباء ثقيلة، وتحتاج إلى المساعدة الخلاقة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تساعد المدفوعات النقدية للاجئين بدلاً من المساعدات العينية على تحفيز الاقتصادات المحلية، والتخفيف من الاستياء على المستوى المحلي. وخلافاً للمعتقدات الشعبية القائمة، فإن منح اللاجئين الإجازة القانونية للعمل في الاقتصادات المحلية، يمكن أن يؤتي بفوائد ضخمة لقاعدة الضرائب المحلية، وينتج نمواً اقتصادياً عاماً.

تنفيذ الشق الثاني: إطلاق الإمكانات البشرية والاقتصادية في المنطقة

يؤكد الشق الثاني من المقاربة الاستراتيجية الجديدة على التحول السياسي والاقتصادي، ويتطلب إصلاحات عميقة للدول في المنطقة؛ وهي مهام صعبة تتطلب تشجيعاً قوياً من القوى الخارجية الداعمة، والآن إذا لم تتحرك الدول الإقليمية بحزم نحو عقد اجتماعي عصري، والذي يُمَكن بدوره المواطنين ويكرس المساءلة، فإن الاستثمار الذي يتم القيام به في رأس المال البشري في المنطقة لن يؤتي ثماره، كما من الضروري ترسيخ العديد من الخطوات المترابطة لمثل هذا العقد الاجتماعي العصري.

– الخطوة الأكثر أهمية هي تطوير رأس المال البشري في المنطقة – بما في ذلك الشباب والنساء- وذلك لضمان أن يكون التغيير مستداماً؛ والتعليم هو مفتاح للحل، فلابد من القيام باستثمار استراتيجي في تعليم جيد مناسب للقرن الحادي والعشرين؛ وتتطلب المؤسسات التعليمية القائمة، في كثير من الحالات، إصلاح شامل، مع المشاركة الكاملة للطلاب وأولياء الأمور في جهود الإصلاح التربوي. وبالفعل، ينبغي إعطاء المحليات دوراً أكبر في تحديد الأولويات التعليمية على حساب البيروقراطيات المركزية الكبيرة. فالتدخلات المستهدفة والمعلمون المعدون جيداً، والاستخدام المدروس للتكنولوجيا، وبرامج التبادل، وزيادة الارتباط بجامعات الفنون الحرة على الطريقة الأمريكية المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة كلها أمور ضرورية. ومن المهم أيضاً تطوير برامج قوية للتدريب المهني، والتعرف على الاحتياجات الواقعية لسوق العمل.

– وإحدى المهام المتعلقة بهذا الأمر هي دعم وتسهيل الإصلاحات التنظيمية لتخفيف القيود، من أجل تحقيق أكبر قدر من التجارة والاستثمار والتكامل الاقتصادي، مع التركيز بشكل خاص على أصحاب المشاريع؛ وهذا يضمن أن يجد المواطنين المتعلمين فرصة بمجرد استكمال دراستهم. ولا ينبغي أن تكون الحكومات بمثابة عقبات أمام الإبداع الاقتصادي، فالبيئة القانونية والتنظيمية التي تمكن ريادة الأعمال من الازدهار وإيجاد “نظام إيكولوجي للابتكار” ضرورية، وكذلك تعد بمثابة حماية وحوافز للاستثمار الأجنبي المباشر. ويعد أيضاً تحويل الإعانات المالية إلى مساعدات موجهة للفقراء، وإيجاد بنوك مركزية مستقلة ومتمكنة من الأمور ذات الأهمية الحيوية. كما ينبغي أيضاً خفض الحواجز التجارية وإزالتها في نهاية المطاف. فتونس – وهي رائدة في الإصلاحات السياسية بعد الربيع العربي، وتكون بطرق عديدة دليلاً لاتجاهات المنطقة- لا يجب السماح بفشلها اقتصادياً.

– يتوجب على الحكومات تمكين وتحفيز مشاركة المواطنين في حل المشكلات المدنية. ويعني هذا إعطاء مساحة للأنشطة المدنية، وتشجيع وتمكين الجماعات المدنية المحلية وأصحاب المشاريع الاجتماعية، وخصوصاً النساء والشباب ليكونوا منتجين ومبتكرين. ويعني هذا تدريب المهارات والمبادرات المدنية والحوارات العامة، التي تساعد على خلق مجتمعات أكثر مرونة وحيوية، وهو ما يعني كذلك تشجيع وتمكين المرأة للعب دور أكبر في الحياة الاقتصادية والعامة، وهذا يعني بناء قنوات اتصال بين الجماعات المدنية المحلية والحكومات.
– الحكم الرشيد – وخاصةً الحكومات المحلية المتمكنة والمزودة بإمكانيات جيدة – يجب أن يكون أولوية. فتوفير الأمن في مواجهة الإرهاب، دون المساس بحقوق المواطنين ليس بالمهمة السهلة، ولكنه شرط أساسي لهزيمة التهديد الإرهابي؛ وينبغي اقتلاع جذور الفساد، وتبسيط تقديم الخدمات الأساسية، وتحقيق احترافية الأجهزة الأمنية. كما يجب تمكين الحكومات المحلية لحل المشكلات المحلية، وينبغي على البلدان تطوير معايير الإصلاح الخاصة بها. وفي كل هذا، فالتشجيع والدعم من الخارج هامان للغاية؛ لكن المبادرة من داخل المنطقة إلزامية.

– يمكن أن تستفيد منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير من الإطار الإقليمي للحوار والتعاون؛ ويشمل هذا الإطار القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية. وربما يتجاوز التفويضات المحدودة وعضوية المنظمات القائمة مثل الجامعة العربية، التي تستثني أطراف إقليمية فاعلة هامة مثل تركيا وإيران وإسرائيل. ويمكن لمثل هذا الإطار أن يساعد على إخماد الصراعات وتشجيع التعاون، ووضع معايير متفق عليها لتصرفات الدولة، وتحفيز ودعم الخطوات الإيجابية من جانب الدول في المنطقة. ويمكن أن يعبر هذا الميثاق عن المبادئ الأساسية، كما يمكن وضع آلية لتشجيع الامتثال للمعايير المتفق عليها. وقد يساعد هذا الإطار في الحد من الحروب الأهلية وربما يؤدي في نهاية المطاف إلى إنهاء المواجهة السعودية الإيرانية. ومن شأنه أن يساعد على إنشاء والحفاظ على نظام إقليمي أكثر استقراراً بين الدول، حتى يمكن أن يصبح محركاً للدفع بقضية السلام العربي الإسرائيلي.

– يستطيع الشرق الأوسط أيضاً أن يجني أرباحاً هائلة من إنشاء صندوق التنمية الإقليمية لإعادة الإعمار والإصلاح. ويعد غياب مثل هذه المؤسسة- التي من شأنها أن تشمل المشاركة من داخل وخارج المنطقة – أمراً ملحوظاً، وينبغي على الدول الإقليمية اقتراح وتصميم وتمويل مثل هذا الصندوق، وتحفيز المجتمع الدولي لتقديم مساهمات ملائمة. ويمكن للصندوق، في ممارساته الإقراضية، تشجيع ودفع عجلة تنمية القطاع الخاص، ويمكن الاعتماد على نماذج مؤسسات التنمية الإقليمية الأخرى مثل البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، فهو يمكن أن يدعم الأعمال والمشاريع التعاونية التي تخرج من الإطار الإقليمي. والحكومات التي تقوم بإتخاذ الخطوات الموضحة في الشق الثاني من الاستراتيجية سيمكنها الحصول على التمويل والدعم التقني. وبالفعل، فإن الصندوق والمؤسسات الشريكة ستدعم جميع الجهات الفاعلة، بما فيها الحكومات المحلية والشركات الخاصة والجماعات المدنية ورجال الأعمال وأصحاب المشاريع الاجتماعية، وكذلك المواطنين المُمَكنين.

الاختيار

لقد حاولنا أن نلقي نظرة واضحة على المشهد الإقليمي، ونحن ندرك أن الظروف تختلف اختلافاً كبيراً عبر المنطقة، ونفهم أن العديد من دول المنطقة تجد نفسها في أوضاع مختلفة جداً، فلا يوجد نموذج واحد للمنطقة، وبالتأكيد لا يوجد نموذج واحد مصمم من قبل الأطراف الخارجية.

والآن ما سمعناه من المنطقة يشير إلى وجود مجموعة مشتركة من المبادئ والاستراتيجيات، التي يمكن أن تساعد جميع دول وشعوب منطقة الشرق الأوسط على إدارة الخلافات بسبب الانقسامات القبلية والطائفية والدينية، وبناء السلام والترابط الاجتماعي، وإيجاد العقد الاجتماعي للقرن الحادي والعشرين بين الحكومة والشعب، وتعزيز الشرعية الحكومية، ومنع الصراعات من التصاعد إلى العنف. وقد حاولنا التقاط هذه المبادئ والاستراتيجيات وإبرازها في هذا التقرير، وإظهار كيف يمكن تنفيذها وتطبيقها في حالات محددة على نحو فعال وبمرور الوقت.

ويراهن هذا التقرير على شعوب الشرق الأوسط – تلك الشعوب التي تكافح ضد البطالة والبطالة المقنعة والعمالة غير الكافية والبخس بها – التي تكون أبعد ما يكون عن الفوز المؤكد، إلا أن أيام قيام القوى الخارجية بمحاولة تدبير وحتى إملاء الواقع السياسي في المنطقة قد انتهت. وكذلك النظام السياسي الإقليمي للحكومات التي تطلب الطاعة مقابل العمل في القطاع العام وهيئات الدولة ذات الصلة؛ والمطلوب من زعماء الشرق الأوسط شاقٌ جداً، وبالتالي يجب على الجهات الخارجية أن تكون قوية في دعمها وتشجيعها؛ ولكن الخيار واضح: وضع أساس لنظام جديد للشرعية السياسية، أو الاستسلام للأزمة التي لا تنتهي، ولعدم الاستقرار والإرهاب. فإما تمكين المواطنين أو مشاهدة السلطة تؤول إلى أيدي المجرمين والإرهابيين.

هذا التقرير يرسم – رغم التحديات – مساراً واضحاً لشعوب الشرق الأوسط لبناء مستقبل جديد يحول منطقتهم من مرتعاً لعدم الاستقرار والعنف إلى مجتمع للدول مستقر ومزدهر. ولا يوجد شئ في أو حول الشرق الأوسط مدان بالفشل، أو لم تتغلب عليه المناطق الأخرى. فأطروحة الصراعات القديمة المستعصية المتجذرة في الدين والعرق هي على النحو الخاطئ في الشرق الأوسط كما كانت في أوروبا. وعلى العكس من ذلك، هناك الكثير في المنطقة – وابتداءاً بشعوبها – ما يوحي بالأمل، لكن الأمل كاستراتيجية ليس أكثر من كونه تعبير ساخر؛ فالنهج الاستراتيجي الجديد الذي نقترحه يمكن، إذا تم تنفيذه، أن يوفر وسيلة للخروج من الصراع الحالي.

رسالة من رئيسي مجموعة عمل استراتيجية الشرق الأوسط

يشهد الشرق الأوسط منذ قرن من الزمان انهيار للنظام السياسي، وصراع غير مسبوق على السلطة داخل وبين الدول، وصعود للعناصر المتطرفة التي تحصد حصيلة كبيرة من الخسائر الفادحة؛ ولكن في الوقت نفسه، تتطور أجزاء من المنطقة بسرعة كبيرة، حيث تسعى لتوفير فرص أفضل لشبابها، وتختبر القيام بأدوار أكثر فعالية في الشرق الأوسط والعالم.

وهذه التطورات، سواء كانت إيجابية أم سلبية، لها انعكاسات عميقة ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن أيضاً بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا وبقية العالم. وهذا هو السبب في أننا، تحت رعاية المجلس الأطلنطي، قد أسسنا مجموعة عمل استراتيجية الشرق الأوسط في فبراير 2015.

ويأخذ هذا التقرير خطوة إلى الوراء من النقاش السياسي الحالي، ويسعى إلى تجاوز النهج المشتعل لمشكلات المنطقة؛ ويسعى كذلك لفهم القوى المعقدة التي تُشكل الشرق الأوسط اليوم، واقتراح كيف يمكن للشركاء المحليين والإقليميين والدوليين العمل معاً على وضع المنطقة كلها – ليست فقط هذه البلدان المنخرطة في الحرب الأهلية- على مسار أكثر إيجابية على المدى الطويل.

وفي جوهره، فإن هذا التقرير ليس حول وضع استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة، حتى لو كانت الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية والقدرة على إصلاح العلل التي تعاني منها المنطقة. فبدلاً من ذلك، يعد التقرير بمثابة محاولة لوضع استراتيجية للمنطقة، والتي تكون مستوحاة إلى حد كبير من المنطقة نفسها، ويجب أن تتولى حكومات وشعوب المنطقة زمام المبادرة في تنفيذ هذه الاستراتيجية إذا أريد لها النجاح. ولكن الولايات المتحدة وأصحاب المصالح الخارجيين يمكنهم المساعدة، ونحن نقدم اقتراحات عن كيفية تقديم أفضل دعم وتمكينهم من تسهيل جهودهم. ونحن نعتقد أن القيام بذلك يعد بمثابة مصلحة كبيرة للأمن القومي الأمريكي.

ويختلف نهجنا في هذا المشروع عن الجهود الأخرى من هذا النوع، لقد أدركنا سريعاً أن التركيز الحصري على القضايا الأمنية لا يكفي، بينما ترتبط التحديات الأمنية في المنطقة ارتباطاً وثيقاً بالقضايا الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والسياسية. لذلك قمنا بتنظيم خمس مجموعات عمل متخصصة، والتي تتألف من خبراء بارعين من المنطقة وخارجها، للنظر في القضايا العامة التي نراها أساسية لشرق أوسط أكثر سلاماً وازدهاراً، وهذه المجموعات هي:

الأمن والنظام العام
الدين والهوية، ومكافحة التطرف العنيف
إعادة بناء المجتمعات: اللاجئين والتعافي والمصالحة
الحكم وعلاقة الدولة بالمجتمع.
التعافي والانتعاش الاقتصادي.
وقد نشرت كل مجموعة من مجموعات العمل الفرعية هذه، خلال عام 2016، ورقة تبين الاستنتاجات والتوصيات كما يراها مقرر مجموعة العمل. ويتأثر هذا التقرير، ولكن ليس على سبيل الحصر، بهذه الأوراق التي أعدها فريق العمل، وبسبب إيماننا القوي بأهمية الاستماع إلى الآراء من المنطقة، تأكدنا من تلقينا لمدخلات منظمة من مجموعة واسعة من الافراد في الشرق الأوسط. ومن وراء مجموعات العمل الخاصة بنا، كان لدينا فريق من كبار المستشارين القادمين من المنطقة ومن أوروبا والولايات المتحدة، وقد تشاورنا بشكل دوري مع سفراء المنطقة المقيمين في واشنطن، وكذلك مع حلفائنا الرئيسيين من الأوروبيين ومع أصدقائنا.

وقد شرعنا أيضاً في رحلة لتقصي الحقائق إلى المنطقة عام 2016، والتي تضمنت زيارات إلى كل من تونس ومصر والأردن والسعودية، بالإضافة إلى زيارات لدول الإمارات العربية المتحدة، وإسرائيل والضفة الغربية والتي قام بها ستيف هادلي بمفرده، ثم عاد ستيف مرة أخرى إلى الشرق الأوسط في نهاية سبتمبر. وقد التقينا ليس فقط مع رؤساء الدول والوزراء وغيرهم من المسؤولين، ولكن أيضاً مع ممثلين من قطاع الأعمال والجماعات المدنية المحلية والطلاب والشباب، لضمان الاستماع إلى مجموعة واسعة من وجهات النظر.

وفي حين أن مضمون واستنتاجات هذا التقرير التي اُعلن عنها تمت إلى حد كبير من خلال عملية تعاونية، إلا أننا لا نسعى لجعله وثيقة إجماع. وإنها لا تمثل بالضرورة وجهات نظر مستشارينا الكبار أو مقرري فرق عملنا أو أعضائها، أو أي من المسؤولين أو المنظمات أو الأفراد الذين استشرناهم على طول طريق البحث،

وبدلاً من ذلك يمثل هذا التقرير أفضل أحكامنا كرئيسين مشاركيْن. ونعتقد نحن أنه يُجْمل نهجاً بناءاً ومدروساً، وقبل كل ذلك، موجهاً نحو إيجاد حلول لهذه المنطقة التي نرى أنها حيوية للمصالح الأمريكية وللأمن العالمي وللرخاء البشري؛ ونحن نعي أن كثيراً مما نقول سوف يكون مثيراً للجدل بالنسبة لكثير من الجمهور الأمريكي. لكننا نعتقد بأن التواصل مع المنطقة يسمح لنا بجلب معلومات جديدة، ومقاربة جديدة للمناقشة العامة حول الشرق الأوسط، والتي أصبحت ضيقة وراسخة على حدٍ سواء، ونحن نأمل في أن النهج التعاوني الذي أكدنا عليه خلال هذا المشروع يمكن أن يكون بمثابة نموذج لحل المشكلة المستقبلية التي تتضمن قضايا معقدة على نحو مماثل.

وقبل كل شيء، نحن نقدم استنتاجاتنا بتواضع شديد، فالقضايا التي تواجهها المنطقة هي من بعض أكثر القضايا التي شهدناها تحدياً وصعوبة، وذلك في أي وقت مضى في مسيرتنا المهنية، وقد استغرقت مجموعات العمل الفرعية وقتاً أطول مما تصورنا، وذلك بسبب التغيرات الدراماتيكية في المنطقة خلال مسار عملنا. وكون الاستراتيجية التي نعدها صعبة، سوف تتطلب أيضاً إلتزاماً مستمراً من جانب الولايات المتحدة والشركاء الدوليين الآخرين عبر خطوط الزمن والإدارات والأحزاب؛ ونحن نعلم أن هذا سيكون أمراً صعباً في حد ذاته في الولايات المتحدة، فلقد تعب الأمريكيون من الحروب في الشرق الأوسط، التي على ما يبدو أنها لا نهاية لها، ولكننا نعتقد أن النهج الذي نحدده سوف يجعل الشرق الأوسط أكثر استقراراً في نهاية المطاف، ونتيجة لذلك، سوف يجعل الولايات المتحدة – والعالم – أكثر أماناً.

الوضع في الشرق الأوسط صعبٌ ولكن التقدم ضروري وممكن. ونحن نأمل أن تكون فرق العمل هذه بمثابة الخطوة الأولى نحو تحسين التعاون الدولي مع شعوب المنطقة لتحقيق إمكاناتهم المذهلة.

عناصر الاستراتيجية

الهدف: تتطلب أي استراتيجية بيان واضح للهدف المراد تحقيقه، وبناءً على تحليلاتنا ومشاوراتنا، نعتقد أن هذا الهدف هو:

البدء في تغيير المسار الحالي لمنطقة الشرق الأوسط ككل، حتى تستطيع المنطقة، بمرور الوقت، أن تتجه نحو نظام أكثر استقراراً وسلماً لدول ذات سيادة، وإن مثل هذا الأمر يتطلب:

توجيه شعوب المنطقة نحو استشراف مستقبل مستقر ومزدهر وآمن من كل العنف الإرهابي والقمع الحكومي.
توفير حكم شامل وشفاف وفعال وغير فاسد، ويُمكن مساءلته حيث يعامل الناس بشكل عادل ويستثمر في تعليمهم وصحتهم، ويحقق لهم الرخاء الاقتصادي.
تقوية وتمكين المواطنين في المنطقة للمشاركة بشكل كامل في بناء مستقبل أوطانهم.
لعب دور بناء في نظام دولي ليبرالي حيوي وعصري.
النهج العام

يتطلب تحقيق هذا الهدف استراتيجية تتفق مع “المبادئ التوجيهية” المنصوص عليها في الفصل الثالث، حيث يجب أن تكون استراتيجية موضوعة من قِبل المنطقة وللمنطقة، والتي نتصور ألا تشمل فقط الدول وقياداتها، ولكن أيضاً، وذلك الأهم، شعوبها؛ ويجب ألا تمثل مجرد سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة، بل يجب أن تشمل أصحاب المصالح الخارجيين الآخرين كذلك.

وما نقترحه هو “النهج الاستراتيجي الجديد” لكيفية ارتباط العالم بالشرق الأوسط، فمنذ عهد الاستعمار الأوروبي، لعبت القوى الخارجية دوراً كبيراً في تشكيل الأحداث في المنطقة، إلا أن هذا النهج لم يعد صالحاً في عصر الدول ذات السيادة والمواطنين الإيجابيين. وبذلك يتطلب نهج استراتيجي جديد والذي يغير بدوره النهج القديم تماماً:

تحتاج المنطقة إلى تحمل مسؤولية رسم مستقبلها، وذلك على الرغم من أنها لا تزال بحاجة إلى مساعدة من الأطراف الخارجية، للتغلب على العديد من التحديات التي تواجهها.

تحتاج المنطقة من القوى الخارجية أن تلعب دوراً مختلفاً تماماً عن ذي قبل، وهو ليس بدور الاستعماري المتسيد، ولا الغازي ولا الشرطي، ولكنه دور المحفز والميسر في مساعدة شعوب المنطقة على بناء نظام إقليمي جديد.

وسيتطلب هذا المجهود أيضاً جهداً جامعاً للمنطقة، ففي السنوات الأخيرة، بلغ عدد من الأطراف الفاعلة مستويات جديدة من العلاقة في الشرق الأوسط بجانب الدولة، ويشمل ذلك الشركات الخاصة، والحكومات المحلية والجماعات المدنية والمنظمات الخيرية ورواد الأعمال التجارية والاجتماعية، وبطبيعة الحال المواطنين المنخرطين في شئون أوطانهم، وتحث الاستراتيجية على خدمة كل هذه الجهات، وليس الحكومات فقط، وذلك كجزء من هذا الجهد.

وتعتبر الاستراتيجية المبينة بالأدنى هي في نهاية المطاف رهان على شعوب المنطقة، وهي تشمل الأطراف الفاعلة الجديدة، وهي تراهن كذلك على أن المواطنين المُمكنين والمترابطين، والذين يستطيعوا على المدى الطويل بناء مجتمعات أفضل، وبالتالي منطقة شرق أوسط أفضل؛ وهي تسعى إلى تهيئة الظروف التي يمكن أن تطلق هذه الإمكانات البشرية الهائلة، والتي لا تقتصر على النخب في هذه المجتمعات، ولكن تتدفق عبر جميع الطبقات الاجتماعية.

الاستراتيجية

تنتهج الاستراتيجية “جهداً ذي شقين” حيث تتألف من تدابير من أعلى إلى أسفل لمعالجة القضايا الأمنية المباشرة، بجانب خطوات من أسفل إلى أعلى والتي تشرك وتطور رأس المال البشري في المنطقة، ويجب متابعة كل من شقي الاستراتيجية في آنٍ واحد، وليس بالترتيب؛ وسوف يقدم إطلاق الإمكانات البشرية الكاملة للمواطنين في المنطقة (الشق الثاني) في نهاية المطاف الحل لكثير من التحديات في المنطقة، وهذه هي مهمة طويلة الأجل من شأنها أن تستغرق سنوات لتؤتي ثمارها، لذلك يجب أن تبدأ على الفور، ولكن لأنها لا يمكن أن تتطور بشكل كامل دون الأمان الكافي، يجب أن تبدأ الجهود الرامية إلى إنهاء الصراعات الحالية (الشق الأول) على الفور، وكذلك يجب تنفيذ الشقين بالتوازي.

الشق الأول
المعالجة من أعلى إلى أسفل، وذلك بمشاركة فعلية من القوى الخارجية، للتحديات الجيوسياسية العاجلة للسلام الإقليمي، وذلك على المدى القريب إلى المتوسط. وهذا يعني:

احتواء انتشار الصراعات الحالية، في الوقت الذي يتم فيه معالجة الأزمة الإنسانية الكبيرة، التي يواجهها اللاجئين والأشخاص النازحين داخلياً، وكذلك الدول المجاورة التي تستضيفهم.

البدء في الحد من الحروب الأهلية والإرهاب والطائفية العنيفة، التي تجتاح المنطقة، مع زيادة استقرار المنطقة بمرور الوقت.

ويهدف هذا الشق للحد من العنف في المنطقة بمرور الوقت إلى الحد الذي لا يعد الأمن فيه هو الشغل الشاغل، وحتى يمكن للجهود المبذولة من أسفل إلى أعلى لتطوير التعليم والمجتمعات والاقتصادات والحكم (الشق الثاني) أن تتطور وتنتشر. ولتحقيق هذه النتيجة، فإن التحدي الأساسي هو الحد من الحروب الأهلية التي كان لها هذه التأثيرات المزعزعة لاستقرار المنطقة؛ ويجب أن تكون الأولويات الأكثر إلحاحاً: 1) تخفيف المعاناة الإنسانية الحالية في سوريا 2) استرداد الأراضي التي تسيطر عليها داعش الآن في العراق وسوريا. ولا يعتبر تنظيم داعش بمثابة التهديد الأكثر خطورة بالنسبة للولايات المتحدة وحدها فقط، ولكنه يمثل أيضاً الآن تهديداً مشتركاً لكل القوى الإقليمية الكبرى وروسيا وأوروبا وما حولهم، مما يزيد من احتمالية قدرتهم على إيجاد أرضية مشتركة. ويتطلب تنفيذ الشق الأول جهداً أكبر بقيادة الولايات المتحدة، وذلك لحماية المدنيين السوريين من نظام الأسد، ولهزيمة داعش والقاعدة في كل من سوريا والعراق. وهذه التدابير، التي تم وصفها بمزيد من التفصيل في الفصل الخامس، سوف تجمع وتطمئن أصدقاء وحلفاء أمريكا بشأن التزامها نحوهم ونحو المنطقة. وسترسل رسالة واضحة إلى روسيا وإيران، تفيد بعودة أمريكا إلى اللعبة، وبأنهما ليس لديهما طريقاً للنصر في سوريا أو العراق. ويمثل تغير الحقائق على الأرض بهذه الطريقة ضغطاً على الولايات المتحدة للعمل مع جميع الفاعلين الداخليين والخارجيين (بما في ذلك روسيا وإيران)، في محاولة لإنهاء الحروب الأهلية في هذين البلدين. ويمكن تحقيق ذلك من دون التزام أساسي من القوات البرية الأمريكية.

وفي الوقت نفسه، تحتاج الولايات المتحدة وشركاؤها إلى العمل معاً لمواجهة الحروب الأهلية الأخرى في المنطقة، واتخاذ خطوات ملموسة لردع واحتواء السلوك العدواني من جانب إيران، بينما لا يزالوا يبحثون عن فرص للقيام بذلك. وسيؤدي القيام بذلك إلى البدء في تخفيف حدة التوترات الطائفية في المنطقة. وعلى المدى الطويل، يمكن لإطار إقليمي، كما هو موضح لاحقاً في هذا التقرير، أن يزيد الهدوء والاستقرار في المنطقة من خلال المساعدة في ورعاية قيام تعاون أكبر في جميع أنحاء المنطقة بشأن التحديات الرئيسية، وإضفاء الطابع المؤسسي على معايير معينة للسلوك بين الدول وداخلها.

الشق الثاني

وبينما تتم معالجة هذه التحديات الأمنية، لا بد من دعم تلك الجهود من أسفل إلى أعلى والتي توجد بدورها، على المديين المتوسط والطويل، أساساً اجتماعياً لشرق أوسط أكثر استقراراً وسلاماً وازدهاراً، وهذا يعني:

دعم “البراعم الخضراء” للنشاط التجاري والمدني الذي يكون قوامه المواطن، والذي يوجد في جميع أنحاء المنطقة.

تشجيع الحكومات الإقليمية لتسهيل هذه الجهود، وللاستثمار في التعليم، وفي تمكين شعوبها، لمعالجة المشكلات المجتمعية والاقتصادية ومشكلات الحكم التي هي بمثابة مفاتيح لتحقيق الازدهار والاستقرار في المستقبل.

ويسعى هذا الشق الثاني لإطلاق الطاقات البشرية الكبيرة في المنطقة، فالمواطنون القادرون على التفكير النقدي والتصرف بشكل مستقل هم أساس أي مجتمع عصري ناجح، وهم ضروريون للمنافسة في الاقتصاد العالمي، من أجل تطوير مجتمعات نابضة بالحياة ومتسامحة، ولضمان نجاح الحكم؛ وبالتالي، فإن أهم استثمار يمكن للحكومات القيام به هو في جودة التعليم، حتى وإن كانت المكاسب بالضرورة على المدى الطويل.

كما يجب على الحكومات تهيئة بيئة مواتية للأفراد داخل المجتمع (بما في ذلك الذين شُردوا بسبب الحرب) لنشر مواهبهم بالكامل، سواء كانوا مبتكرين وأصحاب مشاريع، أو كانوا مجرد مواطنين منشغلين بالقضايا الوطنية، وهذا يعني أطراً قانونية وتنظيمية أفضل، ولكن يعني أيضاً حكماً أكثر شمولاً وفعالية وشفافية وخضوعاً للمساءلة بشكل عام؛ وينبغي على الولايات المتحدة وغيرها من أصحاب المصالح دعم تلك الحكومات، التي تحاول خلق مثل هذه البيئة التمكينية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد صندوق للتنمية في المنطقة، كما هو موضح هنا، في مشروعات البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية الأساسية بالتوازي مع هذا الجهد.

إيجاد الحلقة الإصلاحية

يكمن المنطق وراء هذه الاستراتيجية ذات الشقين في إيجاد حلقة إصلاحية بدلا من تلك الحلقة المفرغة من العنف الجاري الآن، والتي يمكن أن تبدأ في تغيير مسار المنطقة مع مرور الوقت. وقد تم اقتراح العديد من الأفكار الواردة في هذا التقرير من قبل، ولكن لأسباب مختلفة -كالمخاوف الأمنية وفقدان الإرادة السياسية والمصالح الخاصة والافتقار إلى التمويل- فقد اختار القادة السياسيين في النهاية، عدم السعي في تنفيذ هذه الأفكار، وقد تم وضع أطراً للتدابير المقترحة هنا بمثل هذه الطريقة، وذلك لمحاولة التغلب على هذه المعوقات، وتحفيز اتخاذ هذه التدابير، والبدء في إيجاد ديناميكية تنافسية بين دول المنطقة في الإصلاح.

وقد صيغت هذه الاستراتيجية ذات الشقين بمثل هذه الطريقة حتى تركز الأطراف الفاعلة -والتي تعمل في مسارات متوازية- على الأهداف العريضة التي تشمل العناصر التالية:

ميثاق الشرق الأوسط:• بموجب هذا الميثاق، ستعمل الولايات المتحدة جنبا إلى جنب مع أوروبا وغيرها من الشركاء الخارجيين، مع دول المنطقة لزيادة جهودهم المشتركة (بموجب الشق الأول)، من أجل مواجهة التحديات الجيوسياسية العاجلة للسلام في المنطقة، وبالإضافة إلى المشاركة في هذا الجهد، ستتخذ دول المنطقة (بموجب الشق الثاني) خطوات تؤدي إلى شرق أوسط أكثر استقراراً وشمولاً، وكذلك محكوماً بشكل أفضل. وإلى المدى الذي تتعهد فيه دول المنطقة باتخاذ هذه الخطوات، يجب أن توفر الولايات المتحدة وأوروبا والأطراف الأخرى في هذا الميثاق الدعم الدبلوماسي والاقتصادي والفني، وذلك بجانب تقديم العون لتيسير الموارد الكافية وتمكين الحكم المحلي، ولن تحصل دول المنطقة التي تختار عدم بذل الجهود على هذا الدعم.
نهج مختلف لمساعدة ودعم اللاجئين والنازحين داخليا: فبدلا من أن يكونوا عبئاً، يمكن أن يكون هؤلاء الأشخاص بمثابة محرك للتغيير والتقدم، أولاً في البلدان المضيفة لهم، وبعد ذلك في بلدانهم الأصلية؛ ولكن، يتطلب هذا الأمر توفير التعليم للنازحين وتدريبهم على المهارات، والسماح لهم قانونيا بالمشاركة في اقتصادات البلدان المضيفة لهم.
إصلاح تنظيمي جذري: وكما نلاحظ أعلاه، تحتاج الحكومات إلى تهيئة البيئة التمكينية اللازمة، “للبراعم الخضراء” للتغيير من أجل أن تترسخ وتزدهر. ويحتاج أصحاب الأعمال التجارية إلى إطار قانوني ومناخ تنظيمي يساعد على الاستثمار والابتكار. ويحتاج رواد الأعمال الاجتماعية والمجموعات المدنية لأن يكونوا قادرين على التسجيل بشكل قانوني والعمل بحرية؛ وبالتالي سيكون التأثير الخالص لهذه الإصلاحات بمثابة تأثير شمولي للاقتصاد والمجتمع ككل. وعلى المستوى الاقتصادي، فإنهم لن يقتصروا فقط على تمكين أصحاب الأعمال المبتدئة والصغيرة، والذين هم مبدعي الوظائف الكبرى. ولكنهم سوف يساعدوا أصحاب الصناعات الكبيرة، ولن يشجعوا الاستثمار الأجنبي اللازم فحسب، بل سيعملوا على زيادة ثقة الممولين المقيمين في منطقة الشرق الأوسط لاستثمار رؤوس أموالهم محليا بدلاً من الخارج.
عقد اجتماعي عصري للمنطقة: لقد أصبح العقد الاجتماعي القديم والذي تقدم بموجبه الحكومات الخدمات والأمن في مقابل الحق في الحكم، عرضة للانتقاد في جميع أنحاء المنطقة، بل وقد تم طمسه في تلك البلدان التي مزقتها الحرب الأهلية، والمطلوب الآن هو عقد اجتماعي يحدد العلاقة بين الحكومات ومواطنيها على أساس حكم شامل وفعال وشفاف ومسؤول. ويتعين على الحكومات ليس فقط توفير الأمن والخدمات، ولكن أيضا منح مواطنيها دوراً رئيسياً في تحديد مستقبلهم. وقد قُوضت شرعية الحكومات على المستوى الوطني في العديد من بلدان المنطقة التي تشهد حربا أهلية، ولاستعادة شرعيتها، سوف تحتاج المؤسسات الحاكمة في جميع أنحاء المنطقة من أجل إعادة بنائها وإصلاحها إلى مثل هذا العقد الاجتماعي الحديث.
نموذج جديد للحكم الوطني للدول التي تشهد صراعاً: من أجل تحقيق أفضل استيعاب لتنوعها العرقي والثقافي والديني الثري، بالإضافة إلى الحقائق الاقتصادية الجديدة وزيادة رغبة الناس في أن يكون لهم رأي في شؤونهم الخاصة، يحتاج الشرق الأوسط الجديد إلى نموذج جديد للحكم الوطني، وسيضمن هذا النموذج الوطني حكومات محلية أكثر تمكينا، وتتمتع بموارد أفضل حيث تتحمل مسؤولية السكان المحليين، وذلك كوسيلة لتعزيز الدول بدلاً من تقسيمها. وبالفعل، إذا أرادت الدول الخارجة من الحرب الأهلية الحفاظ على تماسكها داخل الحدود القائمة، وإعادة تأسيس شرعيتها كدول، فإنه يجب عليها الابتعاد عن النموذج المركزي للحكم، وأن تتجه نحو توفير المزيد من الاستقرار السياسي للحكومات الإقليمية والمحلية بجانب توفير الموارد الاقتصادية التي تمكنها من إدارة شؤونها الخاصة. وهذا لا يقل أهمية عن إصلاح المؤسسات الوطنية؛ وبالأحرى، سيتطلب ذلك قيادة شجاعة ومؤسسات قوية على الصعيد الوطني، من أجل تمكين وترسيخ الحكم على المستوى المحلي.
إطار إقليمي: لقد أخبرنا عدد من المسؤولين والخبراء من المنطقة بأن وجود إطار للحوار الإقليمي وتسوية المنازعات وتعزيز التجارة والتكامل الاقتصادي من شأنه أن يقدم مساهمة كبيرة في إخماد التوترات الإقليمية وفي بناء الازدهار، وفي شكله الأكثر تطورا، سيشمل هذا الإطار الإقليمي الفاعلين الرئيسيين من داخل وخارج المنطقة. ولكن يجب أن يظهر مثل هذا الإطار بشكل تدريجي ومن الأساس من المنطقة نفسها، كاستجابة للتطورات هناك.
صندوق التنمية الإقليمي لإعادة الإعمار والإصلاح: وكجزء من الإطار الإقليمي الجديد، تحتاج المنطقة إلى صندوق تنمية، لتمويل مشاريع البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية، ويعتبر الشرق الأوسط هو المنطقة الوحيدة في العالم التي تفتقر إلى مؤسسة فعالة متعددة الأطراف من هذا النوع، إلا أنه في حاجة ماسة إلى واحدة من هذه المؤسسات؛ وتمول دول الخليج حالياً مجموعة من المشروعات التنموية في المنطقة، ولكن على قاعدة ثنائية، حيث كل منهم والدول التي تتلقى دعمهم يمكنهم الاستفادة من النهج الأكثر مؤسسية، وذلك بالأموال التي يديرها فريق عمل احترافي، والتي يتم توزيعها وفقا لمعايير محددة سلفاً، وتخضع لأعلى معايير من المحاسبة. وتستطيع دول المنطقة نفسها تصميم الصندوق وتوفير التمويل الأولي، وتحفيز أصحاب المصلحة الخارجيين للانضمام وتنسيق جهودهم. وسيعمل ذلك وفقا لمبدأ “أكثر مقابل أكثر.” فالدول التي توجد وتهيئ بيئة مواتية للتغيير تستطيع الحصول على التمويل والمساعدة التقنية، اللازمة للقيام بالاستثمارات الاقتصادية والاجتماعية. ويمكن للصندوق إيجاد وسائل تمويل مختلفة وتسهيلات لتلبية الاحتياجات المتنوعة للمنطقة؛ وسيكون الهدف هو أن يكون لديه القدرة على دعم الجهات الفاعلة في هذا الجهد الجامع للمنطقة وتوفير التمويل الجزئي لأصحاب المشاريع التجارية والاجتماعية، ودعم خطط العمل التي تستهدف الشباب، وتمنح قروض للقطاع الخاص والشركات والمنظمات الاجتماعية، وتمويل مشاريع البنية التحتية، والمساعدة التقنية على جميع المستويات.
(انتهى الملخص التنفيذي)

[gview file=”http://www.syria-sdpp.org/wp-content/uploads/2017/01/MIDDLEEASTNEWSTRATEGY.pdf”]