عقدت اللجنة المركزية اجتماعها الدوري أوائل هذا الشهر. ناقشت فيه قضايا تنظيمية ونشاط الرفاق في المهجر، وتوقفت بعدها عند التطورات الميدانية والسياسية والنشاطات الدولية والإقليمية التي أعقبت ” الانتصار على داعش”. وخلصت إلى النتائج التالية:
1-تشهد الأوضاع السورية تطورات ميدانية وسياسية متسارعة. لعل طابعها الأبرز هو تصاعد حدة الصراع والتناقضات بين الدول المتدخلة بالشأن السوري، بحيث أصبحت صراعات المصالح والنفوذ أكثر وضوحاً، مع استمرار إصرار كل طرف على استكمال أجندته وفرض رؤيته للحل طالما لم تتبلور بعد تفاهمات لحلول متفق عليها، في ظل استمرار ضبابية المواقف الأميركية وتزايد حدة تناقضاتها مع الروس.
2-اللافت مؤخراً، أن المواقف الأميركية الضبابية بدأت تتوضح أكثر فأكثر، وهناك لهجة جديدة للإدارة تحمل الكثير من الحزم مرفقاً بشيء من التحذير والتهديد تجاه روسيا وإيران، ربما جاء هذا التطور على خلفية رفض جدي لمواقف موسكو وتصريحات مسؤوليها سواء لجهة سعيها لفرض حل سياسي منفرد يحقق مصالحهاعبر سوتشي ، أو لجهة مطالبة الأمريكان بالانسحاب من سوريا باعتبار أن وجودهم غير شرعي.
فالمواقف الجديدة تؤكد أن المعركة ضد داعش لم تنتهِ وهي مستمرة ومنفصلة عن دور الفصائل المسلحة المعتدلة التي تسعى موسكو لضربها تحت ستار مكافحة الإرهاب. كما تساوي بين داعش والقاعدة ونظام الأسد. وتؤكد رفضها لمخرجات أستانا وسوتشي وأنها لن تعترف بها لأن الحل يمر عبر مسار جنيف التفاوضي وعلى أساس انتقال سياسي حقيقي وفقاً للقرار الدولي 2254، وربط إعادة الاعمار بالانتقال السياسي، كما أن وجودها العسكري سيكون طويل الأمد. وأخيراً أنها لن تتسامح مطلقاً مع الوجود الإيراني في سورية مذكرةً الروس بتعهداتهم بتقليص نفوذ إيران تلبيةً للمطالب الإسرائيلية. كما أكدت على تأمين عودة طوعية وآمنة للمهجرين والنازحين. وأن تكون سوريا خالية من أسلحة الدمار الشامل، في إشارة لعدم التزام الروس باتفاقية 2013، التي جردت النظام السوري من السلاح الكيماوي.
لم تقتصر عودة الأمريكان القوية للملف السوري بإعلان تيرلسون شخصياً لهذه الاستراتيجية الجديدة، بل تعدتها إلى عقد مؤتمر دولي في باريس لمحاسبة مرتكبي جرائم الكيماوي في سورية، وإلى تشكيل مجموعة اتصال من الدول الخمسة (الولايات المتحدة وفرنسا وانكلترا والسعودية والأردن)، وإصدار وثيقة (اللاورقة) التي تحدد رؤيتها لتنفيذ القرار 2254، ووضعتها في عهدة الأمم المتحدة.
نحن إذ نرى تطوراً ايجابياً في المواقف الأمريكية الجديدة ، نأمل أن تترجم هذه المرة إلى أفعال ملموسة على الأرض , تساهم في دفع العملية السياسية إلى الأمام على أساس بيان جنيف 1 والقرارات الدولية 2118 و2254 .
3- تحت ضغط جمهور الثورة وفعاليتها الثورية والمدنية والسياسية، ومواقف دولية داعمة، اتخذت هيئة رياض2 موقفها الرافض حضور مؤتمر سوتشي، التي سعت موسكو عبره لإعلان هزيمة الثورة، وأن الصراع في سورية ليس بين ثورة ونظام مستبد وفاسد  ومتوحش، بل هو صراع بين مكونات الشعب السوري على قضايا الدستور والانتخابات. وهذا يعني تبرئة نظام الأسد من كل الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري وهي مقدمة لإعادة تأهيله. يمكن القول إن المؤتمر فشل في تحقيق أوهام بوتين من خلاله التأكيد على دور روسيا المتفرّد بالملف السوري، وأن الحل السياسي بيدها. لكن ما زالت هناك مخاطر من الضغط الروسي على الأمم المتحدة وديمستورا من أجل استغلال مخرجات سوتشي وتوظيفها للتأثير لاحقاً في مسار جنيف.
4- جاء التدخل العسكري التركي في مدينة عفرين، التي تسيطر عليها ميليشيا pyd ، كي تحوز تركيا على مناطق نفوذ تتساوى فيها مع الأطراف الأخرى المتدخلة في الشأن السوري، وبالتالي تضمن مصالحها وحماية أمنها القومي. من هنا فإن معركة عفرين لا علاقة لها بسورية والسوريين ولا بصراعهم مع النظام والمحتلين، بل هي بنت المصلحة التركية، وتعبير عن قلقها الجدي إزاء المخاطر التي تحيط بها.
5-تمر قوى الثورة والمعارضة السورية بأصعب حالاتها. فهي اليوم تقف على مفترق طرق في ظل تسارع التطورات السياسية والعسكرية العاصفة والتي تضعها أمام تحديات مصيرية. من هنا يجب الحفاظ على دورها السياسي وتفعيل أدائها. بوابة هذا الدور تبدأ بإجراء مراجعة شاملة لمسيرة الثورة والقوى الفاعلة فيها، وكذلك مواقفها السياسية، عبر قراءة شفافة ودقيقة لمجريات الأمور والاعتراف بالأخطاء، والتأكيد على أهمية العمل السياسي وأفضليته لإظهار أهمية الثورة وموجباتها الحتمية. مطلوب طرح المسألة السورية كقضية وطنية لإنقاذ البلاد من الاحتلالات والمتدخلين، والخروج من لعبة الدول وأجنداتها، وأن تحافظ على قرارها الوطني المستقل، وإبقاء الرهان على استنهاض الشارع بوجهه المدني والثوري. مطلوب أيضاً تنظيم مقاومة شعبية وسياسية طويلة الأمد تحت قيادة سياسية موحدة، وحشد الطاقات العسكرية خلفها لمقاومة المحتلين. وهذا يتطلب إعادة صياغة الخطاب الوطني ليصبح أكثر وضوحاً، وإعادة الصلة بالمجتمع لاستعادة ثقته وطرح الحلول الممكنة التحقيق. وتشكيل أوسع تيار سياسي يجمع شمل السوريين من خلال مؤتمر وطني شامل يقطع الطريق على دعاة سوتشي، وأن تنصب الجهود للعمل على اسقاطه، في رسالة واضحة للداخل والخارج بأن هذا الشعب مازال ممسكاً بقضيته ولن يسمح لأحد بالتلاعب بمصيره.
دمشق أوائل شباط 2018
اللجنة المركزية
لحزب الشعب الديمقراطي السوري