رحلت الدكتورة أسماء الفيصل، زوجة المناضل رياض الترك “ابن العم”، في كندا بعد صراع طويل مع المرض، بعيدا عن زوجها ومدينتها حمص وبلدها سورية.

درست الدكتورة أسماء الطب في جامعة دمشق وتخرجت في العام ١٩٥٦ وكانت ناشطة سياسية منذ الخمسينات وشاركت في المظاهرات وفي النضال ضد حكم الشيشكلي ومن ثم ضد الدولة البوليسية في قترة الوحدة. وتزوجت من رياض الترك ابن العم في العام ١٩٦٥، بعد سنتين من خروجه من سجن عبد الناصر.

في العام ١٩٨٠ وفي ذروة التحرك الشعبي بعد اضراب النقابات وإعلان تشكيل التجمع الوطني الديمقراطي الذي انطوت فيه خمسة أحزاب وطنية سورية، اعتقلت الدكتورة أسماء الفيصل لنشاطها السياسي. ويومها كان النظام قد حسم امره في سحق هذا التحرك وفي اعتقال أغلب رموزه وقياداته، وكان شديد الاستنفار من أجل اعتقال ابن العم رياض الترك الذي كان متخفيا في العمل السري منذ فترة طويلة، ولم تكن أجهزة امن النظام تملك وقتها أي صورة حديثة لابن العم.

بعد اعتقال الدكتورة اسماء اقتحمت مخابرات النظام بيت العائلة بحثا عن صور جديدة لابن العم، لكن أيديهم لم تقع على شيء، لأن ابنتا رياض الترك والدكتورة اسمه، نسرين وخزامة، وكانتا يومها طفلتين، نجحتا في إخفاء كل ما لديهم من صور للعائلة. لا بل أن خزامة وكانت لا تتجاوز من العمر عشر سنوات، اسرعت لإخفاء رأسها تحت غطاء الفراش ظنا منها ان المخابرات ممكن ان تتعرف على ملامح والدها رياض الترك من خلالها وجهها هي، بسبب الشبة الكبير بينهما.

بعد عدة شهور اعتقل رياض الترك في دمشق في مداهمة لواحده من مقرات الحزب السرية وبقي في السجن لمدة ١٧ عاما وأربعة أشهر، وبقيت الابنتان مع اقربائهم، محرومتان من والديهما لمدة سنتين ونصف. وهي الفترة التي امضتها الدكتورة أسماء في الاعتقال متنقلة من فرع التحقيق العسكري الى سجن دوما النسائي.

في سجن دوما النسائي وضعت الدكتورة أسماء الفيصل داخل مهجع مع المعتقلات الإسلاميات وساعدت في ولادة واحدة من الامهات السجينات داخل السجن. وكبر هذا الطفل في سنواته الأولى داخل مهجع الاعتقال مع بقية النساء حتى انه تطبع بطباعهن. واذكر كيف روت لي الدكتورة أسماء ان هذا الطفل كان يقلد بقية النساء ويسارع لوضع الغطاء على رأسه كلما دخل شرطي او رجل أمن الى المهجع. وكانت قمة السعادة لهذا الطفل عندما رأى لأول مره في حياته من خلال بوابة السجن حمارا كان يأكل النفايات بالقرب من سور السجن. وبقي الطفل لشهور عده يقلد مشية الحمار وصوته.

خرجت الدكتورة أسماء من السجن وانتظرت أكثر من عشر سنوات قبل ان تعرف إذا كان زوجها المعتقل، حيا او ميتا، وقبل ان يسمح لها بزيارته مره واحدة كل سنه. وانتظرت الدكتورة أسماء ما مجمله ١٧ عاما ونصف قبل ان يطلق سراح رياض الترك ويعود الى بيته والى الحياة السياسية المعارضة والى التحدي في ذروة جبروت حافظ الاسد. ولكن ما هي الا سنيين قليله حتى اعتقل الأسد الابن، رياض الترك من جديد في خضم حراك ربيع دمشق في العام ٢٠٠١ واودعه السجن لمدة عامين ونصف، لم تتوقف خلالها الدكتورة أسماء عن زيارة ابن العم في سجن عدرا في دمشق مرة كل شهر حتى الافراج عنه.

في الفترة التي سبقت اندلاع الثورة السورية دخل رياض الترك في العمل السري من جديد، وظلت الدكتورة أسماء مواظبة على لقائه سرا، وفي العام ٢٠١٢ غادرت الدكتورة أسماء مضطرة بيتها في جورة الشياح في حمص الى حلب، وانتقلت بعدها الى كندا الى جانب ابنتها نسرين في انتظار ان تعود الى سورية خالية من حكم الاسد. ولم تمض شهور على مغادرة الدكتورة أسماء لبيتها حتى قامت عصابات الشبيحة بنهب وحرق كل ما فيه من اثاث وكتب وذكريات وصور شخصية.

واليوم اذ تغادرنا الدكتورة أسماء بعيدة عن سورية الجريحة والمثخنة، وبعيدة عن زوجها وأهلها ورفاقها، حالها كحال ملايين السوريين المنتشرين في اصقاع الأرض، فإن عزائنا أن ابن العم لا يزال صامدا في الدخل كما أراد وارتضى، وأن هناك رفاق لها لا يزالون مرابطين في الدخل السوري، يقبضون على جمر الامل والحرية والكرامة.
رحم الله الدكتورة أسماء والصبر والسلوان لابن العم ولنسرين و خزامى الترك.