حسام محمد

اللاجئ السوري، هو ذاك الإنسان الذي نجا بحياته وربما بحياة البعض من أبنائه من شظايا البراميل وأغلال السجون، هو تلك الروح التي جاب جسدها الجبال وغاص في الأوحال، وهو تلك العيون التي رمقت الخوف لساعات وساعات خلال ثواني عبور الشريط الحدودي الرابط بين سوريا ودول الجوار للبحث عن أمتار من الأمان تقيه وتقي عائلته التي لم يعرف لها موطنها الأصلي أي إحترام أو تقدير، فهو لاجئ لا سائح، يريد الحياة بدون جلاد، وأن يرى مقعداً في المدرسة لطفله.

ففي سوريا اختلطت الملفات الإنسانية والحقوقية بالسياسية منها أو ربما يتم خلطها، ليصبح اللاجئ السوري هو الحلقة الأضعف والخاسر الأكبر بعد تحويله إلى ورقة مساومة وضغط ولمسرح للصفقات الثنائية وفي أحيان أخرى يصبح مصدراً لجلب الدعم المالي لبعض الحكومات المستضيفة له.

فسوريا اليوم لا تشبه أبداً سوريا الأمس، ووفق العديد من مراكز الأبحاث، فقد تجاوز عدد السوريين المهجرين داخلياً وخارجياً عتبة 13 مليون سوريا، وهي نسبة 60 في المئة من إجماليهم قبل عام 2011. ويصنف هذا التهجير الذي يقف النظام السوري كأبرز وأكبر فاعل له، على أنه أعلى نسبة نزوح في العقود الأخيرة.

رحلة قسرية

السوريون هربوا بداية بأرواحهم من مدنهم إلى مدن سورية مجاورة لم تدخلها الحرب، ولكن مع كل توسع في دائرة العمليات كانت نسبة النزوح تتضاعف، وكذلك التهجير إلى خارج الحدود، حتى اكتظت دول الجوار السوري بملايين المهجرين، وكانت تركيا هي الدولة الأكبر المستضيفة لهم، في حين أن النسب الأخرى توزعت ما بين الأردن ولبنان والعراق، بالإضافة إلى وصول مئات آلاف السوريين إلى أوروبا بالطرق الشرعية وغيرها، وبعضهم وصل أمريكا وافريقيا، وعلى وجهة التحديد مصر والسودان.

لم تكن رحلة السوريين القسرية بالحدث الهين، وغلفتها المأساة من كل حدب وصوب، ولم تنته معاناتهم مع الوصول إلى بر الأمان، إذ يعاني السوريون في لبنان من حياة قاسية وظروف معيشية بالغة السوء، علاوة على الرفض الحكومي من بعض الأطراف لتواجدهم وتحميلهم كل المشاكل الداخلية اللبنانية. وفي الأردن عانت نسب كبيرة من السوريين من حياتها في الصحراء، ومنع غالبيتهم من العمل إلا بشروط. ووفق العديد من المصادر، فإن وضع السوريين في الأردن أفضل بكثير مما هو عليه في لبنان، رغم ان كليهما صعب، وازدادت المآسي مع دخول عام جديد ورحيل آخر في الحرب السورية التي تحولت إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.

حقوق محفوظة

اللاجئون السوريون، وفق مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فضل عبد الغني، هم مدنيون أجبرتهم الحرب على مغادرة الدولة التي ينتمون إليها تحت ظروف قاهرة وقاسية إلى دولة أخرى للحفاظ على أرواحهم وأرواح أطفالهم.

وبالتالي فهم بشكل تلقائي أصبحوا فاقدين للحماية في موطنهم الأصلي، وهنا تكون الجهة المسؤولة عن أوضاعهم في الدولة الجديدة وكذلك حصولهم على صفة الرسمية هي “مفوضية اللاجئين” ومن المفترض متابعتها لكافة الأمور حتى يمتلكوا صفة “لاجئ” ومنع أي أعمال تهدد حياتهم كالترحيل وإلى ما هناك.

اللاجئون السوريون لديهم حقوق، وخاصة حاملي صفة “اللجوء” وأصبح موثقاً لدى مفوضية اللاجئين في لبنان، وهناك أكثر من ثلثي اللاجئين حصلوا على ذلك، وهذه صفة تضمن له العديد من الحقوق، رغم أن لبنان غير مصادق على الاتفاقية الدولية الخاصة بذلك، ولكن يحق للسوري الحصول على “حماية مساعدة دولية” طالما هناك نزاع مستمر وخطر على حياته.

تصريحات

ويقول عبد الغني: تصريح وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل، الذي جاء فيه تأكيده على ضرورة عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، معتبرا أنهم يهددون “وجود” لبنان، وأن فكرة إدماجهم” على الأراضي اللبنانية تزيد خطر الإرهاب على أوروبا، هو “تصريح عنصري ومخالف للقوانين الدولية”.

وقال باسيل، في كلمة في الاجتماع الوزاري العربي الأوروبي في بروكسل قبل أيام، إن “مليون ونصف نازح سوري أرهقوا لبنان مادياً بخسائر وصلت إلى 40 في المئة من ناتجه القومي، وهم يهددون وجوده بتمزيق نسيجه الاجتماعي” على حد تعبيره.

وأضاف الوزير اللبناني أن “أزمة النزوح التي تواجهنا سوياً هي أكبر تحد لنا سوياً، وإن اعتقد البعض منكم ومنا أن إبقاء النازحين في البلدان المجاورة لسوريا يبعدهم عنكم فهو مخطئ مجدداً، إذ أن أقرب طريق لذهابهم إلى أوروبا هو في بقائهم في بلدان المتوسط الذي يربطنا بكم، والسبيل الوحيد لعدم ذهابهم إليكم هو في عودتهم”.

كما قال: “لبنان هذا البلد الصغير الدقيق بتوازناته الداخلية يطلب منكم أن تتفهموه لتساعدوه كما يريد لا كما تريدون، وذلك لكي يبقى برسالته في هذا الشرق، رسالة التنوع والتعددية والتعايش، وإلا لن يبقى، في ظل فكرة إدماج السوريين على أرضه، وهذا فيه المزيد من خطر الإرهاب عليكم”.

وجددت الحكومة اللبنانية الجديدة، ترحيبها بالمبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، باعتبارها المبادرة الدولية الوحيدة وتتضمن خطوات عملية وواضحة، كما ذكرت المسودة أن الحكومة ستعمل على تفعيل التواصل اللبناني-الروسي في هذا المجال من خلال اللجنة الأمنية التقنية التي تم تشكيلها.

الحقوق لا تنعدم

السوريون الذين لم يستوفوا الشروط أو المعايير للحصول على صفة “لاجئ”، يمتلكون حسب مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، حدوداً ولو متدنية القيمة من الحقوق والضمانات، حتى لو يحمل تلك الصفة، أما في البلدات المصادقة على الاتفاقية الخاصة باللاجئين، فيكون اللاجئ مشمولا بحقوق أوسع، ومنها المحيطة بسوريا أو غيرها.

ويحق للمدني الدخول بطريقة غير شرعية، ولا يحق للدول فرض عقوبات عليه، أو يحق لها أن تعيده إلى الدولة التابعة لها، واللجوء هو حق للإنسان، ولكن يتوجب على اللاجئ مراجعة سلطات الدولة التي دخلها بطريقة غير شرعية، وتبرير عمله والأسباب الكامنة وراء إقدامه على هذه الخطوة، أي الأسباب التي تدعم حقه في امتلاك حقوق اللاجئ وصفته.

إعاقات حكومية

وأشار المسؤول الحقوقي، إلى أن بعض الدول تعيق وصول اللاجئين إلى الجهات المختصة بالإشراف عليه، رغم أن مهمتها هي تسهيل وصولهم إلى مفوضية اللاجئين، وعلماً أن للاجئ حقوقا كثيرة في الدولة التي يلجئ إليها كـ “التمتع بالملكية الفكرية والصناعية” والحصول على الحصص الغذائية.

واعتبر عبد الغني، الانتهاكات التي ترتكب بحق اللاجئين السوريين مخالفة للقانون الدولي، وحتى التصريحات الرسمية تصب في هذه الاتجاه، وكل مسؤول يصرح بمثل ذلك، يكون جهة لا تحترم القانون الدولي، لأن اللاجئ لديه أدنى الحقوق التي يتوجب على الدول تقديمها له، ولا يمكن لأي دولة أن تعيده بالقوة إلى المكان الذي يشكل خطراً على حياته.

الإعادة القسرية انتهاك

لا الدولة اللبنانية ولا العراقية ولا الأردنية تستطيع إعادة اللاجئين قسراً إلى النظام السوري، لأن ذلك يعتبر انتهاكاً كبيراً لحقوق الإنسان.

ولا يمكن لأي دولة أن تعامل أي لاجئ بطريقة عنيفة، وأضاف مدير الشبكة الحقوقية: كذلك يتوجب على الدول، ويترتب عليها أن تؤمن السكن الآمن لهم، وهذا لا يتم وخاصة في لبنان، وفي الأردن حيث يعيش اللاجئون في الصحراء، وأن تقدم لهم تسهيلات في الجوانب المدنية كـ “الزواج والولادة” بالإضافة إلى دور الدول في المساعدة على إيجاد حل سياسي دائم في سوريا، فكل هذه الأمور مرتبطة ببعضها.

معاهدة اللجوء

وفي السياق، تفرض معاهدة اللجوء لعام 1951 وفق المحامي الدولي المتخصص في قضايا القانون الدولي وحقوق الإنسان بسام طبلية، العديد من الإلتزامات على الدول الموقعة عليها، ومنها أيضاً تعديل القوانين الداخلية والوطنية بحيث تلتزم الدولة الموقعة بمعاملة أي لاجئ معاملة المواطن، وتحقيق مساواة بين المواطن واللاجئ إليها.

أما ما نشاهده في الواقع، فهو عدم توقيع العديد من الدول العربية على معاهدة اللاجئين، وبالتالي فإن هذه الدول بمعظمها غير ملزمة بهذه المعاهدة، ومن هنا لا يمكن فرض هذه الإلتزامات على اللاجئين.

وقال طبلية لـ “القدس العربي”: ما قامت به دولة لبنان المجاورة لسوريا، فهو استضافة للاجئين السوريين وبالتالي حسب الأعداد التي تم استقبالها، فإنها تزيد عن إمكانية الدولة، ناهيكم عن عدم وجود استقرار سياسي داخلي في لبنان، وعلى سبيل المثال وجود حزب الله، الذي تتعارض مصالحه مع وجود اللاجئين السوريين، الأمر الذي يؤدي إلى المعاملة السيئة للسوريين اللاجئين ومحاولة الضغط عليهم بهدف إجبارهم على العودة إلى سوريا.

ورقة سياسية

وتتزامن الضغوطات الحكومية العربية على اللاجئين السوريين في دول الجوار السوري مع عودة تلك الحكومات إلى تشريع الأبواب مع النظام السوري، سواء في لبنان أو الأردن أو العراق، فجميع هذه الدول حسب التقارير الإعلامية باتت تتمتع بعلاقات رسمية وجيدة مع دمشق، وعلى ما يبدو فإن تلك الأطراف تريد التخلص من أزمة اللاجئين بأسرع وقت ممكن، عبر دفعهم للعودة سواء بممارسة الضغوط أو المضايقات.

وقال طبلية: يتم استخدام ملف اللاجئين كورقة سياسية لإعادتهم إلى سوريا، كي يظهروا للعالم بان الحرب السورية قد انتهت، وهو حدث مخالف للواقع الموجود.

وما زالت الكثير من الدول العربية لم توف بإلتزاماتها القانونية تجاه المحافظة على السلم والأمن الدوليين الملقاة على عاتقها، إذ أننا نشاهد الكثير من إهمال الالتزامات الأخلاقية والقانونية تجاه ملف اللاجئين السوريين.

الدولة اللبنانية مطالبة حسب الائتلاف السوري المعارض، بالالتزام الكامل بالقوانين الدولية واحترام حقوق اللاجئين وفق ما تقتضيه اتفاقية جنيف، وبما يضمن سلامة وأمن المهجرين السوريين إلى حين عودتهم الطوعية في الوقت الذي يكون مناسباً وبعد زوال أي تهديد عليهم.

وكذلك السلطات مطالبة أيضاً بمنع التمييز ضد المهجرين واللاجئين السوريين في لبنان وحمايتهم خلال ممارستهم لحقوقهم التي تنص عليها الاتفاقيات الدولية.