هناك مثل تركي يقول: “سأل أحدهم الجمل أي طرف فيك أعوج؟ فأجاب: أي طرف فيّ مستقيم؟”
ربما ينطبق هذا على معظم المقاربات التي تناولت القضية السورية ابتداء من انطلاق المظاهرات الشعبية التي طالبت بالإصلاح في بدايات العام ٢٠١١ وانتهاء بمؤتمر جنيف الجاري انعقاده حالياً في ظلّ حالة حرب داخلية بإدارة دولية .

فمنذ أن أطلق جيش الديكتاتور بشار الأسد الرصاصات الأولى على المعتصمين المدنيين في مسجد العمري في درعا ودمر عربات الإسعاف التي أتت لنجدتهم وقتل من فيها، وحتى مجازر النظام اليوم في معضمية الشام والتي بدأها برمي أكثر من ٧٠ برميلاً متفجراً على أهالي المدينة التي تشهد حالات موت من الجوع بسبب الحصار المطبق تزامناً مع انطلاق محادثات جنيف التي أعلن المبعوث الأممي السيد ستيفان دي مستورا انطلاقها اليوم، وسياسة الديكتاتور بشار الأسد واضحة المعالم في الهتاف الذي أطلقه شبيحته “الأسد أو لا أحد”.

في مقابل ذلك فإن هدف تعويم النظام ما يزال هو الهمّ الذي يشغل جهود الدول المؤثرة التي استغلت الفراغ الناجم عن الفوضى التي أوجدها النظام نفسه في سوريا. مما أوجد تقاطعات تكاد تكون متطابقة بين سياسات معظم الدول التي تدعي صداقة شعب سوريا وتلك التي تستمر في دعم النظام لقتل الشعب والإبقاء على حالة الفوضى التي يغذيها كل من النظام والتطرف.

فمع إعلان نظام بشار الأسد التخلي عن مخزونه الاستراتيجي من السلاح الكيماوي بعد أن برهن فعاليته في مجزرة الغوطة في آب ٢٠١٣ إثر صفقة بين روسيا وأمريكا مع غض النظر عن احتفاظ الأول بما يمكنه من استخدام الكيماوي لحسم المواجهات الحرجة مع الجيش الحر مستقبلاً مما حصل بالفعل في عدة حالات موثقة، وكذلك بعد انطلاق المفاوضات الأولى بين أمريكا وإيران في عُمان بعد عام من اتفاق الكيماوي والتي مهدت للاتفاق النووي فيما بعد، حصل تطابق بين سياسة أمريكا وروسيا من جهة وبين أمريكا وإيران من جهة أخرى فيما يتعلق بالقضية السورية.

هذا الوضع الجديد حفّز المبعوث الأممي إلى سوريا لأن يرفع أشرعة سفينة التسوية السياسية حسب الرياح التي تهب بعد لقاءات كيري – لافروف ، متغافلاً عن القرارات الأممية السابقة المتعلقة بالموضوع السوري ومتجاهلاً مخرجات وتوصيات جهود سابقيه كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي.

ليس وحده ستيفان دي مستورا فقط الذي ركب موجة التوافق الثلاثي الأمريكي-الروسي-الإيراني وإنما أغلب الدول التي بشكل أو بآخر انخرطت في الموضوع السوري والتي كانت بوصلتها مرهونة بتوجه الدول الكبرى أعادت تقييم مقارباتها وتشكيل مواقفها بما يناسب الوضع الجديد، مما أنتج مسار فيينا مؤخراً والذي أتاح للصين وروسيا وإيران الانخراط في “المجموعة الدولية لدعم سوريا” كبديل لمجموعة أصدقاء الشعب السوري وكمسار مواز يجعل مسار جنيف كأساس للتسوية السياسية في الظل. وهذا بدا جلياً في دعوات دي مستورا الأخيرة وتركيزه على مفهوم “محادثات داخلية “سورية بدل من “مفاوضات” بين نظام ومعارضة وكذلك تصريحاته بأن محادثات جنيف الحالية لا يمكن اعتبارها جنيف ٣.

التقارير الصحفية التي صدرت في الآونة الأخيرة حول تستر موظف الأمم المتحدة يعقوب الحلو على حالات الموت تحت الحصار في مناطق مختلفة في سوريا ورهن التقارير المرسلة إلى كي مون بموافقة أجهزة مخابرات النظام تعكس الحالة المزرية التي وصلت إليها الأمم المتحدة في ظل إدارة السيد دي مستورا للملف السوري.

اختزال السيد دي مستورا هدف المحادثات الحالية بمحاربة الاٍرهاب ووقف إطلاق النار وحصر الموضوع التفاوضي بتشكيل دستور للبلاد والتحضير لانتخابات نيابية يقلل إلى حدّ العدم من أهمية قيمة عملية التسوية الحالية.
فالعالم بأجمعه أصبح يعرف أن مصدر الاٍرهاب والقتل والفوضى الناجمة في سوريا والتي بدأت بالانتشار في المنطقة هو الأسد نفسه رأس هذا النظام والعصابة التي تحيط به من الأسماء المدرجة على اللوائح السوداء الدولية. إحصاءات منظمات حقوق الإنسان في العام ٢٠١٥ فقط ومنها الشبكة السورية لحقوق الإنسان تظهر أن النظام ألقى ما لا يقل عن ١٧٣١٨ برميلاً متفجراً على عدة مناطق في سوريا قتلت ٢٠٣٢ مدنياً بينهم ٤٩٩ طفلاً و٣٣٨ امرأة واستهدفت ٥٢ مسجداً، ٣٩ مدرسة و٣٣ منشأة طبية و٣ مناطق أثرية و١٩ سوقاً شعبية وارتكب في نفس العام ٣٨٩ مجرزة راح ضحيتها ١٢٠٤٤ مدنياً.

كما نفذ الطيران الروسي أكثر من ١٥٨٧٠ هجمة جوية ٨٤ ٪‏ منها استهدفت المناطق السكنية والأسواق الشعبية.
بينما على مدى السنوات الخمس فإن ضحايا داعش شكلت أقل من ٪‏١ فقط من ضحايا النظام من المدنيين اذ قَتَل النظام ١٨٠٨٧٩ مدنياً على مدى السنوات الخمس الماضية بينما قتلت داعش ١٧٠١٢ مدنياً.

قوى الثورة والمعارضة السورية التي سعت لتشكيل الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض الذي جمع أطياف المعارضة في الشهر الأخير من العام الفائت منحت ثقتها لرئيس الوزراء السابق د.رياض حجاب كي يكون منسقاً عاماً للهيئة. انتشر دعم الحاضنة الشعبية لمواقف هذه الهيئة تجاه عملية التسوية السياسية بشكل ملفت للنظر.

اذ أثبتت الهيئة التزامها بتطلعات الشعب السوري بإعلان جهوزيتها للمفاوضات وفق أجندة واضحة كما نصت القرارات الدولية وبشكل أساسي القرار٢١١٨ الذي نص على تشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية بكامل الصلاحيات. وباعتبار أن رفع الحصار وإطلاق سراح المخطوفين والمعتقلين المدنيين وعلى رأسهم النساء والأطفال هي شروط إنسانية فوق تفاوضية ومن لُب عمل الأمم المتحدة كما نص على تطبيقها الفوري القرار الأخير لمجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ في المادتين ١٢-١٣ فتحقيق هذه الشروط هو اختبار لقدرة الأمم المتحدة على رعاية التسوية السياسية وضمان تطبيقها.

إذ من يفقد القدرة على إيصال الغذاء والدواء إلى المحاصرين في المعضمية ومضايا وداريا والغوطة والوعر ودير الزور ومناطق أخرى والعمل على تحرير النساء والأطفال من أقبية معتقلات النظام ، كيف له أن يضمن تحقيق الاستقرار برعاية تسوية سياسية أحد أطرافها مجرم حرب تدعمه دولة عضو دائم في مجلس الأمن؟

خالد خوجة

رئيس الائتلاف الوطني لقوى المعارضة