عندما دخل وزير الخارجية القطري عام 2013 قاعة اجتماعات “الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة” قائلًا لهم بلهجة آمرة:

“أريد أن أرى الأيادي ترتفع بالموافقة على قرار توسعة الائتلاف” كان يعلم أنه يخاطب مسلوبي قرار لا يملكون من أمرهم شيئًا، فمن المعروف أن للعلاقات بنيات تتفاوت مكونات عناصرها من حيث المساحة والنفوذ، وقد كان الرجل على يقين أنه يملك الحيز الأكبر في العلاقة والنفوذ الأعظم الذي يبدو معه حيز المكون الثاني ونفوذه قريبين من العدم.

وعندما استأجرت دولة مؤيدة للثورة السورية مكتبًا لأحد عملائها “المعارضين”، وكلفته بشراء سلاح لفصائل إسلامية باسمه؛ لأنها لا تستطيع فعل ذلك بنفسها مقابل نسبة جعلته من كبار الأثرياء في يوم وليلة كانت تعبث بكمية مهملة بالنسبة إليها هي الشعب السوري مقابل توسيع مساحة نفوذها التي لا يتسنى لها أن توسعها ما لم تستثمر في فاعل قذر يمكن أن يواجه الفاعل الأقذر الذي ما فتئ يوسع ساحة الصراع في تخطيط جيو سياسي محكم  ومعروف يقصد منه إطالة أمد الصراع وتشتيت الخصوم.

ولأن المرتزق لا يستطيع أن يتخذ قرارًا مستقلًا، فقد كانت النتيجة أنه جعل دافع ثمن ارتزاقه أبرياء لا ذنب لهم في كل ما يجري، وتمترس بهم في مواجهة نظام الإجرام الذي لم يعدم تبريرًا يقدمه لعالم تعاني منظومته الأخلاقية خللًا، وقد انكسر ميزانه الأخلاقي أكثر مما ينبغي، وأكثر مما يقبله أي ضمير.

فهو يواجه فصائل متطرفة تمتح من أشد مصادر التراث ظلامية، وقد عقدت تحالفات مع قوى لا تأبه بدماء الأبرياء محوّلة بتحالفها ثورة الكرامة إلى حرب أهلية.

لا شك أن الصورة، والحال هذه، تصيب قلب الناظر إليها بالحيرة والاضطراب، ولكنها إذ تمتزج بدماء أطفال لا يدرون بأي ذنب قتلوا، ونساء يستنشقن السم، وهنّ يحاولن منع تسربه إلى رئات أطفالهن لا تفسح مجالًا للارتياب في أن نظام الإجرام بكل ما يقدمه من مبررات تافهة -على الرغم من تقديم الطرف الآخر السياسي والعسكري ذرائع موضوعية له لتقديمها- هو الفاعل الأكثر قذارة في الصورة، وأن خلل المنظومة الأخلاقية وانكسار ميزان العدالة ظرفان موضوعيان شائهان لا يمكن أن ينظر إليهما كقدر محتوم.

ما نريد قوله: إننا لم نهزم، وإن أطفالنا الذين قتلوا خنقًا في الغوطة ليسوا كمًا مهملًا كما استحالوا؛ بسبب سلوك من يسمون بأصدقاء الثورة، وسلوك مكوناتها مستلبة القرار؛ وبسبب صمت العالم، وإنما هم قرابين على مذبح الحرية، والأهم من ذلك أن ما نراه من تهلل واستبشار على وجوه بعض المحسوبين على المعارضة السورية بهزيمة الفصائل الإسلامية في الغوطة حتى ولو كان الثمن جريمة يندى لها جبين الإنسانية إنما يعبر عن اشتراك قذر في عالم سيميائي واحد مع نظام الإجرام، وعن تشابه يصل إلى حد التطابق في بنية كليهما.

فأن تعلن رفضك لفصائل إسلامية تتحالف مع قوى خارجية شيء، وأن تفصح عن سعادتك بهزيمتها على أشلاء الأبرياء شيء آخر.

وأن تعلن عن رفضك لها بحجة انك علماني تقدمي، وأنت تحمل وعاء التسول من ” المحسن نفسه” الذي يمولها يشي بازدواجية ووضاعة تذهب بادعاءاتك أدراج الرياح، وتحيلها إلى سخرية بالعقول.

يمكن لصور الأطفال والنساء المختنقين في دوما اليوم أن تفعل فعلها المبرح للنفس، ويمكن لها أيضًا أن تساعد في فرز القذارة من الطهر.

فالقذارة لا تغطي وجهها، وهي نظام الاستبداد وحلفاؤه، ومكونات معارضة مستلبة لم يرفّ لها جفن عندما أهينت مرة تلو المرة، وفصائل تدرّعت بالأبرياء وتسببت في مأساتهم، وأنظمة تجمّلت بتأييد ثورة الكرامة واستمرأت فرض أجنداتها التي لا صلة لها بهذا الادعاء على الطرف الأضعف في العلاقة معها.

أما الطهر فيمثله من صعدت أرواحهم إلى السماء، وهم في أحضان أمهاتهم، ولعل السماء كانت الوجهة الوحيدة الممكنة بعد أن ملأت القذارة كل ما يحيط بهم.  

رئيس التحرير