1. رغم أنف الجميع، لن تغتصبي مرة أخرى

 

في علم النفس تعميم قلما يتخلف، وهو أن الجاني في عملية الاغتصاب عادة ما يكون ذا بنية نفسية هشة، وهو فاعل يعاني عقدة انتقام مستحكمة جرّاء ظروف معينة مرّ بها في حياته، وأن الضحية غالبًا ما تكون كائنًا ضعيفًا يستطيع الجاني أن يمارس ضده عنفًا عانى هو نوعًا من أنواعه.

في الفيلم الذي عرضته قناة فرنسية عن جرائم اغتصاب سوريات في أقبية المخابرات السورية لا تكلف نفسك مؤونة كبيرة لإدراك تشوه الفاعل آمرًا كان أم منفذًا، ولكنك تستفرغ الجهد بلا جدوى في درك الصمت المريب على هذه الجرائم.

وتكاد تكفر بكلّ القيم التي يرفعها العالم المتحضر، وأنت تشهد عزوفًا عن إدانة مقترنة بفعل لنظام الإجرام على ممارساته الضالعة في السوء والرذيلة.

لم نكن نحن السوريين لنستغرب هذه الممارسات التي لا تمثل بالنسبة إلينا إلا تجليًا من تجليات اغتصاب للحياة بكل أبعادها يمارسه النظام بآلة حيوانية ضدنا منذ أربعين عامًا.

وإذا كان سلوك الاستخذاء الذي انتهجناه ناتجًا عن تعرضنا لعنف غير مسبوق استمرأه الجلاد الأب بعد أن كسر إرادتنا بعنف غير مسبوق في ثمانينيات القرن الماضي، فإن نهج غض النظر الذي يمارسه العالم والمعارضة الكاريكاتورية صنيعة النظام عن هذا الاغتصاب يجعلان منهما شريكين في جريمة اغتصابنا.

ربما يكون التباس مفهوم الشرف وعدم الاتفاق على تحديده تحديدًا نهائيًا مبررًا لاختلاف في الرؤى بين بعض المبشرين بقيم الحداثة الغربية من السوريين من دون انتقاء للقابل منها للتكيف مع قيم مجتمعنا من غير القابل لذلك، وبين المحافظين، ولكنه لا يصلح مبررًا لغضّ النظر عن جرائم انتهاك للإنسانية.

يمكن أن يجد أمثال لؤي الحسين وهيثم مناع في الحدث السوري مضطربًا لفهوم وتأويلات مختلفة يتفنّنون فيه كما يحلو لهم في اختلاق مواقف رمادية، ولكنهم لا يمكن أن يعبروا في عدم إدانتهم لجرائم الاغتصاب إلا عن فقدان لقيم الرجولة بمعانيها الإنسانية العامة وليس بمدلولاتها الشرقية.

وهو الفقدان نفسه لقيم الرجولة الذي يعانيه ممثلو الدول في صمتهم عن هذه الجرائم.

ولكننا بالمقابل قد لقينا عنتًا من أدعياء حداثة من أبناء جلدتنا لم يمنعهم النظام من نفث حقدهم على قيم المجتمع بعد أن اكتملت مصادرته للدولة والمجتمع، فراحوا يروّجون منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي لمفهوم للشرف مغاير للمفهوم السائد في نخبوية لا أساس موضوعيًا لها لا تعبر إلا عن نقص تجاه القيم الغربية. وفي حادثة طريفة ألقى أحدهم محاضرة في جامعة دمشق يدعو فيها للحرية الجنسية وبلغ شغفه بدعوته مبلغًا جعله ينفعل في طرحه للسؤال: إذا كان غشاء البكارة هو مقياس الشرف عند الأنثى فما مقياس الشرف عند الذكر؟

فأجابه أحد الحضور ساخرًا: غشاء الطبل.

في الجواب سخرية من الطرح تعبر عن رفض مطلق للمحاولة البائسة التي لا يعرف صاحبها، وهو يريد تغيير مفاهيم الشرف معنى الانقلاب على منظومة القيم، وما يتطلبه من حفر عميق في طبقات غائرة لثقافة المجتمع؛ من أجل تغييرها، وجعلها قابلة للانسجام مع مفاهيم مستجلبة من منظومة أخرى.

ويجهل أيضًا أن هذا الانقلاب لا يكفي لتحققه رغبة مستلبين جاهلين بتراثهم.

إن ما فعله هؤلاء بافتقاره إلى أساس نظري كفيل بتبرعمه مثل أيضًا مساهمة مع النظام في جريمة اغتصاب رمزيّ لقيم المجتمع ومفاهيمه الراسخة من دون أن يكون بالضرورة تواطؤًا مقصودًا.

والعنت نفسه لقيناه من أدعياء سلفية موتورة ضيقوا مفهوم الشرف وحصروه في جسد المرأة ممارسين بذلك اغتصابًا رمزيًا لإنسانيتها وكرامتها؛ إذ أصبحت بفعلهم هذا مادة للاستمتاع لا أكثر.

لكل هذه الأطراف: العالم الصامت صمتًا مريبًا لا أخلاقيًا، والمعارضة صنيعة النظام، وأدعياء الحداثة الكاريكاتورية، والباحثين في المرأة عن متعة الفراش فحسب نقول:

إن شرفنا الذي ينتهك في زنازين النظام يعني أمرين:

الأول: أنكم جميعًا ساهمتم في استمراء نظام الإجرام لانتهاك شرفنا، وقدمتم له بالصمت أو بالاغتصاب الرمزي لقيم مجتمعنا أداة مكنته من صبّ مفرزاته المنتنة على رموز طهرنا وعفافنا.

والثاني: أننا سنكون بلا ذرة شرف إذا قبلنا التعايش مع هذا النظام مهما تلطى من يحاولون تأهيله خلف مقولات الواقعية السياسية، وضرورة مجاراة متغيرات اللحظة.

رئيس التحرير