نقول الأسطورة الشيعية إن قاتل الحسين -سبط النبي- شمر بن جوشن قد عوقب بالتيه في الصحراء تيهًا أبديًا، فكلما رأى قافلة استوقفها لعلها تكون وِردًا يخفّف عطشه تبخّر الماء، وعاد إلى تيهه، وبحثه الذي لا نهاية له عن شربة ماء.

ولعلها مفارقة أن يعبر قاسم سليماني عن لقائه بالمتعالي على تخوم هذه الصحراء، مرسلًا رسالة إلى أنصاره وخصومه أن وعد إلهه له وشيك التحقق.

وهو إله غير إله الرسالة المحمدية الواحد، فقد فرضت القوالب المسبقة لمعتقدات الفرس على تصوره الأصلي تشكلا آخر، فجعلته إلهًا بالغ القسوة، متحيزًا، ولا تُجدل الصلة به إلا عن طريق وحي استعاده الإمام المعصوم، هو غير الوحي الذي نزل بالرسالة على محمد.

وفي الفترة نفسها صلّى بشار الأسد مطمئنًا في وسط مدينة حماة التي أتت طائرات أبيه عليها من القواعد، وأحالتها ترابًا قبل أكثر من ثلاثة عقود، مرسلًا رسالة إلى السوريين أن التاريخ قد أعاد نفسه، وأن المدينة التي رمزت للتمرد على الأب فركّعها لا تزال تحت حرابه، وأن ما تبقى من بؤر ثائرة ستكون تحت هذه الحراب في الأجل القريب.

وهو إذ يعبّر أيضًا كحليفه عن لقاء بالمتعالي، فهو بالتأكيد ليس المتعالي الذي يعبده المسلمون، وإنما متعالٍ آخر فرضت عليه عبودية السلطة الموروثة أن يتماهى مع الأخيرة، ويُختزل بها.

وبينما يبعث الرجلان -إذا استخدمنا التعبير مجازيًا- برسالتيهما ينفجر في الجوار صراع بين دول لا تزال محكومة بالبنية القبلية التي لم تجدِ القشرة الحضارية في ستر تخلّفها، وتشعل أوار هذا الصراع الدولة التي يُفترض أنها ممثّلة رسالة التوحيد النقي.

والحال أنها قد فرضت على عقيدة التوحيد مسبّقاتها القبلية، فأحالت الإله الواحد إلى طوطم قبليّ، فأشركت به إشراكًا من نوع آخر، ولهذا لم تستطع أن تحرز تفوقًا على خصومها من عبدة الأوثان اللذين تمثل الحالتان المذكورتان آنفًا أنموذجين صارخين لها.

ويستخدم الثلاثة آلهتهم المخترعة في صراع مع إله اخترعته داعش مغاير للإله الذي دعت الرسالة المحمدية إلى عبادته، إذ حوّلته إلى مشروع سياسي تُسفك من أجل تحقيقه دماء الأبرياء من دون رحمة ولا شفقة.

أحالت هذه التصورات الوثنية الصراع إلى حرب آلهة يجمع بينها قاسم مشترك أكبر هو أنها آلهة قسوة، وقد فُرض عليها من جانب عبيدها أن تقحم في صراع مدمر لا يقيم وزنًا لقيم أخلاقية، ولا لاعتبارات إنسانية.

إنها الميثولوجيا الإغريقية مختزلة في صراع الآلهة، ومنزوعًا منها نواها العقلانية، وإبداعها، وكلّ أبعادها الفنية الساحرة.

يُهان المعتقد إذا وصفت به الأسطورة؛ لأن المعتقد مرحلة متجاوزة لها بعد أن تُستخلص منها نواها العقلانية، ولهذا فإن وصف ما تدين به هذه الأطراف بالاعتقاد وصف مجانب للصواب.

لا يعبد هؤلاء الله، وعقيدة التوحيد التي يدين بها الموحّدون لن تستطيع كبح جماحهم ما لم يجدلها أصحابها في علاقة جدلية مع السياق التاريخي، وما لم يغالبوا الأساطير بالاعتقاد المحايث للواقع، والمواكب لتطوراته، والمستوعب لمتغيّراته.

رئيس التحرير