ليس من باب السخرية والشماتة بنجل الأسد الذي يبدو أن أبويه قد أوهماه أن السلطة كفيلة بتمليك صاحبها كلّ ما يشتهي، وبجعل الإمكانيات كلها طوع أمره، وإنما من قبيل الشفقة على هذا الغلام الذي تتبدد أمال عريضة أُرضعها منذ استهلاله صرخته الأولى في الحياة.

فهو يفقد أمله في خلافة أبيه وجده مع كلّ يوم تغرب شمسه، ولم ينفعه اسم مؤسس العائلة الذي أطلق عليه -ربما بدافع إيمان بدائي بقدرة الأسماء على تسخير الطبيعة- في جعل حلمه يقاوم التلاشي مع كل صرخة مظلوم في أقبية الإجرام، ومع كل شهقة طفل تزهق روحه براميل جيش أبيه.

وقد خيب حافظ الأسد الصغير ظن السيدة الأولى بحصوله على مرتبة متأخرة جدًا في مسابقة الرياضيات في البرازيل، وهي نتيجة ما كان لها أن تكون غير ذلك لأسباب عديدة:

إذا كان الله قد خلق الكون على أساس الرياضيات كما عبّر مرة أحد الفلاسفة، فإن الرياضيات لغة إنشاء وبناء جماليين، والذرية التي تنتسب إلى عائلة لا تستطيع أن ترى في الجمال إلا عدوًا، وتحيل كل تجلياته إلى قبح لا يمكن لها أن تفهم هذه اللغة وتبدع فيها.

والإصرار على إيهام الذات بالقدرة على التعاطي مع اللغة تعاطيًا إبداعيًا لا يمكن أن يفسر إلا بالاستجابة لشعور عميق بالقبح الداخلي الذي يريد أن يظهر نفسه بمظهر مغاير.

وإذا كان العرب قد أبدعوا في نمذجة المواضيع نمذجة رياضية، صانعين بذلك نظامًا رمزيًا مفتوحًا دائمًا على التطور والإضافة الكمية والنوعية، وفي جعل المواضيع تنتظم في بنى نظرية انتظامًا يملك قابلية التطور نفسها، وهي إضافتهم العبقرية في مجال الرياضيات في عهود الازدهار، فإن الذرية التي تنتسب إلى عائلة لا تستطيع التعاطي مع الرموز -ما خلا رمزها الوحيد وهو رمز الاستبداد والظلم-؛ بسبب عجزها عن أخذ مسافة عن أوحال الواقع القذر بكل ما يلطخه من دم وخيانة، و الذي تغرق فيه إلى أذنيها لا يمكن أن تتعاطى مع لغة الرموز الخالصة، والرموز التقنية.

وإذا صحت النظرية -التي لا نوافق عليها- أن العرب بحكم بنيتهم الفكرية القائمة على الانفصال؛ بسبب بيئتهم الصحراوية قد برعوا في الجبر القائم على الكمّات المنفصلة، ولم يبرعوا في الهندسة القائمة على الاتصال، فإن الذرية التي تنتسب إلى عائلة لا صلة لها بالأرومة العربية لا يمكن لها أن تبرع فيما برع فيه العرب.

تحتاج العلوم الراقية إلى أفراد على درجة معينة من الرقي الحضاريّ والأخلاقيّ، وأنى لذرية تنتسب إلى من يمثلون البربرية في أوضح صورها أن يخرجوا من ذواتهم، ويغيروا جلودهم؛ لكي يستطيعوا أن يتعاطوا مع هذه العلوم.

لا يستحيل الوحش إنسانًا إذا سكن في قصر منيف، وارتدى أحدث الأزياء المستوردة، واستقلّ أحدث وسائل النقل.

عائلة تهدم ولا تبني، وتدعي العروبة زورًا، ولا تعرف من الرموز إلا رمزًا للجريمة تستمد منه مقومات وجودها لا يمكن لها أن تنجب مبدعًا إلا فيما أبدعت فيه هي من هدم وتشويه وقتل لكلّ معاني الحياة، وكل رموزها الجميلة.

ينتقم التاريخ لنفسه ممن امتطى صهوته بالصعود على جماجم الأبرياء، وعلى صكوك بيع البلاد، ويعيد اسم المؤسس الذي تسمى به الحفيد -لسوء حظه- إلى مكانه الطبيعي، إلى قائمة المهزومين وفاقدي الأمل في كلّ شيء.

رئيس التحرير