يقال إن أبا الحسن الأشعري عندما قرر ترك مذهب الاعتزال، صعد إلى المنبر، وخلع قميصه، وألقاه في ساحة المسجد وهو يقول: لقد خلعت مذهب الاعتزال كما أخلع قميصي هذا.

وفي أحد التفسيرات المغربة لتصرفه الذي لا يخلو من عنف؛ يكون خلع مذهب الاعتزال محاولة للتخلص من سلطة الأب، وهو زوج أمه المعتزلي؛ ولأنه لا يستطيع قتله قتلًا ماديًا، فقد عبر بخلع قميصه عن قتله قتلًا رمزيًا.

حيثيات سيكولوجية سوسيولوجية-بحسب هذا التفسير- كانت خلف نشوء مدرسة عقدية متكاملة.

وهي مدرسة عقدية لا تملك ألا تعجب بتماسك جهازها النظري، وقوة استدلالاتها المنطقية.

حاولتْ تفنيد مقولات المعتزلة، بقصد التوحيد المحض-حسب زعم مؤسسيها- وتنزيه الواحد عن كل ما يفضي إلى التشبيه في صفاته، وعدم وضع الصدارة للعقل الذي لا يستطيع التحسن والتقبيح من دون نص.

وخاضت في تأويل الصفات الإلهية خوضًا جعل المدرسة السلفية في العقيدة تحكم على معتنقيها بالمروق من الدين.

بينما عدّ الأشاعرة تأويلهم منضبطًا بقواعد عقلية شرعية لغوية، واتهموا مخالفيهم بالقصور في فهم معاني آيات الصفات.

ظلّ التخندق قائمًا بينهم، وبين مخالفيهم في العقيدة إلى يوم الناس هذا.

فقد استغرق كل من الطرفين في إثبات مقدمات حججه إثباتًا لا يؤتي أكلًا؛ لأن المنهج الاستدلالي المتبع هو الاستدلال البرهاني الذي يصر على القطع بصحة مقدماته، وهي محاولة غالبًا ما تفشل؛ لأن المقدمات التي يستخدمها كل منهما جدلية وغير ممكن البتّ في قطعيتها.

وورثاء المؤسسين كرسوا التخندق؛ لأنهم لم يرثوا الخلاف فحسب؛ وإنما أضافوا إليه جهل كل طرف بنظيره، وهو افتقار إلى الوعي بالمغاير يعمق أحادية التفكير ويفضي-حتمًا- إلى الإقصاء.

ربما لا نستطيع تأكيد الحادثة المذكورة في البداية، ولكن ما نستطيع تأكيده أن الظن بقدرة العقل لوحده على بناء منظومة عقدية، قصور عن إدراك محدوديته، وربما كان دافع هذا الوهم نفسيًا أو اجتماعيًا.

وبالمقابل فإن الظن بقدرة النص على تشييد هذه المنظومة، عجز عن إدراك قصور المستوى اللغوي عن مستوى الوجود؛ فاللغة بنيات رمزية لا تستطيع استحضار الوجود المشخّص.

المهم أن هذين الطرفين الأقدر على تمثيل أهل السنة والجماعة، لم يكونا قادرين على جسر الهوة يينهما، وهو ما يصلح تفسيرًا لوقاحة راعي مؤتمر الشيشان الذي دعا هوامش هذا المتن؛ من أجل تحديد من هم أهل السنة والجماعة.

والأمر المثير للاشمئزاز أن ما فعله راعي المؤتمر لم يحفزهما لفضّ تنازعهما على التمثيل، وإنما كان سببًا لتصعيد الخلاف بينهما.

كان الأجدر أن يمثل أهل السنة والجماعة في ظل هذا الواقع المزري شخصان:

الطفل عمران بقميصه المصبوغ الدم، بعد انتشاله من بين أنقاض البيت الذي أتى عليه طيران المجرم بوتين، ويلوح بقميصه القاني ويلقيه في وجه المؤتمرين وراعي مؤتمرهم، كما فعل أبو الحسن الأشعري.

والطفل أيلان الذي ألقاه اليم على الشاطئ وهو يحاول الهروب من براميل الإجرام الأسدي، ليقول لهم: أنا السني الذي أهدرتم حقه في الحياة، وأنا من يمثل أهل السنة والجماعة الذين يتواطأ ضدهم العالم كله، ويساهم في مأساتهم المهجوسون بجدالات القرون الوسطى.

رئيس التحرير