عقدت اللجنة المركزية اجتماعها الدوري أواخر شباط 2019. بدأ الاجتماع بدعوة الرفيق الأمين الأول للوقوف دقيقة صمت تحية وفاء وتقدير لذكرى الرفيقين الراحلين عبد الله هوشه ويعقوب جرجس. ثم ناقشت اللجنة المركزية جدول أعمالها المتضمن قضايا تنظيمية ونشاط الرفاق في المهجر، وتوقفت بعدها عند التطورات الميدانية والسياسية المتعلقة بالشأن السوري، والنشاطات الدولية والإقليمية التي أعقبت قرار ترامب بسحب القوات العسكرية الأميركية من سوريا. كما توقفت أيضاً عند الأوضاع العربية الساخنة، وعالجت الوضعين الإقليمي والدولي، وكذلك تطورات الأوضاع الداخلية وخلصت إلى النتائج التالية:
1- تشهد البلاد تطورات ميدانية وسياسية متسارعة وخطيرة، تدلل على أننا دخلنا مرحلة جديدة مختلفة كلياً، ومفتوحة على كلّ الاحتمالات من الصراع الدولي والإقليمي في سورية وعليها، وأصبحت بموجبها الأزمة السورية بالغة التعقيد والتشابك بسبب تضارب المصالح الدولية والإقليمية، وأصبح هذا الصراع يفرز وسيفرز مزيداً من الاحتدام بين الدول المتدخلة، وإن قرار ترامب بالانسحاب العسكري من سوريا قد خلق حالة من الإرباك شملت جميع الأطراف المنخرطة في المسألة السورية، ودفعتها لإعادة حساباتها، خوفاً من ضياع مكتسباتها وأخرى بانتظار الوصول إليها، ذلك أن الصراع الدائر في سوريا بكامل تعقيداته وتعدد أطرافه الخارجية والداخلية، ما زال مفتوحًا ومستمراً، بكل الأشكال، ومن الصعب التكهن بمآلاته. وليس هنالك من طرف يستطيع الادعاء، بأنه منتصر في سوريا، أو أنه يستطيع فرض أجنداته ونفوذه. كما سيكون له الأثر الكبير في تحديد المسارات وتموضع اللاعبين، مما يعمق التناقضات بين أطراف استانا.
إن أكثر الأسئلة حضوراً بعد قرار الانسحاب، يتعلق بملء الفراغ الذي سيحدثه والطرف الذي يستطيع تحمل أعبائه. يجري الحديث مؤخراً عن بقاء قوة رمزية من القوات الأميركية مدعمة بقوات من التحالف الدولي. لكن من المرجح أن يكون لتركيا دور فاعل في ذلك. يبدو أن واشنطن وأنقره تتفقان على منع إيران والنظام من ملء الفراغ الأميركي، لكنهما تختلفان حول الجهة الأنسب لملء هذا الفراغ. فواشنطن تريد أن يكون لميليشيات ” قسد” و”وحدات حماية الشعب الكردية” الدور الرئيسي في المنطقة بينما تصر أنقرة على تفكيك “الوحدات” وتصفيتهم وإخراجهم من المنطقة.
يرى أغلب المحللين إن قرار الانسحاب الآن يعزز النفوذ الروسي في سوريا، ويضعف دور الولايات المتحدة في التسويات السياسية القادمة، وسيخلّ بميزان القوى القائمة على الأرض؛ ويجعل الروس في موقع الصانع الأكبر للقرارات وإدارة الأزمة، وسيمكّن إيران من تعزيز نفوذها وتوسيعه في المنطقة، وهذا يتعارض مع سياسة ترامب نفسه التي جعلت من احتواء إيران أولويةً قصوى لاستراتيجيتها في المنطقة، ومنها سورية.
إن الشعب السوري الذي حق له أن يبتهج بالخلاص من أحد الاحتلالات فهو يتساءل بقلق: عن مصير العملية السياسية ومستقبل الحل السياسي الذي تراجع إلى الخلف بعد قرار الانسحاب، ولم يعد يسمع عنه شيئاً وحتى عن تشكيل ” اللجنة الدستورية” التي كان من المفترض أن تباشر عملها نهاية العام الماضي، وهذا يدلل أنه لا حلاً سياسياً يلوح في الآفق للأزمة السورية.
2-منذ اتفاق سوتشي حول ادلب، ورغم الخروقات المحدودة من قبل الروس واليومية من قبل النظام والميليشيات الإيرانية، لكنها أصبحت منطقة تهدئة قد تطول بعض الوقت، كما تحولت إلى منطقة لتبادل الرسائل النارية بين أطراف استانا-سوتشي. يبدو أن هناك تفاهماً بين الأطراف الدولية على تجنيبها الكارثة ريثما تتبلور معادلات جديدة تؤدي إلى مقاربات للازمة السورية. وهذا يعني أن لا حسماً عسكرياً في ادلب ولا حلول سياسية في المدى المنظور، وإنما إطالة لأمد الازمة.
بعد أن فرضت” هيئة تحرير الشام” سيطرتها ونفوذها على 75% من محافظة ادلب وقسم كبير من ريف حماه الشمالي وريف حلب الغربي، أثارت أسئلة واتهامات كثيرة طالت الموقف التركي، إلا ان الأكثر غرابة هو صمت واشنطن وكذلك موسكو وطهران، لكننا نجده يتلاقى مع المصلحة التركية ومترابطاً مع أهدافها الجيو-سياسية والعسكرية في الشمال السوري، وهي تصفية حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري pyd، وإقامة منطقة أمنة على امتداد الحدود السورية-التركية. رغم الموافقة الأميركية على المنطقة الآمنة لكن هناك خلافات معها حول طول وعمق هذه المنطقة. كما فشل أردوغان في اقناع روسيا بها، وعرضت عليه بديلاً عنها وهو تفعيل أتفاق أضنه، بهدف تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام، وتسمح هذه الاتفاقية للأتراك بالتقدم 5كم داخل الأراضي السورية وبالتالي إقامة هذه المنطقة ضمن هذه الحدود.
3-تسود مناطق سيطرة النظام حالة من التدهور الأمني الظاهر للعيان، وهي تعكس صراعات مراكز القوى والشبيحة وأجهزة المخابرات والميليشيات والاقتتال على الغنائم في عدة مناطق وخاصة في ريف دير الزور بين الميليشيات الإيرانية وميليشيا الدفاع الوطني. لكن الصراع الأهم هو بين مراكز القوى الموالية لإيران من جهة والقوى الموالية للروس من جهة أخرى، حيث الاغتيالات والتصفيات والتفجيرات في دمشق واللاذقية، والمواجهات المسلحة، كما جرى ويجري بين الفرقة الرابعة الموالية لإيران والفيلق الخامس الموالي للروس، حيث قتل من الطرفين في معارك حماة العشرات ومئات الجرحى وامتد القتال إلى سهل الغاب. ويعمل الروس على إعادة بناء الجيش وأجهزة المخابرات بما يخدم أجندتهم في سوريا، وتصفية القوى الموالية لإيران، حيث تمت إزاحة عدد من كبار ضباط هيئة الأركان، واعتقال العديد الضباط، كما يصر الروس على حل الفرقة الرابعة لضلوعها بالتعفيش الممنهج لممتلكات المواطنين وتشكيل بعض قادتها عصابات للسرقة والسطو والخطف والقتل من أجل المال.
تسود البلاد حالة من فوضى والفلتان الأمني، تقودهما ميليشيا وعصابات تحتمي بالنظام، تمارس جرائم القتل والسرقات والاغتصاب والاختطاف. وتلحظ حالة من التململ والامتعاض تجتاح الطائفة العلوية، لاسيما في الساحل السوري. وترتفع أصوات الاحتجاج المعترضة على الأوضاع المعيشية، وحال الطائفة المتردي مقابل الامتيازات التي يتمتع بها رجالات النظام المقربين.
كما تشهد البلاد منذ انطلاق الثورة، حالة مستمرة من التدهور والانحدار المتواصل على كافة الصعد الاقتصادية والاجتماعية والمعاشية. فكل المؤشرات الاقتصادية تدهورت عاماً بعد عام، أي أن الاتجاه الانحداري الشديد مستمر، وبالتالي تنعدم مقومات الاقتصاد الحقيقي، بينما ينمو الاقتصاد الجرمي واقتصاد الظل وأمراء الحرب والسرقة والرشوة والتهريب وتزوير الوثائق وتجارتها والابتزاز والاحتكار والدعارة والسطو المسلح والاختطاف وصناعة المخدرات والاتجار بها.
لكن الكارثة الأكبر في الصراع السوري، هي تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين وتفاقم معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة وصلت إلى أكثر من 86%من اجمالي عدد السكان، واضمحلال الطبقة الوسطى، وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات تجاوزت 1000%، وانخفاض معدلات الدخل والتي صنفت الأسوأ عالمياً 458$ في السنة، وكذلك غلاء الأسعار بسبب تدهور قيمة الليرة السورية وقدرتها الشرائية، واستمر سعر صرف الليرة السورية في التدهور مع بداية عام 2019 إلى ما يتجاوز الـ 500 ليرة، ويُتوقع أن تتدهور قيمتها بشكلٍ كبير. بينما بقيت الأجور في مستواها دون قدرة على زيادتها، بل بدأ النظام يقلص دعمه للسلع ويرفع من أسعار الوقود والطاقة. بالإضافة إلى السياسات الاقتصادية المجحفة من قبل النظام والتي أدت مؤخراً إلى انعدام مقومات الحياة البسيطة، حيث الأزمة على رغيف الخبز ويباع بأسعار مضاعفة، وفقدان حليب الأطفال وانقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 16 ساعة يومياً وانعدام وسائل التدفئة ووصل سعر ليتر المازوت في السوق السوداء إلى 700 ل.س، واسطوانة الغاز المنزلي بين 8 إلى 10 آلاف ليرة سورية واحياناً بـ 12 ألف ليرة. أدت هذه الأوضاع الكارثية إلى رفع صوت الاحتجاجات الشعبية عالياً وانتشارها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ضد النظام، وخصوصاً من قبل المؤيدين في مناطق سيطرته بسبب ضنك العيش، ويشارك في حملة الانتقاد فنانون واعلاميون وغيرهم. فيوجهون انتقادات حادة للحكومة والوزراء الذين لا يملكون من أمرهم شيئاً بل ينتظرون توجيهات أجهزة المخابرات وأوامر القصر، كما وجهت رسائل إلى ” قائد الوطن” مستغيثة في إشارة غير مباشرة إلى مسؤوليته وعجزه عن تلبية مطالب الناس التي لا تزيد عن تأمين المازوت والغاز والكهرباء ورغيف الخبز والدواء وحليب الأطفال وضبط الأسعار وزيادة الرواتب، وغيرها من مستلزمات مقومات الحياة. فبعد أن تراجعت رقعة الحرب، بدأ يظهر بشكل جلي أمام الناس انسداد الأفق بالسلام والاستقرار وفرص العمل والإنتاج والرخاء بسبب نهج النظام الذي يرفض تقديم أي تنازل، فالسلطة الكاملة أولاً أو لا شيء، ويرفض الاعتراف بأنّه أفلس ولا أمل في إعادة تأهيله، وهذا ما جعل بشار في خطابه الأخير متوتراً وفي حالة من الهذيان لأنه يشعر أن سلطته مهددة أكثر من أي وقت مضى، وأن الرهان على إيران أحيانا وعلى روسيا في أحيان أخرى لن يفيده في شيء. فالأزمة مستمرة بل ستزداد تفاقماً. فبدون حلٍ سياسي وفق قرارات الشرعية الدولية لا علاج للكارثة السورية.
دمشق أواخر شياط 2019
اللجنة المركزية
لحزب الشعب الديمقراطي السوري