كونتر بانش – التقرير

في زمننا هذا، أصبح من الممكن أن تُقنن الديكتاتورية بأساليب قانونية بحتة، بالتحايل على الكونجرس والرئاسة والشعب، فنبدو ظاهريًا كحكومة دستورية سليمة، فنحن نعمل داخل نظام سياسي وحكومي منظم.. لكن وجدت جماعة سياسية منظمة، تسعى لهدم الدستور الأمريكي، ليكون هناك حزب سياسي واحد متحكمًا في جبهة السياسة.. ففكر هذه المنظمة ومبادؤها ليس أهم ما يميزها، إنما يجب أن نتعرف على هذا التنظيم.. فهذه المجموعات لا تخضع للرئاسة أو الكونجرس أو حتى أي من المحاكم.. إنما تعمل في سرية وبهدوء تام، عاكفة على تغيير حكومتنا، وهي جماعة سيصعب إزاحتها من موقعها هذا، كما وصفها السيناتور “وليام جينير” في خطاب له في العام 1954.

رحبوا بحكومة الظل الأمريكية، التي لا تتأثر بمجريات الانتخابات، ولا تتغير مع الحركات الشعبية المطالبة بأي تغيير، البعيدة عن متناول القانون.

تتسم هذه الحكومة بطابع بيروقراطي، متداخلة في عالم الأعمال والحياة العسكرية، وتعمل بقوة كاملة لتشتمل مسئولين غير رسميين، يعملون بكد ويديرون البلاد من الباطن، فهي تمثل الوجه الخفي للحكومة، التي لا تكن أي تحترام لمبادئ حرية المواطنين.

وستظل حكومة الظل في مكانها، فهي لا تتغير مع تغير الرئاسة الأمريكية. وفي الواقع، كشفت آخر التقارير الصادرة من قبل الـFBI، عن دور حكومة الظل -أو ما يطلق عليها أيضًا محموعة الطابق السابع- في اختيار من سيصل الى البيت الأبيض هذا العام، لكن لن تقتصر تركة الرئيس الأمريكي القادم على حكومة ظل واحدة، إنما ستشمل حكومتي ظل، إذا ما أردنا أن نكون أكثر دقة وإلمامًا بالتفاصيل.

يشار إلى أول حكومة ظل باسم “الحكومة المستمرة”، وهي عبارة عن أفراد عُينوا لتولي مقاليد إدارة الحكومة، إذا ما وقعت “كارثة” ما، فهي مثل الشخص الخطير المترقب للوقت المناسب -سواء كان من عمليات إرهابية، أو كوارث طبيعية، أو انهيار اقتصادي- ليخرج من إطار الظل ليعمل بكامل قواه، فستتحول المؤسسة الأمنية الى دولة تدار من خلال الأحكام العرفية العسكرية، إذا ما استولت على مقاليد الحكم في أمريكا.

بينما يطلق على حكومة الظل الثانية اسم”الدولة العميقة”، وتمثل أكبر المخاطر المهددة لاستمرار الحرية في أمريكا.. تتألف هذه الحكومة من العديد من البيرقراطيين والشركات والمقاولين والموظفين المنخرطين في الأعمال الروتينية، المتحكمين الفعليين في اتخاذ القرارات من وراء الكواليس، لذلك، تسببت مثل هذه السياسات في فقدان سيطرتنا، كشعب، في التحكم في أي من القرارات المصيرية.

فتسخر بذلك الدولة العميقة، المتحكمة في مجريات الأمور السياسية وفقًا لبوصلتها الخاصة بها، التي تتحرك في اتجاهها دون مراعاة المتحكم الرسمي في أمور البلاد، مثل تحكمها في مجريات الانتخابات الرئاسية ببرمتها، والحكومة التي تمثلها.

فما هي الدولة العميقة؟

تتمثل الدولة العميقة في الشرطة العسكرية، التي انضمت بقواتها، بالتعاون مع هيئات تنفيذ القانون الفيدرالي والحكومي، لتأسيس جيش نظامي يمثلها، فقد استطاعت مؤسسات المخابرات خلق دولة رصد، فأصبح جموع الشعب مشتبهًا بهم، وتسببت المحاكم التي سمحت بإعلاء أهمية أرباح الشركات على إجراءات مجريات القانون والعدالة، وبالطبع، تُعد الإمبراطورية العسكرية هي السبب من خلق مقاولي الباطن، وفي ازدهار الصناعات الحربية التي أدت الى إفلاس الأمة، وما يطلق عليه عضو البرلمان “مايك لوفجرن” بمزيج الأمن القومي ومؤسسات تطبيق القانون؛ من وزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، والأمن الداخلي، ووكالة الاستخبارات الأمريكية CIA، ووزارة العدل، ووزارة المالية، ومكتب التنفيذي للرئيس الأمريكي عن طريق مجلس الأمن القومي، وحفنة من المحاكم الابتدائية، وأعضاء لجان الدفاع والمخابرات.

هناك العديد من اللاعبين الأساسيين يعملون على تحريك حكومة الظل

فها هو دور البوليس الأمريكي الذي سيتمر بعد الانتخابات الرئاسية.

فتأمل قليلًا بعض البرامج والسياسيات الرئيسية، التي عرضتها حكومة الظل، لتستمر في العمل دون توقف، ودون ابداء أي اهتمام لمن يشغل مقعد المكتب البيضاوي.

المراقبة المحلية

ستستمر وكالة الأمن القومي، المدعومة بميزانية سنوية تصل قدرها الى 10.8 مليار دولار، في مراقبة كل فرد يستخدم جهاز الكمبيوتر، أو يتحدث عبر الهاتف داخل الولايات المتحدة، لذلك تأكد أن وكالة الأمن القومي أو أي جهة أمنية أخرى، ستكون معك تتلصص عليك في أي يوم، سواء كنت داخل محل ما، أو تقود سيارتك، أو تتصفح بريدك الخاص، أو تتحدث إلى أصدقائك، أو أي فرد من عائلتك على الهاتف.

هذا وقد سُلِحَت الشرطة المحلية بسلسلة من معدات المراقبة، بدءًا من مُعدات قراءة لوحات التراخيص، مرورًا بأجهزة تتبع الهاتف الخلوي، وحتى أجهزة تسجيل البيانات البيومترية، فمكّنَت التكنولوجية الحديثة الشرطة من أدوات تستخدمها لمعرفة ما يوجد داخل الجيوب والحقائب…إلخ. ولم تتوقف التكنولوجيا عند هذا الحد، إنما شملت ماسحات ضوئية كاملة للجسم متنقلة، فأصبحت لا يقتصر استخدامها في المطارات فقط، إنما بدأت الشرطة تستخدمها لتحدق فيما يوجد داخل السيارات والمباني والبيوت، إضافة إلى نظم المراقبة التي تستطيع تتبع أي أحد طوال الوقت، إضافة إلى برامج التعرف على الوجه، فقريبًا لن يكون هناك مساحة كافية لتهرب أو تختفي عن الأنظار.

التجسس العالمي

ستستمر شبكات المراقبة الضخمة الخاصة بالوكالة الأمن القومي الأمريكية، وهي ما أطلقت عليه صحيفة “واشنطن بوست” بإمبراطورية التجسس، المقدرة بـ500 مليار دولار، في التجسس على العالم لتصل إلى كل شخص يستخدم جهاز كمبيوتر أو تليفون.

يستقبل برنامج “أكيليون” السري، الخاص بالوكالة الأمن القومي الأمريكية، ويحلل كل محادثة هاتفية وفاكس ورسالة بريدية في أي مكان في العالم، إضافة إلى تجسسه على المجموعات السياسية المسالمة المحلية، مثل منظمة العفو الدولية، ومنظمة السلام الدولية، والعديد من الجماعات ذات الطابع الديني.

قانون مكافحة الإرهاب الأمريكي

لن تتوقف الحرب الأمريكية للقضاء على الإرهاب، فقد سعت أمريكا للقضاء عليه دون هوادة، منذ أحداث التاسع من سبتمبر، لكن تسببت هذه الحرب في سلب حرياتنا، وخرق بنود دستورنا. وتحول بلادنا إلى ساحة قتال.. بسبب قانون مكافحة الإرهاب الأمريكي، فلقد تحايل هذا التشريع على سلطة القانون وحرية المواطنيين الأمريكيين، وتحولت الحياة لتصبح مقيدة بالأحكام العرفية، عوضًا عن التزامها ببنود الدستور، ولن تنتهي هذه الأساليب دون الاهتمام بمن يصل إلى الرئاسة.

عسكرة الدولة البوليسية

بسبب هذه البرامج الفيدرالية الكبري، سمح البنتاجون بتمرير المعدات العسكرية الزائدة عن احتياجاتهم وأسلحتهم، إلى المؤسسات الأمنية المحلية دون مقابل، وبذلك سيزداد تحول قوات الشرطة من مسؤولي تحقيق الأمن والسلام، إلى ملحق مسلح للجيش، ليتسلحوا تمامًا بالأحذية والخوذات والدروع والعصى ورشاشات الفلفل والأسلحة الصاعقة والبنادق وواقيات الجسم والدبابات صغيرة الحجم والطائرات المسلحة دون طيار، فقد حصلوا على الضوء الأخضر، بموافقة المحاكم ومسؤولي الأمن الأمريكي ، للتحقيق أو تفتيش أو إعتقال أي شخص يشتبهون به في أي ظرف كان وأي مكان، فلم تعد الجهات الأمنية جهات تحمي الناس وتحافظ على السلام العام، وستستمر في معاملة الناس أجمع كالمتهمين، عوضًا عن معاملتهم كمواطنين أسوياء.

طائرات دون طيار

ستستمر الحكومة في استخدام الطائرات دون الطيار بلا هوادة، فبحلول عام 2020، قرر الكونجرس أن يصل عدد الطائرات دون طيار إلى 30  ألف طائرة عابرة بسماء أمريكا، وهي صناعة قد تصل قيمتها إلى 30 مليار دولار في السنة، فستستطيع هذه الآليات تسجيل كل ما تقلبلة من أحداث، عن طريق تسجيلات الفيديو وأجهزة استشعار الحرارة والرادار، حيث كشفت إحدى التقارير عن إنفاق وزارة العدل مليون دولار تقريبًا على طائرات دون طيار، ليتم استخدامها من قبل الـFBI، مع وعود بمنح 1.26 مليون دولار آخرين لأقسام الشرطة، للحصول على الطائرات الخاصة بهم.

من المدارس للسجون

بالطبع، تستخدم الحكومات نفس الأساليب لتطبق في المدارس، عن طريق استخدام الشرطة للكلاب المدربية على استشعار المخدرات في الفصول، متبنين سياسات لا تقبل خرق لأي قوانين، وينتج عنها معاقبة كل من يخرج عن القانون بالمثل، وقد يصل إلى فصل التلاميذ بناء على تصرفاتهم الطفولية، بذلك تشكل المدارس فريق عمل مع الجهات الأمنية، عن طريق تطبيق “جرعة مزدوجة ” من تطبيق العقوبات: سواء عن طريق إيقافهم عن الحضور، أو الفصل النهائي من المدرسة، ليلقى القبض عليهم بعد ذلك، ثم دخول سجون الأحداث.

خصخصة السجون

ستستمر الحكومة في إخضاع إدارة السجن لشركات خاصة، وبذلك ينتج عنه احتجاز الشركات الكبرى للشعب الأمريكي في سجون خاصة، لتحصل بذلك على أرباح منها. واشترطت الحكومة الأمريكية على هذه الشركات الإبقاء على نسبة إشغال في السجون الخاصة تصل إلى 90%، لمدة تصل إلى 20 عامًا، في مقابل إدارة الشركات وشرائها لهذه السجون.

حروب لا نهائية

توسعات الإمبراطورية الأمريكية المستمرة، تستمر في استنزاف موارد البلاد لمعدلات قد تصل إلى 15 مليار دولار شهريًا، أو 20 مليون دولار في الساعة، حيث ينفق البنتاجون على الحروب ما يعادل ميزانية الصحة والتعليم والأمن الداخلي، المخصصة للخمسين ولاية كلها، لكن لا يدرك الكثير من الأمريكيين أن هذه الحروب غرضها الأكبر لا يقوم على الحفاظ على سلامة الشعب الأمريكي، إنما تنشب الحروب مقابل إثراء  الصناعة الحربية، على حساب من يدفع الضرائب.

هل فهمت مغزى الرسالة؟

فلن يتعدى دور الرئيس القادم، مثلما كان الرئيس الحالي ومن سبقوه,، كونه مجرد أداة للترفيه عن الشعب، وإلهائهم عما يحدث بالفعل.

حيث كشف “لوفجرن” الستار عن مفهوم الدولة داخل الدولة الأخرى: ” إختفاء دولة خلف أخرى ظاهرة للجميع، ما هي إلا كيان مزدوج لمؤسسات حكومية وخاصة تتحكم في البلد، وفقًا للأنماط محددة لا تتغير أو تنتهي بمرورها، متصلة بالدولة الظاهرة للعالم، لكنها تعتبر الطرف المتحكم فبها، لتختار بذلك زعماءها الظاهرين امام الشعب.”

بينما لا تتحكم الدولة العميقة في رأس مال الشعب فقط، إنما تتحكم في وول ستريت، وهي ما توفر المال لاستمرار عمل آليات السياسة، وقرية السيليكون، فتحولت إلى عملية زواج بين الجهات البروقراطية الحكومية، وعالم الشركات العامرة بالأموال الوفيرة.

وكما استنتج لوفجرين:

تحصنت الدولة العميقة جيدًا بأساليب مراقباتها، وقوة السلاح والمال وقدرتها على مقاومة أي محاولة للتغيير.. فما تحتاج إليه الدولة العميقة، هو العمل في سكون واستمرار تدفق المال، مع ثقتهم باستمرار الحياة كما كانت في الماضي.