في الثامن عشر من آذار الجاري تكون ثورة الشعب السوري العظيمة قد طوت عامها السابع، وهي مثقلة بمئات ألوف الشهداء ومثلها من المعتقلين والمغيبين قسريًا وملايين المهجرين في الداخل وفي الخارج، ودمار طال أغلب المدن السورية، ليقضي على ما بناه السوريون على مدى عقود. ومازال القتل والتدمير في وتيرة متصاعدة وبمختلف الأسلحة المحرمة دوليًا بما فيها الأسلحة الكيماوية. فالتدخل الروسي منذ أيلول 2015، جعل من عمران السوريين وأشلاء أطفالهم ميدانًا لتجريب مئتي نوع من أسلحته الجديدة حسبما تفاخر بها الرئيس الروسي أكثر من مرة.
سعى النظام منذ العام الثاني للثورة، وبعد أن تيقن من عجزة في سياق حله الأمني عن هزيمتها إلى تدويل الصراع، واستجلب تدخل إيران وميليشياتها الطائفية، وعندما فشلت بدورها استجلب التدخل الروسي، وهذا أدى لتدخل أميركي وتركي وسعودي وإسرائيلي بشكل ما، وبات لكل دولة من الدول المتدخلة أجنداتها وأهدافها في سياق صراع معقد وحاد على النفوذ، مفتوحًا على كل الاحتمالات ضحيته الأساسية الشعب السوري.
استدعاء التدخل الإيراني جاء مناسبة لاستكمال مشروعها التوسعي في المنطقة العربية شرق المتوسط، وتأمين وصولها البري إلى البحر، لذلك تسعى لاحتلال المناطق التي تخدم هذا الهدف، بما يستلزمه من تغيير ديموغرافي في المناطق التي تقربها من حدود الجولان والحدود اللبنانية، ويتيح لها التحكم بالعاصمة دمشق، في حين أن روسيا أراد ت من تدخلها إضافة لتثبيت النظام-الذي كان موشكًا على الانهيار-أن تجعل من سورية ورقة مساومة مع الغرب على الملفات الكثيرة العالقة بينهما. أما الولايات المتحدة التي اقتطعت مناطق شرق الفرات معتمدة على قوات سورية الديمقراطية وبعض الحلفاء المحليين في سياق الحرب على داعش، فإنها تتخذ هذه المنطقة قاعدة مهمة على صلة بالعراق من ضمن تموضعها الإستراتيجي، ومنصة انطلاق نحو المناطق السورية الأخرى في إطار تقاسم النفوذ ما بعد الحرب. وذات الشيء تفعله تركيا ضمانًا لحصتها من سورية عبر تدخلها في عفرين، بحيث باتت واحدة من الدول المحتلة لأراض سورية، وقتلت وهجرت مواطنين أكراد سوريين بدعوى منع قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية، كما ترفع اسرائيل اصبعها التي كانت مخبأة لترسم حدود أمنها القومي في جنوب سورية.
وهكذا أضحت سورية بلدًا محتلًا ومستباحًا. النظام فيها صار رهينة بيد المتدخلين، وفقد دوره وتحول إلى أداة لتنفيذ أجنداتهم. أما المعارضة السياسية منها والعسكرية فقد أخذت تفقد دورها بسبب محاولات تهميشها ومحاربتها تحت ذرائع مختلفة ومحاولة تصفيتها بصورة خاصة من الجانب الروسي. لقد استغل المتدخلون ظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة، من أجل وصم الثورة بالإرهاب، وكيل شتى التهم للمناضلين السوريين.علمًا بأن هذه الجماعات حملت أهدافًا غريبة عن تطلعات السوريين إلى الحرية والديمقراطية، وسعت لفرض أجنداتها الخاصة.
من المؤكد أن أي إنجاز عسكري لا يترجم إلى كسب سياسي، لا يعتد به في سياق صراع تتعدد فيه القوى المتدخلة، وتتضارب أهدافها إلى الدرجة الذي بات عليها الحال. ولعل المأزق الحقيقي بات يلف الموقف الروسي ، فقد فشلت مسيرة أستانا، التي بينت أن روسيا دولة لا تحترم التزاماتها، أو أنها أعجز من تفرض رؤيتها على بقية الأطراف المتحالفة معها، وجاءتها الصفعة المؤلمة بفشل مؤتمر سوتشي الذي أرادته إعلانا وعنوانًا لانتصارها، وفرض حل وفقًا لتصورها، فكان موقف الدول الخمس، التي صدرت موقفها بما دعيت ورقة ” اللاورقة”، وفيها تعلن أن مسار الحل السياسي في سورية، ينحصر في المسار الأممي في جنيف وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، كما أن رفض المعارضة حضور ذلك المؤتمر ساهم في سحب الشرعية عنه.
في السنة الثامنة للثورة وعند هذه العتبة التي وصل لها الصراع، تتبدى لوحة الصراع على سورية على الشكل التالي:
أولًا: لم تعد روسيا تخفي رغبتها في تصفية المعارضة السورية بشقيها العسكري والسياسي . فمعركة الغوطة التي نشهدها الآن تأتي في هذا السياق، وهي تحمل أهمية كبيرة، وتعتبر معركة فاصلة قد تقرر مصير الثورة، وعلى درجة من الخطورة أكبر من معركة حلب التي أخلت بموازين القوى إلى درجة كبيرة.
إن ما يميز هذه المعركة زيادة وحشية الروس والنظام بإتباعهم سياسة الأرض المحروقة، وتعمد استهداف المدنيين على الرغم من وجود قرار دولي بالهدنة ووقف القتال لم يلتزم بها أحد. فأميركا لا تهتم بما يحدث في الغوطة وكأنها موافقة على ما يقترف من جرائم. فهي والمجتمع الدولي يتحملان مسؤولية ما يجري.
ثانيًا: يلاحظ على خلاف السنوات السابقة، أن هناك تقاربًا واضحًا بين الموقفين الأوربي والأميركي تجاه الملف السوري، يدفع إليه توجس الطرفين من الخطر الروسي المستجد على مصالحهم في المنطقة وهم أصحاب النفوذ التاريخي فيها، وهذا يرجح احتدام الصراع بين الطرفين الرئيسيين فيه، كما سيدفع بالترافق معه إلى احتدام الصراعات بين الأطراف الإقليمية المتدخلة. ولعل من تجلياته التحرش الإيراني بإسرائيل منتصف شباط الماضي، واحتمال صدام تركي إيراني متوقع في محافظة إدلب.
ثالثًا: وبناءً على ما تقدم، فإن المعارضة السورية ليس من خيار أمامها سوى الاعتماد على الذات في مواجهة استحقاقات المرحلة، والدعوة إلى خطاب وطني يلملم أشلاء المجتمع السوري الذي مزقه الصراع. فالوطنية السورية هي المرجع الأول والأخير، وهي أساس النجاح في مواجهة الاحتلال والحفاظ على سورية أرضًا وشعبًا، وعليه فإن المطلوب من المعارضة بشقيها السياسي والعسكري إعادة النظر بأساليب نضالها بما يتلاءم وطابع المرحلة الصعب والمعقد، والعمل على توحيد صفوفها، ونبذ الخلافات في مواجهة هذه الحرب الشرسة لأنها أساس الصمود، والقطع مع القوى التي ارتهنت للطامعين في أرضنا بالأخص منهم الروس والإيرانيون والاستفادة ما أمكن من التضامن الذي تبديه العديد من الجهات الدولية والإنسانية.
تحية لأرواح الشهداء
عاشت سورية حرة وديمقراطية
دمشق في 17/3/2018
الأمانة العامة لإعلان دمشق
للتغيير الوطني الديمواطي