تطورات الأحداث السريعة في إيران، شكلت مفاجأة غير سارة لموسكو، لجهة التوقيت وبسبب انتقال الاحتجاجات من تبني مطالب اقتصادية معيشية إصلاحية، إلى رفع شعارات سياسية تطالب بالقصاص من النخبة السياسية في البلاد.

لم تكن موسكو مستعدة وهي تحتفل مع نهاية العام بنجاحها في رسم ملامح واقع جديد في سورية والتحضير لترجمته سياسياً، لتطور قد يربك خططها ليس في سورية وحدها، بل وفي المنطقة.

المتابعة الروسية الحذرة للحدث الإيراني، تطورت من إقرار في البداية، بأن التظاهرات تعبر عن «سخط شعبي على الأوضاع المعيشية والاقتصادية» وفقاً لبيان حذّر الروس في إيران من التواجد في المناطق التي تشهد اشتباكات. إلى خطاب اقترب في مضمونه من الرواية الرسمية لطهران التي تحمّل «الأعداء» مسؤولية تفاقم الموقف وتتحدث عن «مؤامرة خارجية».

وموسكو وهي تحذر من «تدخل خارجي يهدف إلى زعزعة الاستقرار في البلاد» كشفت عن مخاوف جدية لديها من انزلاق الأمور نحو سيناريو «المواجهات العنيفة وسفك الدماء».

على رغم المفارقة التي عكسها الموقف الروسي المعلن، لجهة أن روسيا لم ترَ في مقتل عشرات في أسبوع سفكاً للدماء. لكن الأهم أن لهجة التحذير، والتشديد على رفض التدخل من الخارج، عكسا إسراعاً في التلويح بأن موسكو لن تسمح بتحويل الاحتجاجات في إيران إلى عنصر ضغط إضافي على طهران، خصوصاً أن لديها خبرة طويلة في عرقلة أي تحرك دولي يرفع شعار مواجهة العنف الزائد ضد المتظاهرين.

ليس من السهل على روسيا وهي ترسخ وجوداً دائماً في المنطقة، أن يتعرض شريكها الإقليمي الأساسي لهزات كبرى. والأمر ذاته ينسحب على تركيا وإن بدرجة أقل، ويكفي تذكّر الموقف الروسي المعارض منذ اللحظة الأولى لمحاولة الانقلاب العسكري في تركيا منتصف 2016.

والخشية الروسية لها ما يبررها. خصوصاً مع قناعة جزء مهم من النخبة الروسية بأن إيران حتى لو نجحت في سحق الانتفاضة وتكرار سيناريو عام 2009، ستخرج أضعف وأقل قدرة على المناورة إقليمياً. لأن الهوة ستتسع بين النخب المسيطرة وجزء كبير من الإيرانيين، ما يعني تزايد وتائر الاحتجاجات وتكرار التظاهرات. كما أن الصراع سيحتدم أكثر بين الإصلاحيين والمحافظين. وكل من الطرفين يسعى إلى توظيف الاحتجاجات لمصلحة مواقفه، الأول من خلال التقاط المطالب الإصلاحية المرفوعة في الشارع لتبرير سياساته، والثاني لأنه يعتبر التدهور الحاصل فشلاً للفريق الإصلاحي ما يستوجب سياسة داخلية أكثر تشدداً.

هذه القناعة التي عبر عنها مقربون من الكرملين، تضع رهانها الأكبر على انحسار الاحتجاجات، لكنها تدفع موسكو في الوقت ذاته، إلى مراجعة حساباتها والاستعداد لكل السيناريوات المستقبلية بما في ذلك انشغال طهران داخلياً لفترة على الأقل.

صحيح أن روسيا لا تشاطر إيران في كل سياساتها الإقليمية، وخصوصاً ما يتعلق بتسليح وتمويل «حزب الله» أو التدخل في شؤون بلدان المنطقة. لكن ثمة خشية روسية من أن انحسار الدور الإيراني سينعكس على السياسات التي أطلقتها موسكو في المنطقة وهي تستند في جزء مهم منها إلى التحالفات الإقليمية وبالدرجة الأولى مع طهران.

والتوازن الدقيق الذي أقامته روسيا حتى الآن في الشرق الأوسط، من خلال الحفاظ على روابط مؤثرة مع كل الأطراف، يبدو معرضاً لهزة كبيرة، على خلفية الهزات التي أحدثتها الاحتجاجات في المدن الإيرانية. وسيكون على موسكو التي أعلنت أكثر من مرة أمام زوارها العرب أنها لا ترى في السياسة الإيرانية الإقليمية تهديداً لأي طرف، أن تضع خيارات بديلة، لا يبدو الكرملين مستعداً لها، على الأقل حالياً.