عندما كان يظهر على الفضائيات قبل الثورة، وينظر السوريون إليه كمناضل ديمقراطي وناشط كبير في مجال حقوق الإنسان لم يكونوا يتوقعون أن دالات الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات التي يسبّح بحمدها دالات بدون دلالات متأصلة، فهي مفرغة من محتواها ولا تعبر عن فكر يتمثله وواقع يعيشه بعقله ووجدانه وإنما تعبير عن ادعاء بامتلاك لها فقط. نعت هذا النوع من الدالات من قبيل الديمقراطية وغيرها بالزائفة ليس مجانباً للصواب عندما تكون صادرة عمن يفاخر بامتلاكها بدون أن يعيشها. فهو يفاخر بامتلاكه قدراً من الديمقراطية أكبر مما يمتلكه مناظره أو خصمه، وهو امتلاك لها يفرغها من دلالاتها بسبب عدم تمثلها واستحالتها إلى نمط حياة.

وقد ثابر هذا “الديمقراطي” عند انطلاق الثورة على مفاخرته بامتلاك قدر أكبر من هذه القيم ولكن هذه المرة أصبح التفاخر بامتلاك الحجم الأكبر تفاخراً على المعارضة السورية، الأمر الذي جعل هذا التفاخر على خصم يستطيع أن يحاجج بامتلاك الحجم نفسه بعد أن كان قبل ذلك موجّهاً نحو خصم لا يأبه بعدم امتلاكها وكم بالأحرى تمثلها.

ولشدة مراس الخصم المتفاخر عليه خلال الثورة فقد بات هذا المناضل ” الديمقراطي” أكثر حدة في خطابه وأكثر تخبطاً وهو تخبط عبّر عنه بلا مواربة بتصريحه إبان نية الرئيس الأمريكي استهداف قوات النظام السوري بالضربة العسكرية بأن “كل ديمقراطي في العالم يرفض الضربة العسكرية الغربية ضد النظام السوري”، وهو استخدام لقضية كلية موجبة في حقل سياسي مع أنه من المعلوم أن هذه القضايا التي تبدأ بلفظ “كلّ” وتقضي بشمول الموضوع كلّ أفراد المحمول لا تستخدم إلا في القضايا الوجودية كالقول” كل حي يموت”.

وهو تضخم مفرط في الأنا جاء كرد فعل على قوة الخصم وصعوبة التفاخر عليه بدون الادعاء بالحق بالتحدث باسم كلّ ديمقراطيّي العالم.

ولكن هذه الديمقراطية والثورية الزائفتين تفسح المجال لصاحبها لممارسة أفعال لا صلة لها بالديمقراطية، ولا بما تتطلبه الثورية؛ لأن حيازتهما بكميات كبيرة تمنح مالكهما من الحق ما تمنعه عن غيره المحروم منهما أو على الأقل الذي لا يملك القدر نفسه منهما، ولهذا فلا ضير لديه من تحوله من مناهض للعنف  صدّع رؤوس السوريين بضرورة تجنّبه عندما كان رئيساً لهيئة التنسيق في المهجر إلى قائد سياسي لقوات مسلحة، ولكن مع الحرص على أن تكون قوات تنعت نفسها بنعت” الديمقراطية”؛ لأنها العدة اللفظية التي تمثل المكون الرئيس لادعائه الزائف ونرجسيته وتساهم في تصوره لنفسه في الموقع المتقدم وسط محيط من الفاقدين لها والمحرومين منها.

ولأن الإيغال بعيداً في التضخم، والانفصال عن الواقع، واستخدام الدالات بلا دلالات ينزع ستار الحياء ويجعل المرء أكثر توقحاً فقد بات اشتراطه حضور الانفصاليين الأكراد -حلفاء نظام الاستبداد السوري-المفاوضات لكي يشارك هو فيها فعلاً متوقعاً من ديمقراطي وثوري مدّع مثله.

من حسنات تطاول المأساة السورية، وتقلب أطوارها، واستعصاء عقد مشكلاتها أنها كشفت هذا النموذج المتعيّن المثالي للديمقراطية المدعاة، والتي لولا تطاولها لظلّ يفاخر علينا بامتلاكه مقادير من الديمقراطية أكبر مما نمتلكه، ولما تمكنّا من تحصيل وعي أكبر بضرورة معايشة قيم الديمقراطية وغيرها من القيم الضرورية لمجتمعاتنا وليس ادّعاء امتلاكها فحسب.

رئيس التحرير