فائق المير

يناير 2012

 

هنا نص حوار مطول مع الأستاذ فائق المير الناشط السياسي ابن بلدة القدموس والقيادي في حزب الشعب الديموقراطي الذي يتزعمه المناضل رياض الترك .. يتناول الحوار تاريخ الأستاذ فائق الشخصي والنضالي والكثير من النقاط الشائكة في الثورة السورية من خوف الأقليات إلى وحدة المعارضة والتدخل الخارجي إلى مسألة طائفية النظام ووضع الطائفة العلوية

 

نشكر الاستاذ فائق على صدره الرحب الذي استقبل من خلاله أسئلتنا ورحب بكل تواضع بالحوار مع حركة شباب مصياف الثورة

 

ملف الحوار إعداد : غفار عيساوي

 

1- الاستاذ فائق المير نرجو أن تعرف جمهور صفحتنا على نفسك وعلى تاريخك النضالي في المعارضة السورية وفي حزب الشعب الديموقراطي (بقيادة رياض الترك).

 

بداية أرحب وأفخر بتيار شباب / مصيا ف الثورة / وبكل شابات وشباب سوريا الذين أشعلوا الثورة السورية العظيمة , ويصنعون من خلالها غداً أفضل لكل السوريين . وأحب أن أنوه إلى كثرة الأسئلة المطروحة من قبلكم وتشابكها وبما يصعب على المرء الإجابة عنها بالكامل في لقاء , ومع ذلك سأحاول الإجابة عنها قدر المستطاع وبما يخدم الحوار واللحظة السورية الاستثنائية التي نعيشها جميعاً .

 

فائق المير أسعد مواليد بلدة القد موس /1954/ , في العام 1972 انتقلت مع عائلتي إلى مدينة الطبقة وفي نفس العام حصلت على الثانوية العامة وانتقلت إلى حلب لدراسة المعهد المتوسط كهرباء التابع لجامعة حلب ثم عدت للعمل في سد الفرات وبقيت هناك حتى العام 2003 حيث انتقلت إلى مدينة طرطوس ومازالت عائلتي تقيم هناك ,متزوج من السيدة سمر دخيل من مدينة السلمية , ولدي ولدان /علي/ خريج جيولوجيا ويعمل مع إحدى الشركات الأجنبية في منبج و /فرح /خريجة أدب انكليزي .كان لي شرف الانضمام للحزب الشيوعي السوري ـالمكتب السياسي ـ في العام1972 ومع بداية الافتراق عن المدرسة البكداشية ونقاط الخلاف الأساسية كانت تتمحور حول نقطتين أساسيتن آنذاك هما / ضرورة استقلالية الحزب في سياساته وقراراته الوطنية ,والموقف من نظام حافظ الأسد وبالتالي مسألة المشاركة بالجبهة الوطنية التقدمية /. في نيسان من العام 1979 اعتقلت لمدة شهر من المخابرات العسكرية لتوزيعي وحيازتي منشورات للحزب , وفي آذار من العام 1983 سرحت من عملي بناء على طلب من إدارة الأمن السياسي , وفي نيسان من العام 1987 اعتقلت من قبل الأمن السياسي بالرقة لمدة خمسة وثلاثين يوماً بنفس التهمة ,وفي تشرين من نفس العام تَّم مداهمة منزلي من قبل الأمن السياسي لاعتقالي ولنفس الأسباب ـ الانتماء للحزب والنشاط فيه ـ , تواريت عن الأنظار إلى أن تمّ اعتقالي في العام 1989 في مدينة دمشق من قبل فرع المنطقة للأمن العسكري حيث بقيت فيه قرابة الثلاث سنوات في الزنازين ومن ثم تمّ نقلي إلى سجن صيد نايا حيث حكمت من محكمة امن الدولة لمدة عشر سنوات وأفرج عني في نهاية العام1999 بعد انتهاء الحكم , في العام 2002 اعتقلت لمدة أسبوع من قبل الأمن العسكري في حمص , ولمدة عشرة أيام من قبل الأمن السياسي في اللاذقية , وفي العام 2006 اعتقلت من قبل امن الدولة بدمشق بعد زياراتي إلى لبنان وتقديم التعزية بالشهداء /جورج حاوي وسمير القصير وجبران تويني /, وحكم علي في تلك القضية بالسجن ثلاث سنوات خفضت إلى عام ونصف قضيتها في سجن عدرا , وفي العام 2010 داهم الأمن منزلي في مدينة طرطوس من أجل اعتقالي , فتواريت عن الأنظار منذ ذلك الحين وحتى الآن , وقد تمّ الحكم عليَّ بهذه القضية غيابياً بالسجن خمسة عشر عاماً من قبل القضاء العسكري بتهمة / وهن عزيمة الأمة/ , وأنا الآن أعيش داخل سوريا .

 

في العام 1986 توليت مهام قيادية في الحزب في المنطقة الشرقية , وفي العام 1988 سميت كادراً مركزياً في , وفي العام2003 عينت عضواً في اللجنة المركزية وفي المكتب السياسي للحزب , وفي المؤتمر السادس تمّ انتخابي لعضوية اللجنة المركزية م للأمانة المركزية , ومازلت أشغل هذه المواقع حتى الآن , وقد تمّ تغيير أسم الحزب إلى حزب الشعب الديمقراطي السوري في المؤتمر المذكور .

 

 

 

2 – نود أن نناقش معك مسألة الأقليات والطبقة الوسطى الصامتة باعتبارك تنحدر من إحدى الأقليات (الطائفة الاسماعيلية) وباعتبارك ناشط سياسي في صفوف المعارضة وداعم لسياسات حزب الشعب الديموقراطي وإعلان دمشق والمجلس الوطني السوري، هل خوف الأقليات والطبقة الوسطى حقيقي أم أنه مجرد دعاية إعلامية يدافع عنها أبواق النظام ؟ لماذا لم تستطع هذه الفئات من بلورة تعبيرات احتجاجية كالتي بلورتها مدن حمص وحماه ودرعا والدير وادلب أو كالنموذج الذي قدمه المجتمع الأهلي والريفي ؟

 

هل يحق سياسيا وأخلاقيا للأقليات والطبقة الوسطى أن تطالب بضمانات ؟ هل قدمت المعارضة السورية ما يكفي من الضمانات لهذه الأقليات وتلك الطبقة ؟ هل يمكن أن ينتهي الطموح الأديولوجي للتيار الإسلامي الصاعد بالمطالبة بدولة إسلامية على الطريقة الإيرانية أو الطالبانية ؟

 

 

 

بداية أنا لست داعماً لسياسات الحزب وإعلان دمشق فقط , وإنما واحدٌ من المساهمين في صناعتها , وأتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية لكل تبعاتها . أمّا مسألة قلق وخوف الأقليات فهو غير مبرر ومغالى فيه, ويعود في أساسه لعاملين هما : أولاً ـ طبيعة الأقليات في أي مجتمع ومخاوفها من الذوبان في بحر الأكثرية , أو ما يمكن اعتباره القلق الوجودي لأية أقلية اجتماعية , ثانياً ـ نهج السلطة وسياساتها القائمة على التمييز وبث الفرقة بين مكونات النسيج الاجتماعي السوري في محاولة منها لإبقائه ضعيفاً ومطواعاً لأوامرها , وقد لعبت أحداث الثمانينات دوراً كبيراً في تنامي هذا القلق وزيادة المخاوف بعد فائض العنف الذي مارسه النظام بحق طائفة بعينها ومن ثم بحق المجتمع السوري كله, وعمليات العنف المضاد وذات التوجه الطائفي الذي قامت به بعض المجموعات الإسلامية آنذاك , وقد استثمرت الطغمة هذا الأمر جيداً في شدها للعصبيات الطائفية لأبناء الطائفة العلوية بشكل خاص ولأبناء الأقليات الأخرى بشكل عام , كما قامت بتقديم مكاسب وامتيازات بهذا الشأن . أما الحديث عن ضمانات تقدم للأقليات أو للطبقة الوسطى أو لغيرها لقاء انخراطها بالثورة وبالمشروع الوطني الديمقراطي …, فهو ليس أكثر من بيع الوهم لهم وجعلهم كمن يقبضون على الريح لا على ضمانات حقيقية , فلا أحد يمكنه أن يمنح ضمانات لأحد وليس مطلوباً مثل هذه الأمور كشرط للانخراط بالثورة , فالضمانة الوحيدة لكل السوريين وعلى مختلف مشاربهم قي هذه المرحلة وكل المراحل تأتي من خلال انخراطهم بالمشروع الوطني الجامع في هذه المرحلة وكل المراحل اللاحقة , وفي غير ذلك ليس إلّا انتقاصاً وضعفاً في المشروع الوطني الديمقراطي , الذي لن يستوي إلا بمشاركة الجميع فيه .وعن الطبقة الوسطى أو ما تبقى منها فلا أعتقد أنها تطالب بضمانات أو أنها خارج صف الثورة , بل يمكن القول انها المتضرر الأكبر من سياسات الطغمة و وقسم كبير منها في قلب الثورة . يبقى إقامة الدولة المدنية الديمقراطية ذات الدستور المؤسس على مبدأ فصل السلطات وعلى التداول السلمي للسلطة , وعلى حقوق المواطنة الكاملة والقائمة على المساواة بالحقوق والواجبات هو الضمانة الأكبر لكل السوريين . وقد قدمت المعارضة السورية من خلال برامجها وتصوراتها لسوريا المستقبل ولطبيعة النظام القادم ما يكفي من الضمانات ,وذلك من خلال الدعوة لإقامة الدولة المدنية الديمقراطية المؤسسة على مفهوم المواطنة والمساواة بالحقوق والواجبات .أما مسألة الطموح لأي جهة أو قوة سياسية فهو حق مشروع للجميع في إطار العمل الديمقراطي و ولم أسمع عن تيار إسلامي سوري أو حتى عربي وازن يدعوا إلى إقامة دولة أسلامية لا على الطريقة الإيرانية ولا على الطريقة الطالبانية أو غيرها من الطرق , فالجميع يدعوا للدولة المدنية الديمقراطية / تونس , مصر , ليبيا , …الخ /.

 

3- نود أن نناقش مسألة كثيرا ما تم السكوت عليها، مسألة طائفية النظام، حيث يمكن أن نتفق مع الكثيرين على أن النظام السوري نظام يعتمد على العصبيات في ترسيخ وجوده والطائفية والعشائرية كانت أبرز هذه العصبيات ولكن نود أن ندقق في بعض المسائل المسكوت عنها رسميا والشائعة شعبيا، هل النظام علوي؟ كيف تفسر الولاء الأعمى للكتلة الكبرى من الكتلة الشعبية في الطائفة العلوية؟ ألا تشكل الطائفة العلوية حاملاً اجتماعياً للنظام وممارساته الراهنة ؟ هل تتوقع انفكاك تلك الصلة بين النظام وبين الطائفة العلوية إن وجدت ؟ بعد هذا الكم من الدم، هل نحتاج إلى مصالحة وطنية ؟ وهل هي ممكنة ؟ وهل يجري التحضير لها من اليوم ؟

 

السؤال هل النظام علوي أم لا ؟ غير منطقي وعام . يمكن القول أنّ النظام يعتمد على العصبيات الطائفية وبالدرجة الأساس منها العصبية لدى قسم كبير من أبناء الطائفة العلوية الكريمة , والأسباب الكامنة وراء هذا التماهي في السياسة والمصير , ما بين الكتلة الأكبر من أبناء الطائفة العلوية والطغمة الحاكمة يعود للأسباب التي ذكرتها في الجواب الثاني ,إضافة لحجم المكاسب والمصالح التي تكونت من خلال تملك القسم الأكبر من السلطة والدولة من قبل أبناء الطائفة العلوية الكريمة / الوظائف , الإدارات , المؤسسات , المؤسسات الأمنية , الخ…/ وما حققه ذلك لها من مصالح وامتيازات يصعب التنازل عنها ويفسر إلى حد بعيد إضافة للأسباب التي ذكرتها سابقاً أسباب هذا الالتصاق الشديد وربط المصير بالطغمة الحاكمة الذي تبديه الأكثرية من أبناء الطائفة العلوية حتى الآن . وأنا من المعتقدين أنّ هذا الإنفكاك واقع لا محالة , وأن بوادره أخذت تظهر وباعتقادي أنه وكلما اشتد الصراع ومالت الكفة لصالح الثورة وكلما قدمت الثورة بالمواقف والممارسة مخارج وطنية كلما عبدت الطريق وسهلت مثل هذا الإنفكاك, والثورة باعتقادي تمشي بهذا الطريق , كما أنّ تضحيات ونضالات النشطاء من أبناء الطائفة العلوية في صفوف الحركة الديمقراطية عبر السنين الماضية , إضافة لانخراط الكثير منهم ومن الشباب والشابات في الثورة ,لابد وأن يترك أثراً إيجابياً ويزيد من فرص الإنفكاك المأمول . أمّا مسألة المصالحة الوطنية فإني أعتقد أنه ورغم الدماء السورية الكثيرة التي أسالتها الطغمة وحالة الاحتقان والشحن والاستحضار الطائفي التي قامت وتقوم بها الطغمة حتى الآن , ومحاولاته جر البلاد إلى خيار الاقتتال والاحتراب الداخلي , فهي فشلت في ذلك وباعتقادي أنّ الكثير من الاحتقان وبعض مظاهر القتل والانتقام فهي لم تزل في إطارها الفردي والآني ولم تتحول إلى ظاهرات عامة تؤثر على مجرى الصراع وعلى توجهاته الأساس , وأن الكثير منها سيزول بزوال هذه الطغمة , وعندها وفي إطار عملية الانتقال وعبر مؤتمر وطني يمكن البحث بمسألة المصالحة الوطنية ورد المظالم والحقوق إذا تطلّب الأمر ذلك , وهي ممكنة بل وضرورية من أجل طي صفحة الماضي البغيض , ومن أجل بناء سوريا الجديدة والديمقراطية .

 

4- النسبة للتدخل الخارجي ؟ هل يملك ما يكفي من المشروعيات ؟ ما هو السيناريو المتوقع ؟ ما هي مشروعيته الأخلاقية ؟ هل وحدة المعارضة مطلب عضوي في طريق تحقيقه أم أنها نوع آخر من المهل العربية ؟ هل يمكن أن توافق الدول الغربية على تدخل يسقط النظام مع الأخذ بعين الاعتبار أننا نتفق على أن النظام يشكل حارس تاريخي للحدود الاسرائيلية ؟

 

التدخل الخارجي حاصل في سوريا الآن بل ومنذ بدايات الثورة / التدخل الإيراني , التركي , الجامعة العربية ومبادرتها , تحركات الدول في مجلس الأمن ….الخ / .أما مسألة المشروعية فأعتقد أنه يملكها , فليس معقولا أو مقبولاً لا سياسياً ولا أخلاقياً أن يترك شعبٌ بأكمله وحيداً , وهو يتعرض لأبشع عمليات القتل والمجازر خلال الأشهر العشرة الماضية , وعلى المجتمع الدولي أن يخرج من تردده ومن حساباته المختلفة , ويتحمل مسؤولياته السياسية في حماية الشعب السوري من آلة القتل السلطوية , كما نصت عليه مواثيق الأمم المتحدة , وسوريا إحدى الدول المؤسسة للأمم المتحدة . أمّا عن مسألة وحدة المعارضة التقليدية فباعتقادي أنها ليست ضرورية لنجاح الثورة , بل ولا يمكن لها أن تتم لأسباب تتعلق باختلاف مواقفها من الثورة , وتباين مصالحها أيضاً , وأزعم أنها لن تتوحد وكلما اشتد الصراع وتعمق سيزداد الفرز في المجتمع والمعارضة على السواء , وابعد ما يمكن أن يتحقق بهذا الشأن هو نوع من التنسيق فيما بينها حول شؤون ومصالح الثورة . أمّا مسألة سقوط الطغمة فأنا أعتقد أنها مسالة وقت وفي حكم المؤكد سواء أراد العالم ذلك أم أبى , والسبب الأساس في ذلك طبيعة الثورات العربية بشكل عام والسورية بشك خاص , فهي ثورات تقوم بعوامل داخلية كلية وبالتالي فإن الداخل هو من يقرر ويحسم نتيجة هذا الصراع , ولنا في تجربة مصر وتونس وأنظمتهما الحليفة للغرب ولإسرائيل كيف سقطت رغماً عن إرادة الخارج , الذي سعى سريعاً للتكيف مع هذه الثورات وحمل مطالبها .

 

5- ألا تعتقد أن خطاب المجلس الوطني غير موجه للشعب بالشكل الكافي وأنه متفرغ للعلاقات الخارجية؟

 

وفي ضوء ضعف احتمال التدخل الخارجي، ألا يجدر بالمجلس الوطني أن يحسم المسألة سياسيا لينتقل إلى حالة من القيادة على كافة الأصعدة ؟ ألا يحتاج وقتها إلى توحيد الفعاليات المعارضة والانتقال من مخاطبة الخارج فقط إلى مخاطبة كل الفئات الشعبية ومحاولة تفعيلها وتوجيهها وبلورة استراتيجيات حقيقية بالاعتماد على القوة الشعبية ؟

المجلس في خطه السياسي يعبر عن مطالب الثورة خير تعبير , وهو ما عبرت عنه وثائقه الأولى / البيان التأسيسي , البرنامج السياسي / , وينحاز كلياً للثورة والمسألة بهذا المعنى محسومة بالنسبة له , أمّا في الممارسة وفي تحمل المسئوليات في الداخل , فهنا يظهر ضعف أداء المجلس الوطني إن لم أقل عجزه , حيث أنه لم يستطع إقامة الصلات العميقة والضرورية مع الداخل , , ولم يستطع توحيد جهود وقوى الثورة في الداخل أيضاً , كما أنّه لم يستطع تامين أيأً من الحاجات الأساسية لها , بهذا المعنى نجد أن المجلس الوطني يعاني الكثير من الصعوبات والعجز في تلبية متطلبات الثورة وحاجاتها . ………………..

الشكر الجزيل لكم ولجهودكم في الثورة السورية العظيمة

المصدر:

http://www.tanwer.org/tanwer/news/1656.html