الهجوم السياسي

أطلقت الهيئة العليا للمفاوضات بتاريخ 7 / 9 / 2016 من لندن رؤيتها للحل السياسي المنشود في سورية. أتت الوثيقة التي حملت هذه الرؤية في خمس عشرة صفحة تحت عنوان ” الإطار التنفيذي للحل السياسي وفق بيان جنيف 2012 “. وتم الإعلان عنها في اجتماع لمجموعة الدول الصديقة، التي تجتمع دوريًا لمناقشة الوضع السوري وتطوراته، مما أكسبها أهمية إضافية؛ لما تمثله هذه المنصة الإقليمية والدولية من أهمية في دعم قضيتنا (على الرغم من محدودية هذا الدعم وقصوره). وقد لاقت اهتمامًا لافتًا من وزراء الخارجية المجتمعين، وتثمينًا مميزًا من بعضهم، خاصة من الوزراء البريطاني والفرنسي والسعودي والتركي، ومن الوزير جون كيري الذي حضر الاجتماع عبر دارة الكترونية..

جاءت هذه الرؤية كهجوم سياسي للمعارضة في وقت تعطلت فيه العملية السياسية أو دخلت غرفة الإنعاش، ولم تنهض حتى الآن المساعي والإجراءات اللازمة من أجل استئنافها. بل تتكسر معظم الجهود المبذولة – في أكثر من موقع ومناسبة – نتيجة استمرار النظام وحلفائه من دول ومليشيات وعصابات في وهم الحل العسكري، ومحاولة ترتيب الواقع على الأرض تمهيدًا لحلول لا تستهدف الثورة ومصير سورية فحسب، وإنما مستقبل سورية والأمن والاستقرار في المنطقة أيضًا.

استقبلت الأوساط السورية رؤية الهيئة بتجاوب إيجابي ملحوظ (على الرغم من ملاحظات بعضها كالمجلس الوطني الكردي، والمنظمة الآثورية الديمقراطية)؛ لأنها حملت خط الثورة وأهدافها، وعبَّرت عن هموم السوريين وتطلعاتهم في وضع حد للمحنة الوطنية المستمرة، وفتح الباب أمام ولادة سورية الجديدة. خاصة وأنها أتت في إطار حوارات موسعة، شاركت فيها بفعالية معظم القوى والفعاليات السياسية، والفصائل الثورية المقاتلة، ومنظمات المجتمع المدني.

عبَّرت هذه الجهود الوطنية ونتائجها عن جدية المعارضة في البحث عن مخارج سياسية للوطن الجريح، وعن اجتهادها في النهوض بمسؤولياتها – رغم قلة الحيلة وضعف الإمكانيات والأخطاء التي تشوب عملها – كما أشارت إلى استحقاق الهيئة العليا للمفاوضات لموقع الشريك المؤهل للقيام بالمهمة الوطنية المنوطة بها.

لكن يبقى السؤال المشروع، ما الذي يمكن أن يحققه ” هجوم سياسي ” في ظل واقع على الأرض قلق ومتغير وغامض، لا يمكِّن كثيراً من التثمير السياسي لبطولة المقاتلين وتضحيات الشعب. وضمن أوضاع إقليمية ودولية تتسم بالتعقيد وانعدام الثقة، وتهدر الأخلاق وحقوق الإنسان. ازدهرت فيها التسويات والمساومات والصفقات، وصار كلّ يتلمس رأسه؟

ليس لواهم أن يتوهم بأن الهجمات السياسية (على أهميتها) يمكن لها أن تخرج لوحدها الزير من البير. فالأرض ومجرياتها تبقى الفيصل فيما يمكن أن يحصل على طاولة المفاوضات والموائد السياسية. وهذا يلقي على المكونات السياسية والعسكرية للهيئة مسؤولية إعادة ترتيب الأوضاع على الأرض، لتقوم بواجباتها والمهام المطلوبة منها هناك أيضاً. مثلما فعلت في الميدان السياسي، عندما قدمت رؤيتها بوضوح أمام العالم كإسهام في تفعيل العملية السياسية.

12 / 9 / 2016

                                                                       التحرير