بــلاغ!

  عقدت اللجنة المركزية اجتماعها الدوري أواسط كانون الأول 2019. بدأ الاجتماع بدعوة الرفيق الأمين الأول للوقوف دقيقة صمت تحية لأرواح الرفاق غطفان يونس وعدنان مقداد وأبو ماهر الذين غادرونا مؤخراً. ثم ناقشت جدول أعمالها المتضمن قضايا سياسية وتنظيمية ونشاط الرفاق في المهجر.
ناقشت اللجنة المركزية مشروع مكتب الاعلام الجديد المقدم من الأمانة المركزية وأقرت هيكليته ومهامه. كما أقرت اللائحة الداخلية للجنة المهجر ومهمة الاشراف عليها. وتوقفت بعدها عند تطورات الوضع الداخلي والأزمات التي يعانيها المواطن نتيجة سياسات النظام التدميرية، وانهيار سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية وانعكاس ذلك على حياة الناس ومعيشتهم. كما ناقشت الأوضاع الميدانية والسياسية المتعلقة بالشأن السوري، والنشاطات الدولية والإقليمية التي أعقبت انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من شمال شرق سورية وإعلان سياستها الجديدة فيها بعد أن أعادت تموضع قواتها في مناطق حقول النفط. وتوقفت أيضاً عند الموجة الثانية من ثورات الربيع العربي وخاصة عند الثورتين اللبنانية والعراقية لما لهما من انعكاسات على الثورة والواقع السوري وخلصت إلى النتائج التالية:
1-  ما يزال التلاعب الدولي والإقليمي بمصير سوريا وشعبها مستمر خدمة لأجندات الدول المتصارعة عليها، وجعلها ساحةً لحروب تقاسم النفوذ وتصفية الحسابات على حساب السوريين ووطنهم ومستقبلهم، والضرب عرض الحائط بمصالحهم في السيادة والاستقلال والحرية وبناء دولتهم الحديثة القائمة على المواطنة المتساوية.
2-  لقد ازدادت وتيرة القصف الممنهج وحرب الإبادة من قبل الاحتلال الروسي وميليشيات الأسد على معظم أرياف ادلب وحلب وحماه واللاذقية. حيث يستهدف المدنيون وترتكب المجازر المتنقلة بحقهم، وتُدَمَّر البنى التحتية، ومقومات الحياة عن سابق عمدٍ وإصرار. وقد تم تهجير مئات الألاف من السكان، ولم يلتزم الروس بكل الاتفاقات التي أبرموها مع تركية حول المنطقة، إذ ما زال هدفهم السيطرة على إدلب عبر سياسة القضم التدريجي، غير عابئين بالكارثة الإنسانية التي ستحل بالمنطقة، لأن هدفهم مطابق لهدف النظام وهو إعادة السيطرة على كل الأراضي السورية حتى لو كانت مدمرة وخالية من السكان، يساعدهم في ذلك موقف المجتمع الدولي المتواطئ، وخاصة الموقف الأميركي الذي ربما لا يمانع بعودة هذا المنطقة إلى حضن النظام، واغراق الروس واستنزافهم في الاعمال القذرة التي تعري موقف موسكو وتحط من مكانتها السياسية والأخلاقية.
3-أعلنت تركيا عن هدفين للعملية العسكرية في الشمال الشرقي من سوريا: هما محاربة الإرهاب وتأمين حدودها وإقامة منطقة أمنه لعودة اللاجئين السوريين. لكن هذين الهدفين يخفيان مجموعة أخرى من الأهداف الأمنية والسياسية والاستراتيجية للدولة التركية أهمها: زيادة حصتها من الكعكة السورية من أجل زيادة نفوذها وتأثيرها في الصراع داخل سورية، وتكبير دورها في الحل السياسي، والقضاء نهائيًا على مشروع كانتون الميليشيا الكردية pyd)) في الشمال السوري، وإضعافها كورقة ضاغطة بيد خصوم تركيا؛ وكذلك من أجل تحسين شعبية أردوغان المتراجعة ودعم وضعه السياسي في الداخل التركي أمام خصومه السياسيين، وفي ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية.
4-يؤشر توجه أميركا الجديد بإعادة تموضع قواتها في المنطقة الشرقية حول حقول النفط والغاز، إلى مواصلتها فرض الحصار والعقوبات على نظام الأسد وحرمانه هو والروس من عوائدها المالية؛ بالإضافة إلى رفضها تمرير الحل السياسي الروسي في سوريا. وهذا يجعل سعي الروس الحثيث وراء اجتماعات اللجنة الدستورية وكأنه بلا قيمة، وكذلك يؤشر هذا إلا إلى عدم نضوج الحل السياسي الدولي للقضية السورية وأن التوافق عليه مازال بعيداً. وفي نفس السياق يأتي تمرير قانون سيزر في مجلس النواب الأمريكي وما يمكن أن يحمله من عقوبات صارمة .
5-يعيش النظام حالة من الاهتراء والتمزق في صفوفه، وحواضنه السياسية والاجتماعية. تتواصل هذه الحالة إلى المزيد من التدهور في ظل حالةٍ من الإفلاس شبه الكامل، وتخبط النظام في إيجاد مخارج لأزماته المزمنة. فتتصاعد الصراعات الدائرة بين مراكز القوى وزعماء الميليشيات المحسوبة عليه وخاصة في الساحل السوري، بالتزامن مع انهيار الليرة السورية المتسارع أمام العملات الأجنبية، وقد وصلت إلى حدود 1000 ليرة سوريا للدولار الأمريكي، على الرغم من الإجراءات التي اتخذها النظام لإنقاذها، وحملته الإعلامية التي شنها هو وحلفائه حول قدرته على احتواء الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد. انعكس تهاوي الليرة بشكل مباشر على أسعار جميع المنتجات والسلع في السوق، وباتت تتغير يومياً، تبعا لتغيّر سعر الصرف. في هذا الجو يسود نوع من الشلل العام لحركة السوق، ويعاني التجار وأصحاب المحال التجارية من حالة جمود في الأسواق بسبب الغلاء الجنوني وفوضى التسعير، وانخفاض القدرة الشرائية لدى أكثرية المواطنين واقتصارهم على تأمينهم الضروريات الملحة. ويقف السوريون عاجزين عن تلبية الحد الأدنى من مستلزمات العيش أمام نسبة بطالة تصل إلى 50%. و83% منهم تحت خط الفقر. في ظل هذه الأوضاع يتعذر معرفة حدود انهيار الليرة أمام الدولار، وبغض النظر عن إمكانيات النظام المؤقتة في تثبيت سعر الصرف عند نقطة معينة، إلا أن مؤشرات الواقع المعيشي للسوريين باتت خارج قدرة الناس على التحمل أكثر. وهذا ما ينذر بتداعيات اجتماعية مأسوية إن لم نقل كارثية، في ظل إصرار النظام على تدمير حياة السوريين، ومستقبل أبنائهم ورهن البلاد لقوى الاحتلال كي يستمر في السلطة.
6-تتفاعل ثورات الربيع العربي في موجتها الثانية بعمق وعلى نحو جدلي لافت، وتستعيد الثورة السورية حضورها ليس فقط في محيطها في  ثورتي العراق ولبنان ، بل في مختلف الساحات الثائرة من الجزائر والسودان إلى إيران، وأصبح كل حراك شعبي وباللاشعور الجمعي فيه محاكاة للواقع السوري مستفيداً من تنوع مراحلها وغنى مخاضاتها، ومتجاوزاً عثراتها واخفاقاتها، كما ستنعكس نتائج هذه الثورات ايجاباً على مستقبل الثورة السورية ونصرتها بتحطيم الحواجز الطائفية والمذهبية وسحب هذا السلاح من أيدي الطغاة والقوى الخارجية سواءً بسواءً ويفتح الطريق أمام استعادة الشعب السوري وحدته الوطنية، وتفعيل دور مجتمعه المدني، والمضي قدماً على طريق إحياء أهداف الثورة ومواصلة الكفاح لتحقيقها.
دمشق أواسط كانون الأول 2019
                                                                                                  اللجنة المركزية
                                                                                        لحزب الشعب الديمقراطي السوري