تتعرض المنظومة الأمنية الخليجية لخطر جسيم يكاد ان يلامس أمنها القومي بشكل غير مسبوق . فلقد تمكنت إيران من توزيع جملة من المصالح الإقتصادية بين تلك الدول من اجل خلخلة تماسكها الغافي على الحلم الأمريكي الواعد بالحماية .

الصحوة لم تصل لمرحلة المخاوف الإستراتيجية حتى هذه اللحظة .! وإن كانت موجودة لدى بعضها وبشكل غير متناسق وسياق الخطر الداهم على مجمل المجموعة الخليجية .

وهذا يعطي مؤشرات بالغة الخطورة على مفهوم مجلس التعاون الخليجي من حيث التماسك والقوة . ويعود السبب في ذلك للقدرات الإيرانية التي احدثت إختراقات في مناطق الوهن والضعف من حيث البعد المذهبي وتبعية الخوف وتجنب الأخطار المحتملة لدى بعض الدول داخل المنظومة .

أما السبب الخارجي والذي يحمل بعده الجيو إستراتيجي فكان الأمريكي المتخلي عن المنطقة وكذلك المبتعد عن فكرة الحماية والرعاية للمنظومة .

ويدخل هذا الأمر في سياق الإستراتيجية الأمريكية الجديدة والتي تعتبر بأن أمن دول الخليج هو من مسؤولياتها وعليها ان تحمي انفسها ومصالحها بعيداً عن التورط الأمريكي بشكل او بآخر .

ووصول الربيع العربي لسورية فجر كل هذه التناقضات بين حلفاء الماضي الأكثر إلتزاماً وحلفاء اليوم الأكثر إبتعاداً . فالسياسة الأمريكية تصوغها المصالح القومية الأمريكية وليس الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض . على الرغم من ان البيت الأبيض هو المنفذ والحاضن الفكري لتلك الإستراتيجية .

وتشكل إيران اليوم هاجساً مرعباً لكافة دول الخليج ماعدا تلك التي تستشعر بأنها اكثر قرباً من إيران مما يعطيها هذه الطمأنينة المخادعة .!

ويخلق هذا التباين ثقباً في جدار المنظومة ويضعف قدرتها على المواجهة الدبلوماسية بشكل متماسك . وتتحمل المملكة العربية السعودية العبئ الأكبر نيابة عن الضعفاء داخل هذا الجسد .

مما يتطلب من المملكة إنتهاج الدبلوماسية الخشنة في مواجهة الإيراني الآخذ بالتمدد والسيطرة . متزامناً مع توقيع إتفاقها النووي مع مجموعة 5+1 وقرب رفع العقوبات الإقتصادية .

وعاصفة الحزم كانت البداية في هذا التبدل في الدبلوماسية السعودية وكذلك في لهجة وزير خارجيتها الشاب عادل الجبير .وبذات الوقت تعمل السعودية على محاولة إحتواء حالة العداء مع الإيراني من خلال المفاوضات المباشرة وفي مقدمتها إجتماعات فيينا1 , حيث كانت السعودية ترفض الجلوس مع الجانب الإيراني وبحث الملفات العالقة في المنطقة .

ولكن هذا النهج الدبلوماسي والمرن يصطدم بالتشدد والتعنت الإيراني مما يجعل الأفق مغلقاً وإمكانية إيجاد حلول لمشاكل المنطقة وفي مقدمتها المعضلة السورية أمراً صعباً وغير قابل للتحقق في المنظور القريب . وسيتبع ذلك المزيد من الخطوات التصعيدية في المنطقة وسورية على وجه الخصوص . فخسارة إيران في سورية امر صعب ويحتاج لإرادة خليجية وسعودية حاسمة تبدل من كل قواعد اللعبة ومن خلال تقديم الدعم العسكري للثوار السوريين , دون النظر إلى ماتحمله تلك القوى من فكر ديني معتدل او متشدد .

وبالطبع فليس المقصود هنا داعش وإنما الفصائل السورية القادرة على تغيير المعادلة على الأرض بقوة وثبات . ورغم التدخل الروسي المباشر في سورية فإن إمكانية هزيمة إيران وروسيا ليست بمستحيلة إذا إجتمعت المصلحة والإرادة الخليجية على ان كسر الخطر الإيراني في سورية اولاً وأخيراً . لما سيعقبه من هزائم تدريجية وإضعاف لقدراتها في دعم الجماعات الإرهابية المنتشرة في اكثر من بلد عربي .

ولابد لدول الخليج من إدراك اهمية إنتصار الثورة السورية والتي ستشكل سداً منيعاً امام الطوفان الإيراني المدفوع بقوة الدعم الروسي وهشاشة الأمريكي ..ومالم تدرك ذلك فإن قادم الأيام لايحمل خيراً لأي بلد عربي مهما كبر شأنه او اعتقد أنه آمن وبعيد عن متناول الذراع الإيرانية الخبيثة …

 

السلطة الرابعة : فيينا : أحمد رياض غنام