حملة” فليذهب السوريون” التي أطلقها مواطنون أتراك تعبيرًا عن ضيقهم بالسوريين اللاجئين في سورية ذرعًا لا تنفصل عن الوضع السياسي المتوتر الذي تشهده المنطقة.
فلا شك أن جهات معادية للسياسة التركية في الداخل والخارج تحاول أن تذكي نار الفتنة في تركيا لكي تقض مضاجع صناع القرار الأتراك، وهو متغير لا يمكن أن يكون قادرًا على التفسير لوحده ما لم يضف إليه تطاول مكث السوريين في تركيا، وبرم نسبة من الأتراك بوجودهم، وممارسات غير مسؤولة بدرت من بعض اللاجئين السوريين لا يستوعب كل فرد تركي خطأ تعميمها.
والتعاقب بين الحملة وبين جريمة اغتصاب المرأة السورية وقتلها مع طفلها الرضيع لا يمكن أن يكون محض صدفة؛ فسواء كانت الجريمة تعبيرًا عن تنفيذ لمطلب الحملة ذاهب إلى أقصى مداه، أم أثرًا من آثارها وجد في بنية القاتل المشوهة مكانًا هشًا قابلًا للتأثر بها فالنتيجة واحدة، وهي أن الحملة كانت سببًا مباشرًا أو غير مباشر في وقوع الجريمة.
موقف المواطنين الأتراك الغاضبين مما جرى موقف إنساني مشرّف، وقد ردّ كيد محرّضي الفتنة في نحورهم، فقد انقلبت الآية، وحلّ التعاطف مع السوريين محلّ الموقف العدائي منهم.
في علم النفس تعميم قلما يتخلف، وهو أن الجاني في عملية الاغتصاب عادة ما يكون ذا بنية نفسية هشة، وهو فاعل يعاني عقدة انتقام مستحكمة جرّاء ظروف معينة مرّ بها في حياته، وأن الضحية غالبًا ما تكون كائنًا ضعيفًا يستطيع الجاني أن يمارس ضده عنفًا عانى هو نوعًا من أنواعه.
وبعيدًا عن أسباب الجاني في الجريمة المتعيّنة هذه، فإن الضحية كانت سيدة حاملًا، وطفلًا رضيعًا، وهي حادثة يمكن أن تقع في أي ظرف مكانيّ وزمانيّ آخر، ولكنها لم تُثر مكامن الانتقام، وتستهوِ شهوة ممارسة العنف لو لم تكن سيدة مطرودة من بلدها، فاقدة مكوّنًا ماهويًا من مكوّنات إنسانيتها، وهو تقدير الآخر الذي يصعب أن يكون مكتملًا في حال كحالها.
حال فقدت فيها عزة الإنسان في وطنه، واستحالت إلى شبح إنسان هارب عبر الحدود للنجاة بحياته وحياة أطفاله هربًا من برميل حاقد، أو صاروخ أعمى، أو زنزانة مظلمة في إحدى أقبية مقرات النظام الأمنية الموبوءة.
لا نملك إلا أن نشكر كلّ مرهف حسّ تعاطف مع الضحية، ولكن ليعلم هؤلاء المتعاطفون أننا نحن السوريين نُغتصب منذ أربعين عامًا على يد عصابة مجرمة، وأننا عندما صرخنا من الألم فجّرنا لدى مغتصبنا كلّ ساديته فانهال علينا ضربًا بكلّ ما أوتي من قوة، ولم يكتف بذلك بل حوّل الحال إلى اغتصاب جماعي عندما استجلب شذّاذ الآفاق من حلفائه ليشاركوه جريمته.
ليست الضحية السورية وطفلها إلا معادلًا موضوعيًا لشعب مسحوق سلبت منه أبسط مقومات إنسانيته، حريته وكرامته، وليس الرضيع إلا معادلًا موضوعيًا لجيل كامل حُرم حقه الطبيعيّ في الحياة، وليس الجنين الذي كان في أحشائها إلا معادلًا موضوعيًا للحياة التي غالبها الموت الذي يلاحق به النظام شعبه في كلّ ركن وتحت أي سقف فغلبها.
رئيس التحرير