يوفر إعلان الحكومة السورية المؤقتة عن تشكيل “الجيش الوطني السوري”، فرصة لجمع قوى المعارضة السورية المسلحة ضمن جيش واحد، ويسمح بتوحيد الجهود العسكرية بما قد يؤدي إلى تغيير خارطة السيطرة في الميدان السوري، ويرفع فرص المعارضة بتحقيق هدفها المتمثل بإسقاط نظام بشار الأسد. غير أن هذا الجيش، وعلى الرغم من الآمال المعقودة عليه، إلا أنه يواجه انتقادات عدة، أبرزها ارتباط بعض الفصائل المنضوية فيه بدول خارجية، إضافة إلى حديث البعض عن التباس العقيدة القتالية لهذا الجيش.

وأعلنت وزارة الدفاع التابعة للحكومة السورية المؤقتة، عن تشكيل “الجيش الوطني السوري” بموجب الاتفاق الذي وقّعت عليه في وقت سابق فصائل من الجيش السوري الحر تدعمها تركيا، وتتمركز في ريفي حلب الشمالي والشرقي. وحسب بيان الإعلان الذي تلاه نائب وزير الدفاع العقيد هيثم العفيسي، فإن الجيش مؤلف من ثلاثة فيالق، ويستهدف “إسقاط النظاموتحرير الأرض”.

وقال رئيس الحكومة المؤقتة ووزير الدفاع جواد أبو حطب، إنه عندما تكون الفصائل تحت قيادة موحدة “سيكون التحرك العسكري موحداً، ولا يستفرد النظام وأتباعه بأي منطقة”، داعياً إلى تزويد هذا الجيش بمعدات متطورة، “ليكون قوة على الأرض، وسنداً للمفاوض السياسي مع النظام”. وأوضح أبو حطب أن الجيش الذي يتكوّن من نحو 30 مجموعة عسكرية من الجيش الحر، ستكون أولوياته “الحفاظ على المناطق المحررة في إطار عملية درع الفرات، والدفاع عن الشعب السوري ضد النظام والتنظيمات الإرهابية”، مشيراً إلى أن عدد أفراده سيكون 22 ألف مقاتل، يندرجون ضمن ثلاثة فيالق، تلقى بعضها تدريبات عسكرية في تركيا، مشيداً بدور الأخيرة في “دعم الشعب السوري في كل المجالات داخل الأراضي المحررة، منذ انطلاق عملية درع الفرات”.

وجاء هذا الإعلان بعد اجتماع ضم جميع القيادات العسكرية للفصائل الموجودة في ريفي حلب الشمالي والشرقي، استكمالاً للإعلان الذي وقّعت عليه تلك الفصائل أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وكانت الحكومة المؤقتة شكّلت هيئة الأركان العامة بقيادة العقيد فضل الله الحجي، كما عيّنت العقيد عبد الحبار العكيدي، والعقيد حسن الحمادي، نواباً لوزير الدفاع.

وبرز الحديث عن إمكانية تحويل الجيش الحر إلى “جيش وطني” من قِبل تركيا في فبراير/ شباط الماضي، حين وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجيش الحر المتمثل في الفصائل المشاركة في عملية “درع الفرات”، بأنه “الجيش الوطني” لسورية، ودعا في حينه دول الخليج لتدريب هذا الجيش، مؤكداً أن تركيا تسانده. وساند الجيش التركي تلك الفصائل خلال الفترة من أغسطس/ آب 2016 وحتى مارس/ آذار الماضي في طرد تنظيم “داعش” من نحو ألفي كيلومتر مربع، بدءاً من مدينة جرابلس الحدودية على نهر الفرات، وانتهاءً بمدينة الباب، شمالي محافظة حلب، التي كانت معقلاً لـ”داعش”.

واعتبر العقيد أحمد عثمان، القائد العسكري لـ”فرقة السلطان مراد”، إحدى أبرز الفصائل الموقّعة على الاتفاق، أنه “خطوة مهمة في طريق تشكيل جيش موحّد يمثل كل السوريين”، معرباً في حديث لـ”العربي الجديد”، عن اعتقاده بأن هذه الخطوة سوف تنجح، لأن هناك إرادة حقيقية لدى كل الفصائل بإنجاحها، إضافة إلى الموقف التركي الداعم بقوة لهذه الخطوة. وقال عثمان: “الإخوة الأتراك أثبتوا أنهم مع مصلحة السوريين، وهم داعمون لأي خطوة في طريق توحيد الفصائل العسكرية، وسوف يبذلون جهوداً مضاعفة لإنجاح هذه الخطوة”.

من جهته، قال القائد العام لـ”فرقة الحمزة”، سيف أبو بكر، إن “توحيد الجهود العسكرية في الشمال السوري ضمن جيش حقيقي سيمكننا من التغلّب على عدونا وتغيير الخارطة”. وأضاف في تصريحات صحافية، أنه “سيتم اعتماد كل الفصائل وفق التراتبية العسكرية، وستكون كل الفيالق مرتبطة بوزارة الدفاع التابعة للحكومة السورية المؤقتة، وسيخضع جميع المقاتلين إلى تدريبات عسكرية وفق الأنظمة العسكرية”. كما أعلن أنه تم الاتفاق على إنشاء إدارة جمركية للمعابر وفق الأنظمة الدولية، واعتماد نظام جمركي موحد لكل الأبواب الدولية تحت إشراف الحكومة المؤقتة، لافتاً إلى أنه سيتم دعم الحكومة من الواردات والمجالس المحلية.

وخلال الاجتماعات السابقة الممهدة لتشكيل الجيش، تم الاتفاق على أربع نقاط بشأن معابر المنطقة، وإعادة الهيكلة على مرحلتين، تتضمن الأولى تشكيل ثلاثة فيالق: الأول تحت مسمى “الجيش الوطني”، والثاني “فيلق السلطان مراد”، والثالث “فيلق الجبهة الشامية”. وبعد انتهاء المرحلة الأولى بشهر، تبدأ المرحلة الثانية، بإلغاء مسميات الفصائل والتعامل مع الجيش الواحد، على أساس ثلاث فرق في كل فيلق، وثلاثة ألوية ضمن كل فرقة، وثلاث كتائب ضمن كل لواء، وهو ما يشبه التراتبية العسكرية الموجودة حالياً في جيش النظام.

 ومن المقرر أن يتم في المرحلة الثانية التي تبدأ مع الإعلان عن تشكيل هذا الجيش، تسلم الأسلحة والسيارات والمعدات والمقرات لوزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة التي ستكون أيضاً هي المسؤولة عن إدارة المعابر مع تركيا، على أن توضع كل وارداتها في خزينة واحدة تحت تصرف الحكومة، التي توزع الواردات بشكل عادل على المجالس المحلية والجيش الحر.
وقالت مصادر من الفصائل الموقّعة على البيان، إن المقاتلين في “الجيش الموحد” سيتقاضون مرتبات شهرية، وجرى إعداد قوائم بأعداد المقاتلين. وأوضحت المصادر أنه تم تعيين العقيد فضل الله الحجي رئيساً لأركان الجيش الجديد، على أن يكون كل من العقيد عبد الجبار محمد عكيدي، والعقيد حسن مرعي حمادة نائبين له. كما ينوب العقيد أحمد عثمان عن قطاع شمال حلب، والعقيد عماد كوكش عن قطاع غرب وجنوب حلب، والعقيد محمود عواد عن قطاع الساحل. وجرى تعيين العقيد مصطفى رحال نائباً عن قطاع إدلب، والعقيد عبد السلام المرعي عن قطاع حمص، والعقيد عمار النمر عن قطاع ريف دمشق، والعقيد موسى السالم عن قطاع درعا، والعقيد ناصر العبدلله عن قطاع المنطقة الشرقية، والعقيد معتصم الحموية عن قطاع حماة، والعقيد يوسف الأطرش عن قطاع القنيطرة.

وكانت سلسلة اندماجات قد حصلت في الأشهر الأخيرة بين الفصائل تمهيداً لإعلان تشكيل هذا الجيش، مثل الإعلان عن تشكيل “الفيلق الثاني” في ريف حلب الشمالي أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كخطوة تمهيدية للانتقال من الحالة الفصائلية إلى جيش منظّم. وجاء ذلك بعد أيام من تشكيل “الفيلق الأول” والمكوّن من كتلة “الجيش الوطني” المدرب في تركيا.
وفي سياق الإعداد لهذا الجيش، وضعت هيئة الأركان التابعة للحكومة المؤقتة يدها على ثلاث كليات عسكرية شمالي حلب، في مقدمتها كلية عبدالقادر الصالح والتي كانت تسيطر عليها “الجبهة الشامية” واستلمتها هيئة الأركان في 11 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ومن المقرر أن ترفد هذه الكلية الجيش الوطني بالضباط الجدد. كما استلمت الحكومة كلية أخرى يعكف على إنشائها “لواء المعتصم”، إضافة إلى كلية استلمتها من “فرقة الحمزة” بعد حوالي شهر ونصف الشهر من إنشائها في مدينة الباب في ريف حلب الشرقي. كما تضم المنطقة التي يعمل فيها الجيش العتيد، ثلاثة معابر مع تركيا، هي معبر باب السلامة، ومعبر جرابلس، إضافة إلى معبر الراعي غير الرسمي.

ومقابل الآمال المعقودة على هذا الجيش، إلا أن تشكيله يلاقي انتقادات. فقد اعتبر الخبير العسكري العميد أحمد رحال، أن هذه الخطوة منقوصة وغير موفقة، واصفاً الجيش الجديد بأنه “إعلامي من دون مفعول حقيقي”. وأضاف رحال في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الجيش المعلن عنه يفتقر إلى التراتبية العسكرية والهيكلية التنظيمية، إضافة إلى العقيدة القتالية التي تتبنى أهداف الثورة. وتساءل: “هل من المنطقي أن يكون قائدا فيلقين من هذا الجيش برتبة ملازم، وأحدهما مدني أصلاً وليس ضابطاً، بينما هناك عمداء وألوية منشقون؟”، مشيراً إلى أن “تشكيل الجيش ليس من اختصاص رئيس الحكومة جواد أبو حطب، وهو أمر يجب أن يتولاه ضباط محترفون أو أن يكون على رأس وزارة الدفاع ضابط رفيع وليس أبو حطب”. وأضاف أن “العقيدة القتالية لهذا الجيش ملتبسة، لأن أهدافه يجب أن تكون شاملة تتضمن محاربة نظام الأسد وإيران وحزب الله وليس الإرهاب فقط بغية استهداف هيئة تحرير الشام إرضاء لأجندات إقليمية ودولية”.

من جهته، كان اللواء المنشق محمد حاج علي، قال لـ”العربي الجديد”، تعليقاً على هذه التطورات، إنه بحكم معرفته بالأشخاص القائمين على هذه الخطوة، فإنه يستبعد نجاحها، إلا في حال وجود ضغط تركي قوي على قادة الفصائل الموقّعة. وحول خلو المناصب المقترحة من أي رتبة عسكرية أعلى من رتبة العقيد، رأى حاج علي أن ذلك سببه ربما تسهيل سيطرة من يقف خلف هذه الخطوة على الجيش المقترح، لافتاً إلى أن الأنظمة العسكرية لا تسمح أيضاً بوجود رتبة عسكرية ضمن الجيش أعلى من رتبة قائد الجيش. وكان حاج علي أعلن تأسيس “الجيش السوري الموحد” بقيادته منذ أشهر قليلة بعد جهود استمرت أكثر من عام، مشيراً إلى أنه يضم في صفوفه أكثر من ألف ضابط وأغلبهم داخل الأراضي السورية يقاتلون نظام الأسد. وعما إذا كان هناك مزاج دولي وإقليمي يمكن أن يشجع خطوة تشكيل جيش وطني سوري بديل لجيش النظام، قال حاج علي “مشكلتنا منذ بداية الثورة هي كثرة الفصائلية وتوجهاتها المرتبطة بالدول التي تدعمها وتوجهها، ومن الضروري أن يتم التوحد وتشكيل قيادة عسكرية واحدة تحت سلطة الحكومة المؤقتة، لكن وفق الأسس والأصول العسكرية والتراتبية المعهودة في كل جيوش العالم”.

وكانت الدعوة إلى تشكيل جيش وطني ووزارة دفاع للمعارضة السورية، صدرت عن “المجلس الإسلامي السوري” وتبنّتها فوراً الحكومة المؤقتة، لتلاقي بعد ذلك تأييداً واسعاً من مجمل فصائل المعارضة، وهو ما يشير إلى تعطش ساحة المعارضة إلى خطوة من هذا القبيل بعد سلسلة من الفشل وخيبات الأمل من أداء الفصائل المسلحة. والواقع أن الحديث حول ضرورة تشكيل جيش وطني لقوى المعارضة السياسية والعسكرية ظل يتصاعد عقب كل خسارة تُمنى بها المعارضة السورية، وارتفعت أسهمه بشكل خاص بعد سقوط مدينة حلب العام الماضي، والتي شكلت بداية لسلسلة من الانهيارات لقوى المعارضة المسلحة. وطالب الائتلاف الوطني السوري قبل أشهر الدول الداعمة والصديقة، بدعم تشكيل جيش وطني موحد. وقدمت تركيا زخماً للفكرة بعد توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة بسبب اعتماد الأخيرة على “قوات سورية الديمقراطية”.