لأنّ الإبادة صارت مفتاح عبور روسيا وحلفائها إلى مبتغاهم وما يشتهون؛ فإنّ ” أهبل دمشق ” لا يرى تعارُضاً بين الهدنة الإنسانية والأعمال القتالية! بل يؤكّد، وعلى عينك يا تاجر، أن عملية الغوطة ستستمرّ!

ولأنّ العالم أقرّ بعجزه استطال لسان كيماوي سورية، فاتّهم الغرب بتزوير الحقائق ذريعةً لمهاجمته، ورماهم بالكذب فيما يتعلّق بالوضع الإنساني في الغوطة!

ولأنّ العالم لم يستطع- بسبب استرخاء عضلات ضميره، واستحواذ روسيا على أوراق اللعبة السوريّة- إصدارَ بيان يندّد أو يدين حرب الإبادة في الغوطة، فإنه يصرّح بصوت عالٍ؛ ليسمع العالم الأصمّ، ويضرب عرض الحائط بما يصدر عنه!

ولأنّ العالم لا يستطيع غير الاعتراف بأن ما يحدث كارثة.. كارثة إنسانية باتّفاق ترامب وتيريزا ماي، فإنّ قتل المدنيين بغاز الكلور أو حرق الأطفال بالنابالم، لا حسابَ يطال فاعله! وقد حمّلا روسيا والنظام مسؤولية الكارثة التي تحدث الآن، وهما يتحدّثان، فإن النظام العصابة لم يتلكّأ في تكرار استخدام كل سلاح يحقّق مزيداً من القتل!

ولأنّ العالم بكلّ المتنفّذين من قادته، من ماكرون إلى ميركل، تواصلوا مع من يضغط على الأهبل لإيقاف المَقتلة، فإنه يزداد غُنجاً وقناعة أن لديه ما ليس لدى غيره، فيتمادى كبراً وخُيلاء!

ولأنّ الأمم المتحدة أقرّت بلسان غوتيرس أن الغوطة جهنم الأرض، وبَصَمَت أن ما يجري تفوّق على الهمجية، فإن النظام أراد -ومن يدعمه ويحتضنه ويواليه- أن يثبت صحّة هذا الزعم فيجعله حقيقة لا خيالَ شعراء! وليقرّر أنّ العقاب جماعيّ، ولا ثواب لِمُصالِح غير الموت ذُلّاً أو نَحراً أو قنصاً برصاصٍ صديق!ٍ

ولأنّ مجلس الأمن صار مجرّد يافطة لتمرير قوانين وقرارات لا تُفرض إلا على الضعفاء، ومَن ليس محميّاً بفيتو، فإن ربع ربع ربع ما يحتاجه الآدمي في الغوطة لم يمرّره النظام إلا بعد أسبوع من الموت، كما وعد مندوب روسيا! وما مُرّر صودرت منه الأدوات الطبية ولوازم الجراحة! ليُفهم مجلس الأمن أنه حكم على الجرحى والمصابين بالموت!

ولأنّ العالم يعي أنه ما عادت له كلمة، أو يدّعي ذلك، بما يجري في سورية عامّة، والغوطة خاصّة؛ وتكتفي دوَله المشاركة مباشرة أو غير مباشرة بالتهديد والتحشيد والوعد والوعيد، إذ القول الفصل لروسيا التي تشترط على العالم وإلا فلن تمرّر قراراً، ثم تتباهى بسلاحها المجرّب، وتستعرضه، وتهدّد الغرب.. كلّ الغرب بما لم يجرِ استعماله بعد، فإنّ النظام العصابة لا يحسب لأحد حساباً!

ولأنّ العالم يعرف أن روسيا من يُشعل النيران ويطفئها في سورية، وأنها لا تدعم هدنة سَحَبت منها دسمها قبل إقرارها، وأنها تقتل وتسير في جنازة ضحيّتها، أنها تنتهك التزاماتها كضامن، وتؤجّج الصراع بينما توقّع على خفض التصعيد، وتدعو لوقف القتال ساعات بينما تقوم طائراتها بـ 20 غارةَ موتٍ وتدميرٍ يومياً، حصّتُها في مجزرة الغوطة المستمرّة، ولأن العالم يعرف أنها لن تتوقّف عن نيل مبتغاها، فإن النظام يضرب عرض الحائط بمجلس الأمن وقواه العُظمى والمفاوضات والحلّ السلّمي غير الحلّ الذي يرضاه متمثّلاً بالركوع والسجود أو المسير صوب اللحود!

ولأنّ العالم يدرك أن قرارات مجلس أمنه مجرّد حبر على ورق، فلا إرادة له في تنفيذ ما يُقِرّر، ولا وسائل ولا روادع، وأن القضية السوريّة قد تكون مقبرة الأمم المتحدة، فإنّ النظام، ومن معه، يتحدّى العالم بخرق قراراته، ويفهمها رخصة للقتل لا توقيفه، وأنه من حقّه الالتفاف على كل ما لا يتماشى مع مصلحته ومصالح رُعاته!

ولأنّ العالم يفهم أن ما يجري هو تهجير قسريّ واقتلاع للمدنيين من الغوطة، كما حصل في غيرها، وأنّ ما يحدث لِلَفْتِ الانتباه عن العملية السياسية المطلوبة، وأن جميع الأيدي التي تتكاسَر في سورية لن يثنيها ثانٍ أو يردعها خوف من عقاب أو قانون، فإنّ النظام يقوم بابتلاع الغوطة بالتقسيط المريح، وسحق جماجم صغارها قبل كبارها، وزرع أرضها كما وعد بصلاً!

ولأنّ العالم يعلم أن السوريين لم يعُد لهم في قضيّتهم يدٌ أو قدَم أو رأس أو مؤخّرة.. ولأنّ العالم كذلك، هزيلاً ضعيفاً.. ولأنّ العالم أكثر من ذلك – بصمته وعجزه- متواطئ مع القَتَلة وتجّار الموت.. ولأنّ العالم – متمثّلاً بمجلس الأمن- لن يستسلم كما قال دي مستورا، فقد أثبت عجزه وتخاذله.. ولأنّ العالم لا يستطيع غير الجعجعة، فإن النظام العصابة سيستمرّ في الغوطة طحناً!