إذا كنا ننظر إلى السابع من ديسمبر (كانون الأول) 1941 باعتباره اليوم الذي خلد فرنكلين روزفلت في التاريخ تحت اسم «العار»، فإن 20 ديسمبر عام 2016 يحتل المركز الثاني مباشرة في قائمة أيام العار التاريخية. ورغم أن الأخير لم يشهد مقتل أميركيين مثلما حدث في الهجوم الذي وقع ضد بيرل هاربر، فإن فكرة «القرن الأميركي»، حسب وصف مؤسس مجلة «تايم» هنري لوس، منيت بنهاية مروعة. في ذلك اليوم، التقى ممثلون عن تركيا وإيران وروسيا في موسكو لتسوية القضايا العالقة بالشرق الأوسط. أما الولايات المتحدة فإنها حتى لم تتلق دعوة للمشاركة.
عام 1942، قال ونستون تشرشل، إنه «لم يصبح رئيسًا للوزراء كي يتولى الإشراف على تصفية الإمبراطورية البريطانية». ومع ذلك، فإنه بحلول نهاية أربعينات القرن الماضي، كان جزء كبير من الإمبراطورية قد ولى. ورغم أن تشرشل كان سياسيًا استعماريًا من الطراز الأول، فإنه جابه حركة تحرر من مختلف الأطياف، ناهيك بالنفور الذي أبدته الولايات المتحدة تجاه الأطماع الإمبريالية – باختصار، كان يواجه حركة التاريخ ذاتها. من ناحية أخرى، فإن تشرشل تمتع بقدرة مذهلة على استخدام الكلمات، ودائمًا ما كانت العظمة ترافقه أينما ولى وجهه كظله. ومع هذا، من بعض الجوانب ظل رجلاً ينتمي إلى القرن التاسع عشر يشعر بالحيرة والصدمة إزاء ما يجري في القرن العشرين.
أما باراك أوباما، فيمثل العكس تمامًا، فهو رجل ينتمي إلى القرن الحادي والعشرين لم يتعلم شيئًا من دروس القرن العشرين. لقد شعر أوباما بسعادة بالغة بتوليه الإشراف على إدارة فترة شهدت فقدان النفوذ الأميركي. ومثلما تحولت حلب السورية إلى كومة من الأطلال وشهدت مقتل عدد لا يحصى من الأرواح، كذلك شهدت موت النفوذ الأميركي. لقد نجح الروس في القضاء تمامًا على هذا النفوذ من خلال تحقيق للنظام السوري ما عجزت الولايات المتحدة عن تحقيقه للمعارضين المسلحين. لقد نزفت المدينة وشهدت طوفانًا من القتلى المدنيين، في الوقت الذي وقفت فيه أميركا، القوة المهيمنة بالمنطقة، ساكنة دون حراك.
ومع ذلك، ربما كان أوباما محقًا – ربما كان يعلم طيلة الوقت أن وضع المعارضة المسلحة أصبح ميؤوسًا منه ولم يعد بالإمكان إنقاذهم – رغم أنه سبق وتوقع سقوط بشار الأسد. وعلى كل الأحوال لم تكن الولايات المتحدة لتجني شيئًا من وراء التورط مجددًا في مستنقع جديد بالشرق الأوسط. المعروف أن أميركا تورطت بالفعل في الحرب مرتين في العراق، وفقدت جنود «مارينز» في لبنان. إلا أنه يبقى من المحتمل كذلك أن يكون ما سبق مجرد ذرائع لتبرير عدم فعل شيء، خصوصًا أن أحدًا لم يقترح إرسال قوات برية إلى سوريا. لقد كان ذلك مجرد «مغالطة بهلوانية» من جانب أوباما.
ودائمًا ما ترددت عبارة «الوقت سيكشف الحقيقة»، إلا أن الحقيقة تبقى أنني بجانب آخرين نرى أن الولايات المتحدة كان باستطاعتها الحد من سفك الدماء، وكان باستطاعتها إقرار مناطق حظر جوي تعجز المروحيات التابعة للنظام السوري عن إسقاط براميل متفجرة فيها. وكان بمقدور واشنطن كذلك بناء مناطق آمنة للاجئين. لقد نجح الروس في تحقيق ما كانوا يرغبونه، فلماذا لم يفلح الأميركيون في ذلك؟
في الحقيقة، لطالما كانت الإجابة واضحة أمامي – أوباما لم يعبأ بما يكفي. وتجلى ذلك في أنه لم يصدر عنه قط أمر قوي مدوٍّ لروسيا وإيران بالخروج من سوريا والبقاء بعيدًا عنها. في الواقع، فيما وراء الأسباب التي ربما تبدو منطقية لعدم الإقدام على إجراءات تذكر داخل سوريا، ظل هناك شعور بالبرود العاطفي… لم تكن هذه حرب أوباما.
ويمكنك قول ما تشاء عن دونالد ترامب، لكنه يبقى رجلاً يبدي اهتمامًا حقيقيًا بما يدور حوله. ورغم أنه يهتم لقضايا لا تثير اهتمامي، ويحمل بداخله بعض الأفكار المريعة، ويبدو فاقدًا للحس الأخلاقي في كثير من الجوانب، فإنه على النقيض من أوباما، لا يخفي حقيقة مشاعره. عندما اصطاد الصينيون طائرة دون طيار تابعة للأسطول الأميركي من المحيط الهادئ، جاء رد فعل البيت الأبيض هادئًا للغاية، لدرجة أنه قد يخيل للمرء أن مسألة حرية البحار لم تعد مهمة. في المقابل، نجد أن ترامب كتب تغريدة عبر موقع «تويتر»، معربًا عن غضبه الشديد.
في الواقع، لقد خسرت هيلاري كلينتون الانتخابات لمجموعة من الأسباب، لم يكن على رأسها عيوبها بصفتها مرشحة للرئاسة. في المقابل، فاز ترامب لأسباب كثيرة، لم تكن أبرزها مهاراته السياسة. ومع ذلك، اضطرت كلينتون إلى الدفاع عن إدارة اتسمت بفتور ملحوظ. وكثيرًا ما أشارت كيليان كونواي إلى أن كلينتون لم تكن لديها رسالة. وهذا حقيقي. وينطبق القول ذاته على أوباما. الحقيقة أن أوباما لم يكن يرغب في جعل أميركا عظيمة من جديد، فهي بالفعل كانت عظيمة بما يكفي من وجهة نظره.
ونتيجة هذا البرود الذي أبداه أوباما، زهقت أرواح في سوريا، وبدلاً من حشد الرأي العام الأميركي خلف قضية حقيقية – مثل التدخل لإنقاذ أرواح وتجنب وقوع أزمة لاجئين تسببت في زعزعة استقرار أوروبا – لم يبد أوباما اهتمامًا بالأمر. لقد رفع أوباما راية الانحسار الأميركي.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لعبت القيادة الأميركية دورًا محوريًا في الحفاظ على السلام العالمي. وسواء كان هذا الأمر يروق لك أم لا، تبقى الحقيقة أننا كنا بمثابة شرطي العالم. ولم يكن هناك شرطي آخر غيرنا. أما الآن، فقد ولى عهد القيادة. وكذلك سيتلاشى السلام.
* خدمة «واشنطن بوست»
الشرق الاوسط