بــلاغ!

عقدت اللجنة المركزية اجتماعها الدوري أوائل تشرين الأول 2018. ناقشت فيه قضايا تنظيمية ونشاط الرفاق في المهجر، وتوقفت بعدها عند التطورات الميدانية والسياسية المتعلقة بالشأن السوري، والتي ترتبط على نحو مباشر بالصراع الدولي والإقليمي في سوريا وعليها، وبتفاهمات دولية أخذت تنعكس على أوضاع المنطقة وخاصة على الأزمة السورية، وتلك التي تنحصر بين موسكو وواشنطن ومن خلفهما إسرائيل. وتتلخص مضامينها في تصفية الثورة السورية، ومن ثم إخراج إيران من سوريا. ومحاولات الروس المستميتة من أجل إعادة تأهيل الأسد ونظامه. كما توقفت أيضاً عند الوضع الإقليمي الإيراني والتركي، والوضع العراقي واللبناني وخلصت إلى النتائج التالية:
1-بعد قرع طبول الحرب من قبل النظام وحلفائه الروس، فقد أثمرت التحذيرات والضغوط الدولية الكبيرة من جهة، وصلابه الموقف التركي، وقوة وزخم التظاهرات الشعبية في الشمال من جهة أخرى، في وقف الاندفاع الروسي للعدوان على إدلب واجتياحها. حيث عقدت قمة في سوتشي بين بوتين وأردوغان، وأسفرت عن اتفاق لتسوية ملف إدلب. تضمن إقامة منطقة آمنة، ونزع السلاح الثقيل منها، ومحاربة المنظمات الإرهابية ضمن برنامج زمني متفق عليه، وبهذا الاتفاق يمكن القول: إن شبح الكارثة الإنسانية، قد أُبعد عن إدلب لكن احتمالات الانفجار تبقى قائمة.
من اللافت والذي يبعث على الأمل، هذا الانبثاق الجديد لروح الثورة والتمسك بأهدافها، وخروج مظاهرات واسعة يشارك فيها مئات الآلاف، في مدن وبلدات إدلب وريفي حلب الشمالي وحماة تنديدا بالاحتلال الروسي ودعوة للصمود وراء أهداف الثورة. أكّد فيها المتظاهرون تضامنهم الكامل مع إدلب وريفها أمام التهديدات التي يبثها النظام وحلفاؤه حول اقتحام المنطقة وتهجير سكانها. رفع المتظاهرون أعلام الثورة السورية إلى جانب شعارات أخرى تؤكد على استمرار ثورتهم حتى تحقيق مطالبها بإسقاط النظام ونيل الحرية والكرامة، وشددوا على استمرارهم بالتمسك بمطالبهم، وحملوا لافتات كُتب عليها «خيارنا المقاومة» في إشارة إلى استعدادهم لمواجهة أي حملة عسكرية محتملة من النظام وحلفائه، وأخرى تقول ” هيئة المفاوضات لا تمثلنا ” في إشارة واضحة إلى عدم الثقة بها كأشخاص وممارسات. وكان من اللافت أيضاً أن هذه التحركات أصبحت محط الأنظار دولياً وإقليمياً حيث استشهد المندوب الفرنسي في مجلس الأمن بهذه المظاهرات حين قال: إن الناس في إدلب ليسوا إرهابيين، إنما هم مناضلون من أجل الحرية. من هنا يجب التأكيد على ضرورة حماية هذا الحراك واستمراره وتقديم كل أشكال الدعم والمساندة له.
2-لقد أدى تخاذل بعض قادة الفصائل في الجنوب السوري، وغياب أية ضغوط أميركية أو أوروبية أو تركية أو عربية لوقف الحملة العسكرية الروسية أو لجمها، إلى استسلام الفصائل المسلحة، التي وافقت على شروط موسكو لما سميَّ بـ” المصالحات”.
صحيح أن المعركة كانت تبدو محسومة لغير صالح الفصائل بحكم التفاهمات والاتفاقات بين روسية وإسرائيل والولايات المتحدة والأردن على إنهاء وضع الجنوب وتسليمه للروس والنظام، لكن ما جرى كان بمثابة تسديد ثمن ارتهان هذه الفصائل للقوى الإقليمية والدولية، وأيضاً ثمناً لخلافاتها ونزاعاتها وانقساماتها واقتتالها واختراقها بالضفادع، وكذلك فساد بعض قادتها وتخاذلهم وانعدام إرادة القتال لديهم، وتقاعسهم عن مناصرة الجبهات الأخرى عند الحاجة لذلك.
3- بقيت محافظة السويداء طرفاً بعيداً عن عقدة الصراع الدائرة خلال السنوات السبع الماضية. فقد رفضت أن تكون طرفاً إلى جانب النظام في هذه الحرب سواء طائفياً أو عسكرياً، كما رفضت أن ترسل أبناءها ليقاتلوا مع قوات الأسد. فاعتبرها النظام محافظة متمردة عليه. الأمر الذي جعلها اليوم في دائرة استهدافاته وضمن أولوياته لتكون ساحة معركة مع المجموعات الإرهابية المتطرفة والمصنعة مخابراتياً كداعش، لإثارة نزاع مذهبي وطائفي، يصعب معرفة نتائجه الخطيرة مالم يتوحد أهالي السويداء خلف موقفٍ وطني حاسم، يحبطون من خلاله خطط النظام لاستدراج المحافظة واستدراجهم إلى قائمة المتناحرين أو للاصطفاف خلفه .
لقد رفض أهل السويداء التهديدات الروسية ومشاريع النظام، وهم مصرّون على أن لا يكونوا أداة لقتل إخوانهم السوريين، وهو الموقف الوطني الذي عرف به أبناء الجبل ورسخوه عبر تاريخهم، والآن يحمله شيوخ الكرامة والقوى الوطنية هناك. وهم يعرفون الثمن الباهظ لذلك.
وتشير التطورات الأخيرة بوضوح إلى مخطط النظام بإحداث فتنة كبرى في المدينة ، كي يستطيع من خلالها عزل المعتصمين من أهالي المخطوفين وشيوخ الكرامة عن مجتمع السويداء والصاق تهمة الإرهاب بهم.
أصدر شيوخ الكرامة بياناً، هاجموا فيه النظام وتخاذله في ملف المختطفات. وحملوه المسؤولية عن هجوم “داعش” على المدينة في تموز الماضي. وقد جاء فيه: “ونحمله كامل المسؤولية عن مصير المختطفين ” ، وأننا “سنبذل كل الجهود لتحريرهم، حتى لو كانت حرباً مفتوحة مع أي جهة كانت.”
4- هناك محاولات دولية لاختصار القضية السورية إلى مجرد دستور وانتخابات. وما يجري من مشاورات لتشكيل “لجنة دستورية” ما هو في الحقيقة إلا خلط للأوراق بهدف التهرب من تطبيق بيان جنيف1 لعام 2012، ونسف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. فقضية شعبنا ليست موضوع دستور أو لجنة دستورية أو انتخابات، بل هي في شكل الحكم أي في الانتقال السياسي من نظام مستبد ودموي وفاسد إلى نظام وطني ديمقراطي قائم على الحرية والكرامة والمواطنة والعدالة. فوضع الدستور الجديد وإجراء الانتخابات من مندرجات المرحلة الانتقالية، تتم بعد تشكيل هيئة الحكم الانتقالي وبإشرافها. ومن الواضح أن ما يجري تحت هذا العنوان ” اللجنة الدستورية ” ما هو إلا حرف للعملية السياسية عن مسارها الصحيح، وتثمير للسياسة الروسية التي تعمل على تأمين مصالحها الإقليمية والاستراتيجية الدولية عبر محاولة إعادة تأهيل النظام.
5- بعد قمة هلسنكي بين بوتين وترامب ، بدأت موسكو الحديث عن مبادرة لإعادة اللاجئين السوريين، واقتراحات لإعادة الإعمار، لكنها تحرص على إعادة اللاجئين دون أي اعتبارات سياسية أو ضمانات أمنية وحقوقية، وتحويلها إلى مجرد قضية إنسانية يجب معالجتها. فالهدف الروسي من وراء ذلك هو تجاوز ملف الانتقال السياسي وإنهاؤه، وإعادة الشرعية للأسد ونظامه دولياً، وكضرورة اقتصادية للحصول على الموارد اللازمة لاستمراره، وتغطية تكاليف احتلاله لسورية. لكن مبادرتها لم تلق استجابة من الجانب الأميركي والغربي عموماً، بل قوبلت أيضاً بالصدّ من قبل السوريين مما أجبرها على تجاوزها، واتهام المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة بعرقلتها.
تعتقد روسيا أنها فعلاً قادرة بمفردها على فرض النهاية للقضية السورية، وأن الجميع سوف يخضع لابتزازها ويسارع إلى المساهمة في إعادة إعمار سوريا وعودة المهجرين. وهذا يعني أنها تتعامى عن حقيقة هذه القضية. لكن الرد الحاسم جاء من الولايات المتحدة الأميركية الذي أبلغه بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي إلى الروس في جنيف حيث قال: إن إعمار سورية هو أولاً مسؤولية من دمّرها، وإن الولايات المتحدة لن تساهم في إعادة الإعمار قبل الخروج الإيراني من سوريا وإنجاز الحل السياسي، وهو لن يكون في موسكو أو واشنطن بل في جنيف ووفق قرار مجلس الأمن 2254. وكذلك فعل العديد من الدول الأوروبية.
أما نظام الأسد فلا رغبة لديه مطلقاً في عودة المهجرين. فسياسته الثابتة، منذ سيطرته على السلطة 1970، هي القتل والاعتقال والتهجير، وكلام المجرم جميل حسن رئيس فرع المخابرات الجوية عن أكثر من 3 ملايين ملف لمطلوبين سوريين داخليا وخارجيا جاهزة. ” فسوريا بـ 10 ملايين صادق مطيع للقيادة أفضل من سوريا بـ 30 مليون مخرب”. ووصف التعامل مع اللاجئين حال عودتهم كما التعامل مع الأغنام؛ حيث سيتم تصفية “التالف” منها، واستخدام الصالح منها، أما المطلوبون منهم سيتم التعامل معهم مباشرة بتهمة “الإرهاب”. هذا رسالة واضحة لكل من يفكر بالعودة إلى الوطن في ظل هذه الظروف.
6- يحتدم الصراع في سورية وعليها وينتقل إلى مرحلة جديدة من تصفية الحروب السورية، ويتم التركيز وخاصة من قبل الولايات المتحدة الأميركية على القضاء على داعش واخراج إيران وميليشياتها من سورية، وهذه رغبة إسرائيل التي دخلت على خط الصراع بشكل مباشر سواءً بمشاركتها بالتفاهمات التي طبقت في الجنوب السوري أو عبر الهجمات المتكررة على القواعد الإيرانية في سوريا وهذا يتكامل مع التوجه الجديد للولايات المتحدة الأميركية.
وفي ضوء المؤشرات والمتغيرات المتلاحقة، ولا سيما بعد لقاء هلسنكي والتي تم فيها التركيز على حماية أمن إسرائيل، وبحث الوجود الإيراني في سوريا. رغم أن هذا الوجود مفيد للجانب الروسي في مناورته السياسية مع الولايات المتحدة الأميركية التي تحتل الشرق السوري. نعتقد أن الدور الإيراني في سوريا سوف يتضاءل إلى حدٍ كبير، مقابل بروز أقوى للدور الروسي لكن دون تفويض لها بإنجاز حل سياسي. فالوجود الأميركي-الغربي كما هو معلن سيبقى حتى هزيمة “داعش” ومنع عودة التنظيم شمال شرقي سوريا، وإخراج إيران من سوريا، والعمل مع موسكو بالحوار والضغط للوصول إلى حل سياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254. وهذا ما عبرت عنه الوثيقة الصادرة عن اجتماع اللجنة المصغرة، وهناك مقترحات خطية لخبراء اميركيين بينهم المبعوث الجديد إلى سورية جيمس جيفري، تتضمن إقامة حظر جوي وبري شرق سوريا لتحقيق هذه الأهداف. لكن موسكو لا تزال تسير في مسارات أخرى خارج مسار جنيف. هذه الأوضاع ستبقى مناطق النفود مستمرة. أما مصير بشار فسيبقى يستخدم كورقة في اللعبة الدولية إلى أن يتم إنضاج حل دولي للقضية السورية. لكن من المستحيل استمرار هذا النظام لثقل ملفات اجرامه الموثقة وسلوكه الطائفي الذي لن يكون عامل توحيد للبلد حتى ولو في الحدود الدنيا. وهذا سيؤدي على الأرجح إلى التخلص من بشار بتوافق دولي إقليمي في وقت ما، وهذا ما عبر عنه مؤخراً كلاً من الرئيس الفرنسي وبولتون مستشار الأمن القومي الأميركي، عندما تحدثا عن استحالة بقاء الأسد في السلطة.
7- بعد سبع سنوات ونيف من عمر الثورة ، بتنا ندرك جميعاً أنها سلكت طريقاً مليئاً بالصعاب، ولم نكن ندرك حجم وضخامة الممانعة الإقليمية والدولية للتغيير في سوريا والمنطقة، وأن هذا الطريق لم يؤد في النهاية إلى نجاح الثورة واسقاط النظام. إذن نحن بحاجة ماسة للبحث في الأسباب التي أدت إلى هذا الفشل، وإعادة النظر في كثير من المسلمات، وأصبح الناس بحاجة للمزيد من التوضيحات وعلينا أن نتقبل النقد والمساءلة وأن نجدد أفكارنا وقوانا وعلاقاتنا وتحالفاتنا، وأن نعيد النظر بأدواتنا وأساليب عملنا بعد أن خسرنا جولة من جولات هذه المعركة التاريخية. فالمطلوب من قوى الثورة ( وضمناً منا ) رسم خارطة طريق جديدة تأخذ بالاعتبار تجاوز الأخطاء والعثرات وخصوصاً القاتلة منها، وترتيب الأولويات التي تساعدنا في تكثيف الجهود للخلاص من الواقع القائم وانتشال سوريا من أزمتها عبر خطاب سياسي وطني جامع يوحد السوريين بكل أطيافهم، والانطلاق من جديد نحو هدفنا المركزي وهو اسقاط النظام والخلاص من الاستبداد والظفر بمعركة الحرية والكرامة.
دمشق أوائل تشرين الأول 2018
اللجنة المركزية
لحزب الشعب الديمقراطي السوري