تذكر بعض الروايات التاريخية أن أحد الذين قاتلوا في جيش يزيد في المعركة التي قتل فيها الحسين كان يعيش حالة من الانقسام النفسي بين أمرين:

رهبته من مواجهة سبط النبي من جهة، وتشوفه لتحقيق مأرب شخصي إذ كان يحلم بملك الري التي وعده الأمويون بأن ينصبوه والياً عليها من جهة أخرى.

وقد عبر عن انقسامه بهذه الأبيات:

لعمرك ما أدري وإني لحائر

أقلب في أمري على خطرين

أأترك ملك الري والري منيتي

أم ارجع مأثوماً بقتل حسين

وفي قتله النار التي ليس دونها

حجاب وملك الري قرة عيني

ولما كان الخوف من عذاب النار أضعف من الرغبة الدنيوية العاجلة في إلحاحه على عقله ووجدانه فقد فضل الثانية على الأولى

تعزز حالة هذا الشخص الفرضية المفسرة لحدوث الفتن والتي فحواها أن حدوثها دالة لانقسام تضطرب بسببه قلوب المنخرطين فيها بين الهوى الرسالي وبين الهوى الشخصي.

الأول يدعوهم للتضحية بالشخصي على قربان المبدئي، والثاني يحثهم على استعجال تقاسم الغنائم قبل أن تفوت الفرصة.

ليست كل تمرد على القديم منطويا على قيم ثورية نبيلة وليس كل حرص على هذا القديم عزوفا عن التجدد والتغيير.

فممكنات التغيير يمكن استيلادها من جوف القديم، واحتمالات النكوص يمكن أن تقبع في محاولات التمرد عليه.

ليس ما يسميه البعض انشقاقاً في حزب الشعب إلا تعبيراً عن تنازع بين متطلبات رسالية ومآرب شخصية. ولا يمكن بأي حال وصم أفراد متمرّد عليهم مقيمين في دمشق، راسخين على موقف مواجهة الاستبداد بكل ما يحملونه على صدورهم من أوسمة النضال المشهود له تاريخياً بوصف الباحثين عن الغنائم، ولا يمكن بالمقابل إضفاء وصف الثوريين ذوي الروح الرسالية على متمردين يعيشون حالة استرخاء خارج ساحة المعركة، وقد ارتفعت عقيرتهم بالمطالبة بالتغيير منذ أجل قصير بينما لم تكن تحس منهم من أحد قبل ذلك أو تسمع لهم ركزا.

وبخصوص اكتشافهم الجديد الذي يصم قيادة حزب الشعب بالاستبداد والإقصاء فإنه يذكّر بتفسير أحد المثقفين القوميين لحادثة إسلام عمر بن الخطاب بأن ما جرى معه كان نوعا من الكشف يشبه ما حدث لأرخميدس عندما صرخ: وجدتها وجدتها؛ لأن هذا الكشف الذي نسب البعض حقوقه لنفسه جاء بعد تحالف مع هذه القيادة المستبدة وتغنّ برمزيتها لمدة ثلاثة عقود.

ليس الحديث عن غنائم مستعجلة اتهاما بالخيانة والعمالة والارتزاق ولكننا نزعم أن للتمرد أسبابا تتدرج من البحث عن المجد الشخصي، إلى التعبير عن نوازع نفسية تعتمل في نفوس البعض منذ زمن ليس بالقصير وقد وجدت الفضاء المناسب للإفصاح عن نفسها اليوم، أو الرعب من أعلام داعش السوداء من قبل مهجوسين بأقليتهم.

وما تغليفها بدعاوى فاشية القيادة وتقصيرها إلا غلافا هشا لا يمكن له حفظ المنتج الذي بداخله، ولا منع انكشاف قيمته الزهيدة.

المهم أن للفتن دوافع تعتمل داخل نفوس المنخرطين فيها، وإذا استحضرنا حالة الشخص الذي ذكرناه في بداية النص لن نستطيع منع أنفسنا من الإحساس بقدر من التعاطف مع حالته، ولكننا في محاولتنا لتفهم حالة المنشقين عن حزب الشعب من أجل استفزاز حد أدنى من التعاطف لم نجد اضطراباً شبيها باضطراب ذلك الرجل، وإنما غلبة واضحة وبشكل طاغ للشخصي على الرسالي.