عندما غادر بشار الأسد دمشق في جنح الظلام تلبية لاستدعاء بوتين، واستمع كالمريد فاقد الإرادة في حضرة شيخه إلى آخر ما توصل إليه الأخير من قرارات، وبغض النظر عن التكهنات التي حاولت تفسير الزيارة وما دار فيها بين التابع والمتبوع إلا أنها تؤكد أن للرئيس السوري شخصية لا تزال تحافظ على منطقها معبرة عن ثبات وصفها بالمسطحة مهما اضطربت الأحداث وتشعبت مسالك الحياة.

ففي عام 2005 في جنازة بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني وجد الرئيس الشاب نفسه في موقف لم يستطع أن يغلّب فيه عقله ويستشرف مآلات تصرفه فاندفع بدافع الشعور بالرهبة إلى مصافحة الرئيس الإسرائيلي، وبطريقة مهينة سار نحوه ليصافحه بينما بقي كاتساف الرئيس الإسرائيلي ثابتاً في مكانه لكي يعطي التصرف صورة أكثر إذلالاً للرئيس السوري.

بين الحدثين الزمنيين اللذين يعبران عن منطق الشخصية التابعة الخائفة تثور الشخصية لتصبّ كلّ عقدها وذلها وهوانها أمام من يظللونها بالحماية على أطفال ونساء عزّل وتستفرغ كل مرارتها على أرض ورثت مؤسساتها بدون استحقاق وبلا أدنى جهد.

تمثل الشخصية في السرد الروائي التقليدي شخصا من لحم ودم وتأخذ ابعادا اجتماعية وتاريخية ويتمحور حولها كل هذا السرد بينما تتحول في السرد الروائي المعاصر إلى كائن لغوي لا فرق بينه وبين أي تقنية أخرى.

التربع على كرسي الرئاسة بتمثيلية سمجة في البرلمان السوري منح الشخصية كل الصلاحيات وأصبحت محورا لكل السياسة السورية كسلفها، ولكن لأنها لم تكن تملك من المقومات ما يمنحها هذه الثقة فقد استرخت أمام الضغوط وظلت تعاني من نقصها. ولكن استفرادها بشعبها الذي فجر ثورته بكل زخمها أيقظها على ضرورة العودة إلى نقطة مركز السرد. وبالفقر الروحي، والضحالة الفكرية، والموروث العنفي عادت لتذر الأرض يباباً، وتغرق في الدم وتحيل المشيد إلى أنقاض.

وعندما عجزت عن درء الخطر المحدق بها استغاثت الشخصية التي تشبه الشخصية الروائية ويصعب أن تشبه البشر الحقيقيين بحليفين أحدهما نظام الثيوقراط الإيراني والثاني خليفة القياصرة الروسي.

وبغض النظر عن اختلاف الدعم المقدم لمدها بأسباب البقاء فإن المؤكد أن فلاديمير بوتين هو أقرب في تسلطه، واستبداده، وعقليته الإجرامية من شخصية حليفه، ولكنه خليفة إرث امبراطوري، وصانع إنجازات اقتصادية عظيمة. وإن كانت السمة المشتركة بين الشخصيتين أن فلاديمير بوتين ولد كبير يظن أنه يستطيع أن يقصي العالم كله، وأن يقتطع الأرض التي يشاء، وأن يضغط على العالم بأسره لكي يحقق ما يريد.

التابع ولد صغير لم يحقق أي إنجاز سوى الخراب، والمتبوع ولد كبير يظن أن بإمكانه إقصاء العالم ولكنه يستطيع أن ينجز إنجازاً غير الخراب.

في العلاقة بينهما أصر الولد الكبير على إعادة الصغير إلى مجرد إجراء شكلي في السرد الروائي، إلى تقنية من ضمن التقنيات، إلى كائن لغوي، عندما اقال له احضر إلي حالاً بمفردك.

ليس في إعادته إلى حجمه كمجرد رقم أو أداة تقنية من ضمن مكونات العمل الروائي الأخرى إلا رسالة يوجهها الولد الكبير إلى العالم أن الولد الصغير طوع بناني وليس فيها ما يتخيله البعض من بحث عن إجراءات الرحيل عن السلطة.

فليس واردا في ذهن بوتين أن يناقش هذا الأمر الآن، وإذا ناقشه فسيناقشه مع لاعبين أساسيين وليس مع تابعه المطواع كأداة. ومن المؤكد أن العقلية الروسية ماضية في طريقها إلى حد الوصول إلى حافة الهاوية التي ستتلقى القوات الروسية قبل الوصول اليها ضرباً مبرحاً وترى طائراتها تسقط -بحسب مصادر موثوقة ومطلعة-عندها فقط سيحدث الانعطاف إما باتجاه حرب لا تذر على الأرض دياراً سينتصر فيها المجتمع المتحضر على المجتمع المتخلف، وإما باتجاه تسوية بين الروس وأندادهم.

عندها فقط ستلفظ الشخصية التابعة خارج السياق، وبأمر بالخروج يشبه أمر الاستدعاء. وسوف تخرج أيضاً متخفية في جنح الظلام إلى حيث يأمرها الولد الكبير الذي سيدرك بعد حين أنه ولد مهما كبر.