حنا صالح

إيران لن تنسحب من سوريا!!
كلام خطير، خصوصاً عندما يكون قائله زعيم «حزب الله»، حسن نصر الله، الذي أعلن بثقة أن الوجود العسكري الإيراني باقٍ في سوريا! لماذا سيبقى هذا الوجود العسكري؟ وما الضرورة والداعي لذلك؟ وهل تكفي للبقاء الرغبة في الهيمنة؟ أم أن ما يجري على الأرض بوليصة هذا البقاء الذي جعل نصر الله مرتاحاً في تأكيده؟ لا أحد يملك جواباً نهائياً؛ فالمنطقة على صفيح ساخن، وموازين القوى الحالية آنية لا نهائية!
منذ عقدين بدأ يتبلور الوجود الإيراني في سوريا، بعدما كانت بداياته مع مجيء الخميني إلى الحكم والحديث عن وجود 49 مقاماً شيعياً. ما يلفت الانتباه أن منطقة مقام السيدة زينب في عام 1976 كانت بلدة سنّية خالصة، لكن مع تأسيس الحوزات بدأت هجرات شيعية من إيران والعراق إليها، وفي عام 2012، تم إجلاء آخر الأسر السنّية عنها.
لافت أيضاً أن الحجاج الإيرانيين الذين لم يتجاوزوا الـ30 ألفاً في عام 1980، بلغوا 270 ألفاً في عام 2003، وتجاوزوا المليون عشية اندلاع الثورة… ومثير أيضاً أن سوريا قبل عام 1976، كانت خالية من أي حوزة علمية شيعية، وقد اقتصر الأمر على اثنتين حتى عام 1995، ليصبح العدد بعد عام 2000 أكثر من 69 حوزة ونحو 500 حسينية وكليات دينية كانت قبل عام 2011 تستقبل ما لا يقل عن 5 آلاف منتسب من جنسيات إيرانية وعراقية ولبنانية وباكستانية وأفغانية، وفي عام 2018، تم تأسيس الجامعة الإسلامية (أزاد)، ومهمتها خلق شريحة اجتماعية تروج للنفوذ الثقافي الإيراني!
بلغ الاستثمار الإيراني في سوريا أرقاماً فلكية، ما وفّر أرضية ملائمة للجنرال قاسم سليماني ومستشاريه. بعد إجهاض الانتفاضة بداية عام 2012، ارتكبت ميليشيات «الحرس الثوري» الفظائع ضد المدنيين لإحداث تغييرات ديموغرافية وتوازنات جديدة، لكن تلك الميليشيات انهارت سريعاً، ولم يستأنف سليماني مخططه إلاّ بعد التدخل الروسي الذي اعتمد نهج الأرض المحروقة، ما غيّر من ميزان القوى… وبدأ الوجود الإيراني يتحول إلى مشروع احتلال دائم، من خلال القواعد العسكرية لـ«فيلق القدس»، وتسريع ظاهرة الاستيطان!
لا مبالغة في القول إن «سوريا جديدة» يجري عمل إيراني حثيث على خلقها بالتعاون مع النظام السوري، وهذه الظاهرة يدركها الروس، وهم يعرفون خطرها على هيمنتهم ودورهم فيحاولون الحدَّ منها عبر إمساكهم بأدوات القمع من وزارة الدفاع وأركان الجيش ومؤخراً الأجهزة الأمنية، وكم كان صادماً أن يعلن الأسد على أنقاض مدينة داريا المهدمة والمهجرة أن سوريا «كسبت مجتمعاً أكثر نقاء وأكثر تجانساً»!! آنذاك كانت عمليات التغيير الديموغرافي في ذروتها. 50 في المائة من السوريين صاروا بين لاجئين في الخارج، عددهم نحو 6 ملايين، وملايين النازحين في الداخل، مع إصرار على إعادة تشكيل النسيج الجغرافي السياسي لمجتمع عرف تعايشاً لقرونٍ كثيرة. والمثال الأبرز تمثل في تهجير معظم منطقة القلمون المحاذية للبنان من القصير حتى الجولان، وتحجيم الكتلة السنية الكبيرة بين دمشق وحمص، واندفعت ميليشيات سليماني لإقامة مشاريع مستوطنات شيعية في وسط سوريا وشرقها وباتجاه حلب وفي سهل الغاب بين حماة وحمص!
في الثاني من أبريل (نيسان) 2018، صدر القانون رقم 10، وهو قانون عقابي له شبيه صهيوني، القصد منه تدمير أي إمكانية لعودة الذين تم اقتلاعهم أو هربوا من الموت. يوم صدوره كانت انتهت اشتباكات الغوطة وطال التهجير دوما ومحيطها، فرمى القانون الذي تزامن مع إحراقٍ متعمَّد للسجلات العقارية إلى إغلاق الأبواب أمام عودة غالبية اللاجئين والنازحين، والسبب أنه أمهل أصحاب الحقوق شهراً واحداً للتصريح عن أملاكهم وتقديم أوراقهمٍ الثبوتية، وإلاّ تم وضع اليد عليها!! كان واضحاً أن عودة المهجّر أشبه بعملية انتحارية، فجرى انتزاع أغلبية الأراضي، لأنه وفق دراسة للمجلس النرويجي للاجئين تمكن 17 في المائة من اللاجئين من امتلاك وثائق ملكية، مقابل 9 في المائة فقط من النازحين تمكنوا من الحفاظ على سجلاتهم!
أثرياء الحرب من الموالين للنظام والمستثمرين المؤيدين من إيران كانوا المستفيدين الذين استولوا على العقارات والأراضي، وحتّم منحى فرض الهيمنة الفارسية اتساعاً في عمليات التجنيس للاستيطان وهو شكل التعويض عن فشل عمليات التشييع، والحديث يدور عن رقم موطّنين قارب المليون مجنس!
تتريك في الشمال، حيث الاحتلال التركي، وتجنيس استيطاني فارسي في أغلب مناطق «سيطرة» النظام، وما يثير الأسئلة هو الصمت العالمي عما يجري. المعازل العنصرية في جنوب أفريقيا لم توفر حماية لحكم الأقلية العنصرية، ومثلها في زيمبابوي (روديسيا سابقاً). وحده الاحتلال الإسرائيلي استمر في فلسطين لأنه حاز كل الحمايات الدولية، فما حمايات هذا الاحتلال الاستيطاني في القرن الـ21؟ إن الأخطار التي تتم تحت أنظار المجتمع الدولي ستكون الطريق الأقصر لتجدد الحرب وبدء دورة دم جديدة. كل الحروب يُعرف متى تبدأ لكن لا أحد يعرف متى تنتهي، وما التأكيد ببقاء الاحتلال الإيراني إلاّ أضغاث أحلام!