ما أكثر الطعنات التي تلقاها الربيع العربي في تفتحه خلال السنوات الأربعة الماضية. طعنات من الأبناء والشركاء والأصدقاء ، وطعنات من الطغاة وحلفائهم وأصدقائهم الإقليميين والدوليين . ومع أن الاستبداد مات كفكر ونهج ونظام حكم ، لكنهم لا يريدون أن يذهبوا به على المقبرة . فوجوده من سر وجودهم ، وبقاؤه ضامن لاستمرار هيمنتهم وتحقيق مصالحهم . وقد كانت العملية الإرهابية التي أدت إلى مقتل السياح الأجانب على الشاطئ التونسي في سوسة آخر طعنة لهذا الربيع ، ولن تكون الأخيرة . فقد استولدت طعنة أخرى اسمها “حالة الطوارئ ” التي عادت مجدداً ، وفي أكثر تجارب الربيع العربي نجاحاً في الخروج من المحنة والامتحان بأقل الخسائر .

لا أحد أكثر منا نحن السوريين يعرف معنى  ” حالة الطوارئ والأحكام العرفية ” . ولم يكتوِ شعب وبلاد بمثل ما اكتوت سورية وشعبها منه ومن تبعاته . وهو كذلك دائماً ، يبدأ بدوافع الضرورات وبشكل مؤقت ومحدود ، ثم بقدرة قادر يدخل الأبدية ، ويصبح الشكل الواقعي والمألوف لإدارة الحياة العامة . مثل جرعات السم القليلة والمتدرجة التي تعطى للجسم ، حتى يألف الحياة المسممة ، ويتعايش معها . مثلما  فعلت أجيال من السوريين ، ولدت وعاشت وماتت في ظل الطوارئ والاستثناء عبر عقود طويلة .

بضع كلمات تسند نفسها إلى الدستور والقانون ومتطلبات المصلحة العامة ، تبدأ بكلة ” تفرض ” ، تطيح بكل أحلام الحرية والكرامة والديمقراطية ، التي ثارت من أجلها الشعوب ، ما تحقق منها ، وما يتصدر جدول الأعمال بانتظار التنفيذ . ويرمي رجل لقبه ” وزير الداخلية ” عرض الحائط بإرادة الشعب والدستور والانتخابات والبرلمانات ، بوساطة أجهزة الضبط والربط والسيطرة . ببساطة يضع ” الكلبشة ” بيد المؤسسات الشرعية ، ويحد من طموحات الناس ، ويمنعهم من أن يكونوا في موقع الفعل ، وهو ما أرادوه وثاروا له وضحوا من أجله . ببساطة أكثر يضع إرادة الحاكم الفرد فوق إرادة الجميع في الدولة والمجتمع .

لا يستطيع المجتمع الدولي والدول الغربية على وجه الخصوص ، هؤلاء الذين صدعوا رؤوسنا بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان أن يتنصلوا من مسؤولياتهم فيما حصل ويحصل . أو يتبرؤوا من نتائج المخاض الصعب لقضية الحرية في المنطقة ، والحصيلة الارتدادية والكارثية لهذا النكوص في أكثر من مكان . إن ما فعلوه ، وما لم يفعلوه ، يبرز كعامل رئيس في الانتكاسات التي تتعرض لها إرادة الشعوب في بلدان الربيع العربي . ويسأل كثيرون : هل يريدون لنا أن نبقى بين حدي المرار ، سلطات الأجهزة المستمدة من قوة الطوارئ والاستثناء ، وتسلط التنظيمات المستمد من فتاوي الإرهابيين والجهلة . وأن نختار موتاً مريحاً في أقبية التعذيب وتحت البراميل المتفجرة ، أو موتاً أقل راحة بالرجم والحرق وتحت السكين ؟ ! وبأي حق تترك النخب في المنطقة نهباً للتخوين والتكفير في زمن العولمة والثورة البيولوجية والحضارة الرقمية ؟ !

أرجو أن لا يؤرخ العالم – والتونسيون على وجه الخصوص – أن يوم السبت 4 / 7 / 2015 ، كان يوم الانتصار الرسمي للثورة المضادة في تونس . فعودة الأحكام العرفية تحمل الكثير من أفكار الشؤم واحتمالاته ، بعد أن تسللت الثورة المضادة إلى غير مكان من بلدان الربيع العربي ، وتصدرت المشهد .

” وكأنك يا بوزيد ما غزيت ”

 

جورج صبرة