عمر قدور

الاسم الرسمي “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، وأصحابه ذكّرونا بوجوده مع نهاية الشهر الفائت بمناسبة انعقاد هيئتهم العامة وانتخابهم رئيساً جديداً له ورئيساً للحكومة المؤقتة المنبثقة عنه، ويبدو أن الانتخابات كانت سلسلة على الطريقة الروسية إذ تبادل رئيس الائتلاف ورئيس الحكومة موقعيهما بما يذكّر بالمداورة بين بوتين وميدفيدف. خبر الانتخابات نال سخرية قليلة وعابرة من السوريين على وسائل التواصل، بينما أعفت الغالبية نفسها من الانتباه إليه، ولا يُستبعد أن يكون هذا أقصى ما يطمح إليه قادته.

الائتلاف كما نعلم يحظى باعتراف قوى دولية وإقليمية كممثل للمعارضة والثورة، ومن هذا الموقع هو مشارك في هيئة التفاوض، ومرشح للمشاركة والتوقيع على أية تسوية تخص سوريا بين الأطراف الدولية والإقليمية المشاركة في الملف. من السهل على أي منا القول أن الائتلاف لا يمثله، ولا يمثل الثورة، أو لا يمثّل سوى القوى الخارجية الداعمة له، إلا أن جميع هذه الأقوال المعبَّر عنها هنا وهناك لا تلغي دور الائتلاف ضمن الحدود المسموح له بها خارجياً.

ولعل تصفح الموقع الرسمي للائتلاف يكون فرصة لتصفح تهافت ما نحن إزاءه، ويكشف عن حجمه الذي لا يُختزل نظرياً بمجرد النظر إليه كمؤسسة من مؤسسات عديدة. في الموقع مثلاً نحظى بالتعرف على الكتل السياسية الأربع المنضوية فيه، وهي “حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي” وحركة “معاً من أجل سورية حرة وديمقراطية” و”الكتلة الوطنية الديمقراطية” و”تيار مواطنة”. المجلس الوطني يأتي ذكره منفرداً كواحد من مكونات الائتلاف، ليأتي وجه الطرافة بالتعريف به فنقرأ في البند الأول من مبادئه الأساسية: العمل على إسقاط النظام بكل الوسائل المشروعة. ثم نقرأ في البند الثالث: الحفاظ على سلمية الثورة السورية وأخلاقياتها!

إلى جوار المجلس الوطني “الذي يريد الحفاظ على سلمية الثورة” سنعثر على “مجلس القيادة العسكرية العليا للجيش الحر، من يذكر هذه التسمية؟ ونقرأ شرحاً مفصلاً عن تراتبية عسكرية تشرف على خمس جبهات، مع تعريف ينص على أن “مجلس القيادة العسكرية العليا هو أعلى سلطة في الجمهورية العربية السورية”. علينا أن ننسى أن الجبهات الخمس المشار إليها لم يعد لها وجود، وأن تسمية الجيش الحر صارت منذ سنوات خارج التداول، وأن اسماً من الأسماء المدرجة في الموقع مثل “زهران علوش” قائد جيش الإسلام سابقاً قد قُتل وتنظيمه بأكمله غادر منطقة سيطرته في الغوطة.

بالإضافة إلى حضور “المجلس الوطني الكردي” و”المكوّن السرياني الآشوري” و”المكوّن التركماني”، سنجد في تركيبة الائتلاف ما يُسمى “شخصيات وطنية ومستقلة” لا تُعرف معايير اختيارها، وثمة أيضاً “المجالس المحلية السورية” وهي تجربة لم تثبت حضوراً في المناطق التي كانت خارج سيطرة الأسد بسبب تسلط العسكر أو المجالس الشرعية التابعة للفصائل الإسلامية.

لو افترضنا أن متصفحاً قليل الخبرة في الشأن السوري، ويعلم أن الائتلاف يحظى باعتراف خارجي نسبي كممثل للثورة، فما يوفّره الموقع يعزز الاعتقاد أن للائتلاف حيثية سياسية وعسكرية ومدنية جامعة، وينبغي أن يتحلى بالكثير من سوء النية “أو الاطلاع على الواقع” ليستخف بمجمل المعلومات التي يقرأها. وحتى إذا لم يتعلق الأمر بمتصفح قليل الخبرة، الدول التي تتعاطى مع الائتلاف كممثل للثورة، وهي مدركة لتهافت تمثيله وتريده هكذا، تلك الدول تتصرف وستتصرف لاحقاً على أساس الادعاءات التي يحملها الائتلاف لتلصقها بالسوريين، الادعاءات التي لم ينتقص منها لغاية الآن سوى بروز منصات سياسية أكثر تهافتاً نالت من حصة الائتلاف في ما يُسمى الهيئة العليا للتفاوض، وهي بدورها تمثل قوى خارجية.

افتقار الائتلاف إلى شرعية تمثيلية شأن قد يرضي القائمين عليه لأن ذلك يعفيهم من المساءلة، ولو ظلوا يتاجرون بشعارات الثورة. الأهم والأبلغ تأثيراً أنه يرضي قوى الخارج ويساعدها على فرض مشيئتها في الملف السوري، إذ ليس هناك فراغ أفضل من الذي تمثله سلطة متوحشة ومنهارة مثل الأسد، وتمثّله في الطرف الآخر معارضة يكاد تمثيلها يقتصر على العاملين فيها وبضعة منتفعين آخرين.

المصيبة أن ما سبق لا يحدث للتو، لقد بدأت الروائح الكريهة تنبعث من جسد الائتلاف منذ ست سنوات، ليتوالى بعدها السقوط وليتعزز الارتهان للخارج. خلال السنوات نفسها، نفترض أن الذين توالوا على مناصب الائتلاف والراسخين فيها قد سمعوا أو قرأوا شتى الانتقادات الموجّهة لهم من أنصار الثورة، فضلاً عن الأشخاص الذين انسحبوا من الائتلاف. إلا أن ذلك كله بقي بلا أثر على الإطلاق، بل استمر الائتلاف في مسيرته بما يشبه استحمار الآخرين، إذ واظب أركانه على النطق باسم ثورة لم يعودوا يمتون إليها بصلة، أو ثورة ساهموا في الإجهاز عليها وعلى صورتها أمام العالم.

تعبير “الاستحمار” كان السوريون قد رفعوه في مظاهراتهم الأولى، بلافتات تخاطب سلطة الأسد بـ”لا للاستحمار”، والمقصود به آنذاك محاولات الأسد استغباء السوريين. حينها لم يكن أكثر السوريين تشاؤماً ليتوقع أن تأتي هيئة تمثل الثورة لتحاول استحمارهم أيضاً، إما بشعارات لا تعكس واقع الانتهازيين والمرتهنين فيها، أو ببهلوانيات تزعم الديموقراطية وهي لا تعدو كونها مداورة في المناصب أو تنازعاً عليها، أو أحياناً إعادة توزيع بناء على رغبة الداعمين، وقبل هذا وذاك بعدم الإصغاء إلى من يفترض بها تمثيلهم.

لكن يتوجب علينا الحذر كي لا نحمّل المسؤولية كاملةً لهيئة مكشوفة على هذا النحو، فذلك يعفي المنتقدين على كثرتهم من مسؤولية الفعل السياسي، وهي مفارقة صارخة ألا يجد من ثاروا ضد الأسد وسيلة للفعل السياسي خارج منظومته سوى التذمر والانتظار. كأن السماء ستمطر معارضة وقيادات مختلفة عما هو موجود، أو كأن هناك قوى خفية مناط بها التقدم للعمل في الحقل السياسي نيابة عن المتذمرين. إذا شئنا اختزال الحالة الشاذة، واختزال ما هو أقل من الخبر متمثلاً بانتخابات الائتلاف، ربما يكفي التساؤل: كيف لمن لا يستطيع تنحية معارضة بهذا التهافت أن يفكر بإسقاط الأسد؟