بلاغ

عقدت اللجنة المركزية في اوائل ايار اجتماعاً خصصته لمعالجة الأوضاع السياسية . حين النقاش توقفت عند جملة من الأحداث والتطورات على المستويات الداخلية والعربية والاقليمية والدولية . لعل أهمها : انهيار قوات النظام وحلفائه في اغلب الجبهات ، وعاصفة الحزم ، واتفاق الإطار النووي ، والواقع المأساوي للشعب العراقي جراء الحرب الوحشية المعلنة عليه تحت ستار محاربة داعش ، وحرب القلمون التي يمكن أن تكون لها تداعيات خطيرة على لبنان وعموم المنطقة . وخلصت إلى النتائج التالية :
1 – شهدت الأسابيع الماضية انتصارات استراتيجية للثوار في معظم جبهات القتال وخاصة في جبهتي الشمال والجنوب . هذه الانتصارات احدثت تغييراً كبيراً في موازين القوى على الآرض ، لم تستطع المنابر الاعلامية المشككة انكارها ، بما فيها اعلام النظام . لكن مانلحظه ايضاً خلال هذه المعارك ، الانهيار المتسارع لقوات النظام وحلفائه والذي تجلى بالهروب والاستسلام المذل . فأصبحت قطعاته خارج المعركة يستحيل لملمتها وإعادة ترتيبها، عدا عن الخسائر الفادحة في القتلى والجرحى والأسرى والعتاد . هذا ماشاهدناه في بصرى الحرير وادلب وجسر الشغور .
هذه الانتصارات مهدت لها عوامل كثيرة خلال السنوات الاربع الماضية . أهمها استنزاف قوات النظام ، وانهيار المعنويات في صفوف مقاتليه ، وعجز حلفائه عن ايقافه على قدميه ، رغم الدعم غير المحدود بالمال والسلاح والرجال ، والقناعة بعدم جدوى الاستمرار في ذلك .
ومن العوامل الهامة في تراجع قدرات النظام القتالية ، التهرب من الخدمة العسكرية ، ونضوب المتطوعين من قاعدته الاجتماعية التي باتت لاترى أي أفق لالحاق الهزيمة بالثورة ، متأثرة بالخسائر الكبرى التي لحقت بها .
2 – من المفيد الإشارة إلى أن هذه الانتصارات التي تتحقق على الأرض السورية ، جاءت أيضاً في سياق وضع عربي واقليمي عبرت عنه عاصفة الحزم لمواجهة مخاطر التمدد الايراني ليس في سوريا والعراق ولبنان فحسب ، وانما في عموم المنطقة . فهي وان جاءت رداً على محاولة الانقضاض على الشرعية اليمنية التي رعتها المبادرة الخليجية . فهي من جانب دفاع عن أمن السعودية والخليج ، لكنها من جانب أخر وبفضل انضمام تركيا والعديد من الدول العربية إليها ، مثلت معركة عربية واقليمية لمنع ايران من العبث بالمنطقة ، ووضع حد لغطرستها ، وقطع الطريق عليها من تحقيق مكاسب اقليمية جراء توقيعها اتفاق الإطار النووي مع الدول 5 + 1 على حساب المصلحة العربية .
نالت عاصفة الحزم شرعيتها من الدعم الشعبي ومن الجامعة العربية وتركيا وباكستان ومن مجلس الأمن ذي القرار 2216 ، اضافة إلى تأييد اغلب الدول الاوربية وخاصة فرنسا . فهي بالمحصلة وضعت حداً لحالة الضعف والانقسام العربي ، وأسست لقيام دور عربي فاعل سيؤخذ بالحسبان حين البحث عن حلول لأزمات المنطقة .
كما عبرت عاصفة الحزم عن اعتراض حلفاء أمريكا في المنطقة على سياساتها  وتراخي إدارة اوباما ورهانها على إنجاز الاتفاق النووي واعتبار إيران كطرف يمكن التفاهم معه وتقاسم النفوذ في المنطقة على حساب المصلحة العربية . وباعتقادنا لن تبقى عاصفة الحزم محصورة بالمسألة اليمنية ، لكنها في صميم توجهاتها تسعى لدرء مخاطر التدخل الايراني في مناطق الصراع الأخرى في العراق وسوريا ولبنان ، دفاعاً عن الأمن القومي العربي ، مما سيشكل ضغطاً على المجتمع الدولي للاسراع في ايجاد حلول لأزمات المنطقة ومنها الأزمة السورية .
من النتائج الهامة لعاصفة الحزم على اوضاع الثورة السورية ، تبرز عمليات توحيدالفصائل المقاتلة في تشكيلات عسكرية كبرى ، وبغرف عمليات موحدة في العديد من المناطق ، تشرف عليها قيادة واحدة على المستوى السوري. لقد  شكلت انعطافة هامة في سير المعارك ، وحققت نتائج باهرة سبق أن أشرنا إليها .
جاء اللقاء التشاوري الأول بين ممثلي الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ، وكبرى الفصائل العسكرية المقاتلة على الأرض ، إلى جانب ممثلي المجالس المحلية في المناطق المحررة ، خطوة نوعية على صعيد توحيد القيادة السياسية والعسكرية للثورة ، وأحد ابرز تجليات عاصفة الحزم على الأزمة السورية .
ومن المؤشرات الإيجابية أيضاً لعاصفة الحزم ، أن الولايات المتحدة وروسيا وربما العديد من الدول الأخرى ، أخذت تتراجع عن موقفها تجاه الأزمة السورية باعتبارها أزمة مؤجلة ، وأضحت الآن موضوعة على طاولة البحث . مما يلفت النظر أيضاً التراجع الملحوظ عن اعتبار النظام طرفاً في الحل السياسي ، وهذا ماعبرت عنه تصريحات العديد من المسؤولين الأمريكان . فاستناداً إلى ذلك يكثر الحديث مؤخراً عن مساع جدية لحل الأزمة السورية بدون النظام ، لكنها لم تتبلور بعد حتى الآن .
3 – إن اتفاق الإطار النووي الذي وقعته الدول 5+1 مع ايران في نيسان الماضي ، شكل قلقاً جدياً وعميقاً لدى دول الخليج والدول الاقليمية الأخرى . فقد كانت خلفياته ترمي بالدرجة الأولى لحماية أمن اسرائيل دون اعتبار لأمن الأخرين ، وتقاسم النفوذ في المنطقة بين امريكا وايران على حساب العرب والدول الاقليمية الأخرى . لكن عاصفة الحزم بالشكل الذي عبرت عنه سواءً في اليمن أو على المستوى العربي والاقليمي شكلت اعتراضاً جدياً جعل الولايات المتحدة تسارع لأن تعيد حساباتها حتى في هذا المجال ، على الرغم من أن النتائج النهائية لهذا الاتفاق ومنعكساته السياسية على المنطقة لن تظهر بوضوح إلا بعد الجولة الأخيرة التي ستجري في نهاية حزيران القادم .
منذ انطلاق عاصفة الحزم وحتى الأن ، بدأ يظهر تراجع في مواقف الإدارة الأمريكية حيال الأزمة السورية ، حيث بدأه اوباما في تصريحه المعروف :  ” رغم توقيع اتفاق الإطار النووي مع ايران ، إلا أنه لاتزال هناك ثلاث قضايا عالقة معها هي : دعمها للحوثيين ولحزب الله وللنظام السوري ” ثم تبعه العديد من التصريحات التي تندد بجرائم الأسد وبضرورة الدعوة إلى حل سياسي بمعزل عنه وعن طغمته الحاكمة ، وأهمها تصريح سامنثا باور المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة عن لسان أوباما ” بأن محاربة داعش والقضاء عليها يقتضي رحيل بشار الأسد ”  هذا التراجع الجديد ، جاء نتاج عاصفة الحزم التي غيرت موازين القوى على الأرض ، والتي يمكن أن تدفع دولاً اخرى داعمة للنظام إلى التراجع عن مواقفها .

***                 ***                 ***
إن الظروف الحالية سواء على الجانب الميداني أو السياسي قد تطورت لصالح الثورة. فالمرحلة الآن تتطلب توحيد كافة فعاليات الثورة في الداخل والخارج من أجل طرد الغزاة واسقاط النظام .فاحتمالات تسارع الأحداث تحت تأثير عاصفة الحزم ترشح سوريا لقطف ثمار إيجابية منها – إذا أحسن التقاطها والتفاعل الإيجابي معها – لتنال قسطاً كبيراً من الدعم . من هنا تتطلب المرحلة الحالية ، عملاً جدياً للاستفادة من المناخات الجديدة عربياً وإقليمياً
دمشق  8 / 5 / 2015
تحية لأرواح الشهداء .
عاشت سوريا حرة ديمقراطية

       اللجنة المركزية
لحزب الشعب الديمقراطي السوري