سلامة كيلة

بعد تسهيل رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، سيطرة داعش على شمال العراق، وتسليمها كل السلاح الذي كان بيد الجيش، دعا المرجع الشيعي علي السيستاني إلى حشد شعبي لمواجهة “الكارثة”، فانضم عدد ممن يلتزمون بفتواه. ولكن ظهر أن العصابات التي شكلتها إيران هي من ركب الموجة، وبات هو الحشد الشعبي، والذي بات “يخضع” لـ “القائد العام للقوات المسلحة”، أي رئيس الوزراء حيدر العبادي. بالتالي، باتت العصابات الطائفية مشرّعة، ومحمية من “الدولة”.
تاريخ تلك المجموعات سيئ، وربما أكثر من ذلك: وحشي، حيث ليس داعش هو من يرتكب الجرائم، ويقتل على أساس طائفي، بل هذه المجموعات فعلت وتفعل ذلك. تشكل جزء منها على أساس طائفي في مرحلة وجوده في إيران، الدولة التي قصدت أدلجة هؤلاء طائفياً، لأن الشيعية أداتها للتدخل في العراق وكل المنطقة. ونشأ جزء منها بعد الاحتلال الأميركي على أساس طائفيٍّ كذلك، بعد أن طرحت الإمبريالية الأميركية “فكرة” حكم الأغلبية الشيعية.
وإذا كان استُقدم تنظيم القاعدة، لكي يمارس القتل الطائفي ضد الشيعة، فقد قامت هذه المجموعات بالقتل الطائفي المقابل، وقام بعضها بدور كبير في عملية الفرز الطائفي في بغداد، وهي المجموعة التي شكلت “عصائب أهل الحق”. ليخضع الشعب العراقي لداعشين، تنظيم القاعدة الأب لداعش، ودواعش “الشيعة”، وكلٌّ منها كان يمارس القتل الطائفي، ويريد تحقيق الفرز الطائفي، وقسم العراق إلى “بلدين” على أساس طائفي (لهذا، حين أُعلن عن نشوء دولة العراق الإسلامية، كانت حدودها هي المنطقة السنية من العراق فقط).
بالتالي، بات الحشد الشعبي هو مجموع هذه القوى الطائفية “الشيعية” التي توحدت من أجل السيطرة والتحكُّم بالنظام كله، مدعومةً من النظام الإيراني. ويجري السعي إلى جعلها جزءاً من بنية الدولة، لكي تصبح قوة “رسمية”، كما يجري الآن، حين مشاركتها في المعركة ضد داعش، حيث يقال إنها تحت إمرة القائد العام للجيش (أي العبادي الذي يغطي على كل ممارساتها).
شاركت في معركة تكريت ومارست فظاعات ضد الشعب، من دون أن تحاسب، ثم أشركت في معركة الفلوجة، على الرغم من فظاعاتها السابقة، وعلى الرغم من رفض أهالي الأنبار مشاركتها، ومارست فظاعات كذلك. وهي تزج الآن في معركة الموصل، ولقد بدأت بعض فظاعاتها تظهر، حتى قبل تحرير المدينة. وخطابات قادتها واضحةٌ في منحاها الطائفي، وميلها الكيدي رداً على نتائج صراع قديم.
تكمن المشكلة التي تُنتج هذه الممارسات الفظيعة في “الأيديولوجيا” التي تتعبأ بها، والتي تظهر في الشعارات والخطابات. فهؤلاء آتون للأخذ بـ “ثارات الحسين”، وشعاراتهم واضحة الطائفية، وهي تراوح بين “يا زينب” و”يا حسين”. وكأن المعركة الراهنة هي معركة علي ومعاوية، أو هي تكرار لمعركتهما، على الرغم من أن علي لم يكن شيعياً ولا كان معاوية سنياً. وهم، وهم يحدّدون طبيعة الصراع على هذه الشاكلة، يؤكدون أنهم “دواعش الشيعة” في مقابل “دواعش السنة”، أي يكونون الصيغة المقابلة لداعش، داعش الأخرى. ولهذا، يمارسون ممارساتها، ويقتلون من المنطلق ذاته، ويعيدون إلى قرون بادت منذ زمن طويل.
داعش “لعب مخابراتي” و”أيديولوجية”، وهم كذلك. حيث يظهر التعصّب الطائفي واضحاً، وهو يصبّ في خدمة السيطرة الإيرانية، إيران التي تستغلّ الشيعية من أجل السيطرة، والتحكّم في وضع المنطقة، انطلاقاً من ميلها إلى أن تكون قوة إقليمية. فهي منْ أنتج هذا الخطاب الطائفي الذي يؤسّس لكل الفظاعات التي يمارسها الحشد الشعبي. والمشكلة الأخرى أن إيران دعمت وسهّلت لداعش، وهي تستغلها الآن لسحق جزء من الشعب العراقي، لكي يضعُف ويمكن ابتلاعه، لأن بغداد هي عاصمة “الفرس”، كما صرّح بعض من زعمائها. فربما تريد من هذه الوحشية التي تمارس ضد سكان غربي العراق تخليصه من سكانه، لكي تضمن السيطرة على شرقيه.
وهي في ذلك تتلاقى مع الإمبريالية الأميركية التي أرادت تفكيك العراق.

“العربي الجديد”